رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضحك والدموع في رحلة سمير صبري بكتابه «حكايات العمر كله»

سمير صبري
سمير صبري

عبر 301 صفحة من القطع المتوسط، أصدرت "الدار المصرية اللبنانية" كتاب "حكايات العمر كله" والذي كتبه الفنان سمير صبري، مستعرضا رحلته التي تخطت الخمسون عاما ما بين الأضواء وعالم الفن، في السينما والتليفزيون والإذاعة، الكتاب صدر منذ أسبوعين بمقدمات للمؤلف وعالم الأثار ووزيرها الأسبق دكتور زاهي حواس، بالإضافة للإذاعي الكبير والمحاور مفيد فوزي.

يطرق المؤلف أولى العتبات ليحكي عن دور القدر في مشواره في الحياة والفن، مع أبيه، "اللواء" الصارم اللطيف.. الجنرال العسكري الكبير بنفوذه وكلامه القليل وتلك السمات التي ارتبط بها جيل الفترة الليبرالية فيما يخص الانطلاق والخروج من أسر الثقافة العربية أو المصرية للتحليق في سماوات أخرى أكثر رحابة، يظهر سمير صبري في مؤلفه الوحيد علاقته بأبيه وخروجه من مصر وبدايات النشأة والمولد بمدينة الإسكندرية عاصمة الثغر ودراسته بجامعة "فيكتوريا كوليدج" وكيف كان رفيقا لعمر الشريف والملك حسين ملك الأردن ويوسف شاهين وأحمد رمزي.

وكذلك كيفية ما صنعته الأقدار لتسير خطى الفنان أو الطفل الحالم بالشهرة والأضواء ليلتقي عبد الحليم حافظ صدفة في الأسانسير ليقدم نفسه للعندليب تحت اسم "الطفل بيتر الإنجليزي المولد" والذي يشاركه السكن بعمارة الفنانين، أو عمارة الفن والتي كان يسكنها حليم ونجوى فؤاد وفنانين كثر، الكتاب يخفي في ثنايا السرد المدفوع بقلق المؤلف وضبطه للحفاظ على ثمة مساحات ما بين ما يجب قوله أو سرده في مؤلفه العتيق الهادر الصاخب والمأساوي في آن، حيث أن لسمير صبري مبدأ أو خصوصية في تربيته وعلاقته بأبويه وكل المحيطين به.

وعبر 37 شخصية فارقة بمكانتها ووجودها الإنساني والسياسي والاجتماعي، واصل النجم الضاحك الباكي الساخر، سمير صبري، كيف تعرف على المذيعة آمال فهمي في برنامجها "على الناصية" ومن خلال تبنيه كموهوب، من قبل الفنان عبد الحليم حافظ في فيلم "حكاية حب" ليواصل التحليق ما بين العمل في برنامج "ركن الطفل" مع الفنانة لبنى عبد العزيز والتي كانت تقدم برنامجها عبر البرنامج الأوروبي والمذاع بالإنجليزية عبر أثير، الإذاعة المصرية، حدث كل هذا وكأن سمير صبري يحيا بأحلامه بعيدا عن والديه، اللواء جلال صبري والذي انفصل عن والدته لتخبره الأم بعد ذلك بضرورة ذهابه مع أبيه للقاهرة، ويترك سمير الإسكندرية عشقه الأبدي ومكان ميلاده، وينزل القاهرة ليقيم في الزمالك وهو لا يدرك طبيعة ولا حقيقة ما حدث بين والديه أو مزق الألفة من بيتهم، وتكتمل ضربات القدر السعيدة ويقدم العندليب "بيتر" الطفل أو سمير جلال صبري إلى بطلة فيلم "الوسادة الخالية" النجمة لبنى عبد العزيز ليحترف بعدها بالإذاعة ببرنامج "ركن الطفل" ليواصل الصعود كمذيع مثقف ويجيد أكثر من 6 لغات.

قدم سمير في رحلته أكثر من برنامج، كان يتواصل عبرهم مع جماهير شتى في الوطن العربي ومصر ليختير من قبل الراحل عبد القادر حاتم، وزير الإعلام فترة الناصرية وهو من أنشأ التليفزيون المصري، بتبني "سمير صبري فنيا كونه قد اقتنع بنبوغه وجرأته وحراكه الدائم ليقدم برامجه التي تمثل كلاسيكيات فنية وحوارية تنتمي للزمن الجميل تمثلت في برامج، "النادي الدولي" "هذا المساء" "كان زمان" "مشوار" والذي تعرف وعرف الجمهور المصري به ومن خلاله على عظماء ورموز عديدة في المجال السياسي والفني والموسيقي مثل اليزابيث تايلور والسلطان قابوس وعمر الشريف وحليم وفاتن حمامة والصبوحة وسعاد حسني ومئات من نجوم الفن والسياسة والأدب والصحافة، مثال مصطفى أمين الذي تعلم صبري منه الكثير فيما يخص معان الطموح وثمنها، وكذلك ضريبة النجاح وضرورة الإخلاص للفن، من منطلق الإيمان بالحرية واختيار الإنسان لعشيقة واحدة.. وهو ما يذكره بقلمه "سمير صبري" الذي اكتشف القاريء ومتابعي الفن والثقافة والسينما، أن سمير تزوج وأنجب وان ابنه يعيش بانجلترا ويصر النجم المتلأليء والذي خاب سعيه في حصاد ما يستحقه وتستحقه رحلته أو مشواره مع الفن والإعلام والشهرة وصخب الأضواء، من تكريم يليق به وخاصة على المستوى السينمائي، كونه شارك في بطولة ما يزيد عن الـ130 عملا سينمائيا بخلاف إنتاجه لخمسة أفلام منهم منزل العائلة المسمومة "دموع صاحبة الجلالة" ليحكي بألام جمة، أنه ليس حزينا. فيكفيه حب الجماهير ورأي رجل الشارع، يعرج الكتاب على محطات مثيرة في رحلة الفنان سمير، حيث القرب من نجمات بعينهم، مع علاقات رومانسية ملتهبة بالإسكندرية والقاهرة وداخل الوسط الفني، ولكنها كانت طي الكتمان.

سمير ومن بين ثنايا حكيه العفوي والممتع في كتابة المدهش، يظهر الكثير من مساحات الخجل وثوابته التربوية تجاه معان الحياة والحب والسلوك والتواصل وتقديم يد العون لكل محتاج ومريض من الوسط الفني وخارجه، ودون انتظار مقابل، وهذه هي حقيقة الفنان الذي تتشابه طلته بحكيه، ويختلف ظاهره بملامحه الضاحكة، عن حزنه الدفين تجاه ما ضاع وخاصة ونس الأهل ودفء الأسرة بين الأب والأم وكذلك بعده عن حبيبته الأولى التي تقيم بالعاصمة البريطانية والتي يقول حكيه وعلى لسانه في كتابه الممتع "حكايات العمر كله" إنها زوجته وأم ابنه الوحيد والذي ظهرت صورته دون إشارة في كتابة أو وسط ألبومه الدال وصوره العديدة التي يضمها الكتاب مع عمالقة الفن والسياسة والصحافة.

"حكايات العمر كله صدر عن الدار المصرية اللبنانية في 301 صفحة من القطع المتوسط ويعتبر قمة مفهوم المعنى والدلالة والحكي، حيث أن الحكي السلس والهادر والعفوي، يحجب الكثير من الوجع والدمع والندم، على ما اتصل فانفصل ولم يلتئم بل زاد الجراح والحزن الذي حاول الكاتب صاحب السيرة والحكاية والمشوار والمؤلف سمير صبري في إخفائه.