رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ أحمد الزيات.. آية فى العلم



فضيلة العلاّمة الشيخ المقرئ أحمد عبدالعزيز أحمد محمد الزيات، الأزهرى المصرى المدنى الضرير، كان الشيخ إمامًا فى القراءات بلا نظير، وآية فى العلم والحياء والفضل والنُبل، زكىَّ القلب، يقظ الضمير، من أجلة علماء العلوم الشرعية والعربية، وقد نفع الله به طويلًا الأمة.. ولد بالقاهرة فى ٧ مايو ١٩٠٧م.
التحق بالأزهر الشريف بعد أن حفظ القرآن الكريم وحصل على كثير من العلوم العربية والشرعية، ثم أخذ القراءات العشر الصغرى من طريقى الشاطبية والدرة، والعشر الكبرى من طريق طيبة النشر عن كل من الشيخين الكبيرين: الشيخ خليل الجناينى وفضيلة العلاّمة الشيخ عبدالفتاح هنيدى، وهما قد أخذا عن العلامة شيخ الديار المصرية فى القراءة والإقراء فى وقته الشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولى.
كانت مسيرته العلمية حافلة بالعطاء والخير والبركة، فقد جلس الشيخ للإقراء بمنزله بجوار الأزهر الشريف بالقاهرة، وانقطع له مدة ثم اُختير مدرسًا للقراءات بقسم تخصص القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، وظل هكذا إلى أن أحيل للتقاعد.
ثم فى عام ١٩٨٥م اُختير مدرسًا للقراءات فى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم مستشارًا علميًا لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنوّرة. وفى عام ٢٠٠١م عاد إلى مصر.
ومن أقرانه المبرزين فى العلم وإخوانه المشهورين فى أسانيد إجازات القراءات فى مصر الشيخ محمد على خلف الحسينى الحداد، شيخ عموم المقارئ المصرية- فى وقته- والعلامة الشيخ على محمد الضباع الذى ولى الشيخ محمد على خلف الحسينى فى رئاسة مشيخة المقارئ بالديار المصرية، والمحقق الكبير الشيخ على سبيع ومن فى طبقهم. وذلك لأن أولهم قرأ على عمه العلاّمة الشيخ حسن خلف الحسينى، والثانى أخذ عن الأستاذين الشيخ حسن الكتبى والشيخ الخطيب الشعار والشيخ محمد بن أحمد المعروف بالمتولى، فالتقت أسانيدهم مع إسناد الشيخ الزيات من هذا الوجه، فصاروا أقرانه بذلك، وإن تقدمه بعضهم فى السن.
صنف الشيخ عددًا من الكتب منها: تنقيح فتح الكريم فى تحرير أوجه القرآن من طريق طيبة النشر، نظم سلس وهو من أنفس كتب تحرير طيبة النشر، شرح تنقيح فتح الكريم، وهو مخطوط ينقله كل من أخذ عنه القراءات العشر من طريق طيبة النشر، تحقيق عمدة العرفان للإمام الأزميرى مشاركة مع تلميذه العلاّمة المحقق الشيخ جابر المصرى.
تلامذة الشيخ خلق كثير يخطئهم العد من الديار المصرية وخارجها. حصلوا منه على إجازات فى التجويد والقراءات السبع والعشر الصغرى والكبرى، فمن أشهر تلامذته الذين قرأوا عليه القراءات العشر الكبرى: الشيخ عبدالفتاح السيد عجمى المرصفى، والشيخ عبدالمحسن شطا، من علماء الأزهر، وكان شيخ قسم القراءات التابع لكلية اللغة العربية، والشيخ الدكتور عبدالعزيز إسماعيل، والشيخ الدكتور أيمن سويد، والشيخ قاسم الدجوى، من علماء الأزهر، وكان مدرسًا بقسم تخصص القراءات، والشيخ محمد تميم الزعبى، والشيخ حازم سعيد حيدر الكرمى، والشيخ المقرئ غالب بن محمد المزروع، والشيخ أحمد شعبان الشهير بأحمد ثابت، مدرس مساعد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم، والشيخ أحمد مصطفى، دكتور جامعى، والشيخ عبدالله المهيب.
وكان باب الشيخ مفتوحًا يقرئ القراءات لطلابه يرحلون إليه من كلِّ أقطار الأرض لأنه أعلى القراء إسنادًا فى مصر فى هذا العصر.
ومن صفاته التى ذكرها تلميذه الشيخ الدكتور أيمن سويد، قال: كان عفيفَ اللِّسان، لا يَغتابُ أحدًا، ولا يَسمح لأحدٍ أن يغتاب عنده، وكان حريصًا على طلبته، حنونًا عليهم ودودًا معهم.
من مآثره الطيبة ما ذكره الشيخ الدكتور أيمن رشدى سويد، أنه فى سنة ١٩٨٠ كان فى مصر يقرأ القراءات العشر من طريق طيبة النشر على أستاذه الشيخ العلَّامة الإمام المقرئ أحمد عبدالعزيز الزيات الذى كان كفيف البصر.
يقول: كان من صفاته أنه يشفق على طلاب العلم، خاصة الغرباء عن مصر، فأحيانًا وأنا أقرأ عليه فى بيته خلف الجامع الأزهر كان يقف؛ ويطول وقوفه، فلما يطول وقوفه أقول له: «سيدى تفضل واجلس لماذا واقف؟». فيقول لى: يا ابنى أنا إذا جلست سأنام «يعنى نعسان»، فأقول له: إذن، أذهب وأعود فى وقت آخر. فيقول الشيخ: لا لا، تابع القراءة أنا عايز أخلصك، أنت تدفع فلوس ومستأجر شقة وتدفع مواصلات، أنا أريد أن تنتهى بسرعة وتعود إلى بلدك.
وأحيانًا كان يقول لى: «توقف عن القراءة»، ثم يذهب إلى الحمام ويغسل وجهه حتى يذهب عنه النعاس، ويقول لى: «تابع القراءة».
اللهم ارزقنا همم الكبار
فهو وإن كان كفيف البصر، إلا أن همته فاقت همم كثير ممن يبصرون.
لم يكن الشيخ العلامة أحمد عبدالعزيز مجرد مُقرئ للقرآن، لكنه كان مضرب المثال فى الورع والتقوى، فاستحق أن يكون إمام القراءات فى مصر بلا منازع.
لا يعلم كثيرون قدر الرجل، رغم أصوله المصرية، ورغم ثقافته الأزهرية الأصيلة، فلم يكن الرجل يحب الظهور، فقد كان زكى القلب، يقظ الضمير، من أجلة علماء العلوم الشرعية والعربية.
ورغم أن الرجل كان ضريرًا لا يبصر، فقد وهبه الله بصيرة وضاءة أنارت له الطريق إلى العلم الذى نهل منه الكثير، حتى صار مضرب المثل، وإليه يرجع واحد من أهم العلوم وهو علم القراءات.
بعد حياة دامت تسعة وتسعين عامًا فى خدمة القرآن وأهله، توفى فى صبيحة يوم الأحد ١١ أكتوبر ٢٠٠٣م، وصلّى عليه فى الجامع الأزهر تلميذه الشيخ عبدالحكيم عبداللطيف، شيخ مقرأة الجامع الأزهر بالقاهرة.