رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداع الكبار 5| زوجة خيري شلبي: 3 مواقف أثبتت لي أنه علم بموته.. والله دعاه للحج مرتين

 خيري شلبي
خيري شلبي


كان خيري شلبي متوقعًا لموته بحسب ما روته أرملته فوزية السنهوري، فهناك ثلاث دلائل أكدت لها بحسها كزوجة ان هناك قلق قادم، لكنها لم تنظر للامر في حينه على أنه دلالة لموته، وبعد الرحيل فكرت في أفعاله وتصرفاته وعرفت بيقين تام نا هناك رسولا للموت كان يجري على لسان المبدع الكبير، وحول أيامه الأخيرة التقت الدستور أرملته وكان هذا الحوار حول آخر أيام المبدع الكبير والحكاء الاعظم خيري شلبي..

- 3 مواقف أثبتت لي أن خيري يعرف موته.. وهذه دعوته المستجابة
قالت فوزية السنهوري زوجة الراحل خيري شلبي عن آخر أيام حياة الروائي الكبير إن شلبي كان متوقعًا لموته وهناك الكثير من الدلائل التي نمت عن ذلك ومن هذه الدلائل أنني كنت أشتري في كل عيد ملابس جديدة عبارة عن "ترينج" أو اثنان وحين يكونان أطول منه فإن ريم عادة تقوم بقص الزوائد ولكن هذه المرة وحين قالت له ريم ادخل يا أبي وقم بقياس الملابس لكي نقوم بقص الزوائد كما هي العادة قال لها خيري شلبي" مفيش داعي يا ريم"، ومع أن ريم محترفة وهوايتها الخياطة بإتقان ويعرف شلبي ذلك ولكن خيري لم يقص الملابس كأنه كان يعلم تماما أنه لن يلبسها.

تضيف السنهوري:" شئ آخر تعجبت له، يوم العيد وكما هي عادته بعد الغداء يجلس في حجرة مكتبه ونجلس نحن بعيدا عنه لنوفر له الهدوء اللازم لكي يهاتف أصدقاؤه أو يكتب مقاله او أي شئ، ولكنه هذه المرة نادى على الأطفال أحفاده الصغار أحمد وسلمى ويحيى وعلي وقمنا كلنا لنرى ماذا يريد فوجدناه قد فرد كرسي مكتبه مثل "الشيزلونج"، وتمدد عليه وقام بحمل يحيى حفيده ابن إيمان والذي لم يكن عمره يتجاوز بضع شهور، وقام خيري بجمع الأحفاد حوله وقال لهم: "صوروني مع أولادي"، وبالفعل التقطوا له صورة وكانت آخر صورة لخيري شلبي.

تكمل السنهوري: "هناك أيضًا إشارة ثالثة فكرت فيها كثيرًا، في كل مرة يخرج فيها خيري شلبي على القنوات أو في حواراته الصحفية يقول أنا لم أكتب شيئًا بعد، وكل ما فعلته وبرغم كل تلك الكتابات لكنني لم أكتب إلى الآن، لكني وجدت عكس ذلك هذه المرة، وهي المرة الوحيدة التي قال فيها هذا، كان جرس الهاتف قد رن وكان على الطرف الآخر الصحفي بأخبار الأدب محمد شعير وبعد أن اطمأن على صحة خيري شلبي سأله هل تكتب رواية جديدة أو في طريقك لكتابة رواية جديدة، وكان رد خيري شلبي مغايرًا لما كنت أسمعه منه وما كان يقوله في كل مكان، قال شلبي لشعير: "كنت فعلا بدأت في رواية ولكني نحيت الأمر واقتنعت أنني كتبت كل شئ، وكل ما يمكنني أن أكتبه كتبته، الله منحني كل شئ، الأولاد والأطفال، وأنا الحمد لله لا أحتاج من الدنيا أي شئ آخر، سمعت هذه العبارة وانتابتني بوادر قلق كبير، وأن هناك شيئًا ما سيحدث، لكن خيري كان بصحته ولا يشعر بأي ألم أو أي شئ يمهد لموته، كان يعلم تمامًا بدنو أجله وأنه قريب من الموت.

تواصل السنهوري: "كانت لخيري شلبي دعوة مستجابة، والحكاية أنه قبل موته بشهر كان قد أرسل في طلب علاج له من صيدلية أسفل بيتنا، وحين رن جرس الباب وكان مندوب الصيدلية وجدت خيري يفتح الباب فدخلت على المطبخ، ولم أسمع وقع خطواته بالداخل فخرجت لأستطلع الأمر، فوجدت الباب مفتوحًا وبحثت عن خيري فلم أجده، وبعد ربع ساعة وجدته يدخل إلى البيت ويرفع رأسه للسماء ويقول: "يارب لا تضعني في هذا الموقف، ولا تتعب أحبابي من حول"، فسألته فأخبرني أنه خرج ليفاجأ بجارنا والد الدكتورة علياء محمولا على كرسي، وقد داهمته جلطة أصيب على إثرها بشلل، ولا يستطيع المشي ويتنقل محمولا بكرسيه، وقابل خيري الدكتورة ابنة جارنا وأخبرته بذلك فقلت له بالفعل أنا أعرف بأمر الجلطة وزرتهم في بيتهم، فقال لي: لماذا لم تخبريني؟"، فقلت له لقد نسيت الأمر، وبعد رحيل خيري تذكرته وتذكرت دعوته التي استجابها الله.

- أصلان آخر من هاتفه.. ومات ولم يكمل مقال الوفد
روت السنهوري كيف مات خيري شلبي وهو يمارس أحب شئ إليه في الوجود، وهو الكتابة، تقول: "حين مات خيري شلبي كان يكتب مقاله الذي ينشر بجريدة الوفد، ولم يكمله، قبلها بدقيقة واحدة كان قد اتصل به إبراهيم أصلان، كانا مثل "ناقر ونقير"، يتعاركان ولكنهما سرعان ما يتصافيان، كانا يحبان بعضهما محبة عظيمة، ورحيل خيري شلبي أثر على إبراهيم أصلان لدرجة أنني علمت أن آخر ما ذكره أصلان قبل رحيله هو خيري شلبي.

تكمل السنهوري: "ظلا لمدة ساعة ونصف يتحدثان عبر الهاتف، وكنت أعرف وقت رنين الهاتف بعد منتصف الليل أنه إبراهيم أصلان، كان يحلو لهما الكلام والكل نيام، وكانا يسهران يوميا يتحدثان ويضحكان وبعدها يقوم خيري شلبي ويشرب كوب لبن ويتناول ملعقة زبادي أو عسل ويخلد إلى النوم، فخيري حين مات كان يكتب مقاله الذي ينشر بجريدة الوفد، وبعد أن أغلق خيري شلبي الخط جلس على حافة سريره فقلت له: "كل ده كلام مع أصلان"، فأخبرني أن إبراهيم يواجه بعض المتاعب، وحكى لي كيف أنه كان يسكن في الكيت كات، وله صديق يدعى الدكتور هاني عنان له شقيق يملك شقة بمنطقة المقطم وطلب من أصلان أن يقوم بتأجيرها كسكن له ولأسرته، وبالفعل وافق أصلان وقام بتأجير الشقة منه، وزوجة إبراهيم أصلان كانت لها صديقة دكتورة تصليان معا وكانتا على علاقة قوية جدا ببعضهن، وهذه السيدة كانت معها سيارة تقوم بركنها بالجراج أسفل العمارة، وفي يوم كانت تركن سيارتها ونزلت وأغلقت أنوارها فدخلت سيارة أخرى لما ترها وصدمتها وماتت من فورها في الجراج، وهنا طالبت زوجة إبراهيم اصلان بالرحيل من الشقة قبل حتى أن يفرغ كتبه من الكراتين، وأصبحت لها عقدة من العمارة ولا تستطيع العيش فيها، وبالفعل نقلت من الشقة.

أما كيف عرف إبراهيم أصلان بأمر موت خيري فقد اتصلت به ريم وأبلغته خبر وفاة والدها، فلم يستوعب أصلان الخبر خصوصًا وأن خيري شلبي كان يكلمه قبل ساعة، وظل إبراهيم أصلان حزينًا على خيري شلبي حتى أن زوجة هشام أصلان دخلت على إبراهيم وهي تسأله هل يريد شايا أو غيره فرفض وقال لها "هو خيري شلبي مات بجد"، وبعد هذا السؤال بربع ساعة كان إبراهيم أصلان ميتًا، والفرق بينهما أربعة شهور.

- الشقة كانت آخر وصايا خيري شلبي.. والأبنودي كان سببًا في عدم كتابته الشعر
تواصل فوزية السنهوري ذكر آخر أيام خيري شلبي فتقول: "قبل أن يموت خيري بعدة أشهر قال لي فجأة:" اوعي لما أموت العيال يبيعوا الشقة"، فاستغربت كثيرًا لقوله، وشعرت بعد ذلك أنها وصيته الأخيرة، والتي يجب أن نحافظ عليها، أما هذه الشقة فلها حكاية في حياة خيري، والحكاية أنه بعد عودته من الإسكندرية سكن في فندق "أمبريال" في الأزبكية، وله حجرة مخصصة له هناك، ولكنه ما إن فكر في الزواج حتى تحدث مع صديقه نعمان عاشور وقال له أنا أريد شقة في القاهرة للزواج، فقال له نعمان إنه اشترى قطعة ارض في ضواحي المعادي وبنى عليها فيلا، وبإمكانه أن يوفر له شقة لزواجه في المعادي، فوافق خيري شلبي وبالفعل بعد فترة هاتفه نعمان عاشور بأنه قد وجد له شقة تصلح للزواج، فرآها خيري وأعجبته وبالفعل تزوجنا فيها.

كان خيري صديقًا لنعمان عاشور لأن خيري لم يكتب الرواية في بداية حياته وإنما كانت أول رواية يكتبها عام 1971 بعنوان "اللعبة خارج الحلبة"، وقبلها كان يكتب المسرح والسهرات والتلفزيونية ومن هنا عرفه عبقري المسرح المصري نعمان عاشور وأصبحت بينهما صداقة قوية، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن خيري بدأ حياته بكتابة الشعر، وأن الأبنودي كان سببًا رئيسيًا لتوقفه عن الكتابة في هذا الاتجاه، والحكاية أن خيري كان صديقًا مقربًا للأبنودي ويحيى الطاهر عبدالله وأمل دنقل، وكانوا يجتمعون مع بعضهم، وفي يوم سمع خيري قصيدة قوية من الأبنودي فقال له يا أبنودي بعد هذه القصيدة أنا لن أكتب الشعر مرة أخرى، وبالفعل كان ذلك آخر عهده بالشعر ليتوجه لكتابة الرواية وتصدر عام 1971 ويهديها لريم ابنته.

- يحيى حقي ندم على عدم نشره قصة خيري.. وهذا هو سر كتابته بالمقابر
كتب خيري شلبي أول قصة قصيرة له وذهب بها إلى يحيى حقي وكان رئيسًا لتحرير مجلة المجلة في ذلك الوقت، ومنحه خيري القصة ونظر فيها حقي، وقال لخيري:" لا يا خيري اجتهد قليلا" وامسك خيري بالقصة وقطعها ورماها في الشارع، وفكر يحيي حقي في القصة، وأعاد فيها النظر وراح يسأل عن خيري ويبحث عنه في كل مكان ولم تكن هناك وسيلة للاتصال، وحدث بعدها بعام كامل أن التقى حقي وشلبي فطلب منه القصة التي قرأها عليه فقال له لقد قطعتها ورميتها في يومها، وهنا أوصاه حقي بألا يرمي أي شئ كتبه حتى ولو شخبطة عادية وليست قصة قصيرة، وحزن يحيى حقي وقال لشلبي:" أنا أريد القصة الآن لنشرها وانت تسرعت وقطعتها"، ومن يومها لم يرم خيري شلبي أي شئ كتبه حتى ولو شخبطة كما قال له يحيي حقي.

أما سر كتابته بالمقابر فكان خيري شلبي يكتب في مكتبة بمنزله، وبالرغم من أن له أربعة أبناء لكنهم كانوا يصمتون تماما وهو يكتب، لكنه في مرة كان راجعا بسيارته وتعطلت في الطريق وجلس على مقهى وأثناء انتظار سيارته أخرج قلمه وراح يكتب، ومن بعدها راح يزور المنطقة ويكتب فيها واستأجر حوش في المقابر وكتب أهم رواياته في تلك الفترة.

- كان آخر ما تذوقه هو طبق سمك بلطي وجمبري.. وحج مرتين بدعوة من الله
تحكي السنهوري عن آخر ما تذوقه خيري شلبي فتقول: "كان أخر ما دخل جوفه هو طبق سمك بلطي وجمبري، كان من عادة خيري أنه يستيقظ في الثانية ظهرا، ولكنه في هذا اليوم ظل نائما حتى الخامسة قبل المغرب، وقلقت أنا عليه جدا، وحين خرج عاتبته وقلت له "كل ده نوم يا خيري"، فقال لي:" انا مستيقظ منذ فترة ولكني أعرف أنك ستدخلين لعمل الأكل وأنت صائمة، ولهذا تعمدت عدم الخروج"، قلت له أنا أصوم الستة البيض سنة وليس فرض ولست في حالة جوع أو عطش، المهم أنني قليت له السمك البلطي، وأعددت له الشاي الأخضر بدون سكر، وبعدها دخلت لأصنع له فنجان قهوة، فدخل المطبخ خلفي، فوجد باقي الجمبري لم أأكله فسألني فقلت له انا لن أأكل الجمبري فسحب شوكة وأكل الجمبري، وهنا لم أعمل له قهوة وعملت له كوب شاي أخضر لمرة ثانية، لم يكن متعبا ولم يشكو من أي شئ.

أما حكاية حجه مرتين فجاءت بالصدفة ولم يخطط أبدا لهذا الأمر، كان هذا عام 2004، كان وقتها خيري متواجدًا بالبيت ورن جرس الهاتف ولا أتذكر من كان نقيب الصحفيين في تلك الفترة، لكني رفعت سماعة الهاتف وأجبت فسألني إن كان خيري شلبي قد أدى مناسك الحج قبل ذلك فأجبته بالنفي، ومنحت سماعة الهاتف لخيري فوجدته يقول: "هل يمكن أن تأتي زوجتي معي؟"، فقال له نقيب الصحفيين: "لا"، فقال خيري شلبي: "دعاني لبيته" وكانت أول مرة يزور فيها خيري شلبي قبر الرسول والكعبة المشرفة.

بعدها بعام قال خيري شلبي لزين ابننا الذي يعمل بالصحافة: "يا زين قدم لوالدتك في نقابة الصحفيين للحج، وبالفعل تم قبولي من أول مرة، وضحك زين وقال لي: "أنا بقدم لبابا من 10 سنين وانتي أول مرة واتقبلتي"، وفي عام 2006 جاءت رنة طويلة "ترنك" في التليفون، ووجدت شخصا يكلمني بلهجة عربية وقال لي إنه من السعودية، وسألني عن خيري شلبي فناديته وقلت له ارفع السماعة، وسمعت خيري يقول له: "أنا حجيت قبل كدا"، وعرفت الحوار بعد ذلك أن هناك دعوة من القصر الملكي لخيري شلبي للحج، فوافق خيري شلبي وقال له نفس العبارة: "دعاني لبيته"، فضحك خيري وقال لي: "عاوزين مني أحج تاني"، وكان معه في الرحلة المذيع حسن الشاذلي ووجدناه مرتديا زي الإحرام في نفس يوم سفر خيري شلبي وقلنا له: "خلي بالك من عمك خيري"، وبعد عودته من الحج أقسم خيري لي كأنه رأى الجنة بعينيه، الحج الملكي كان مميزا جدا وكانت هناك ترتيبات مسبقة لهم وراحة ما بعدها راحة، وضحك خيري وهو يشرح لي كيف كان ضيوف الملك من الصفوة ويلاقون كل سبل الراحة، وكل دقائق يأتي أحدهم ليسلم على خيري شلبي ولاقى كل حفاوة وترحاب بشكل كبير جدا، وكان مبسوطا جدا، خيري كان مشهورا في الدول العربية أكثر من مصر، وكثير من الطلبة يقرأون له في كل مكان.