رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل من بديل؟ «2»




تناولنا فى المقال السابق دواعى الاهتمام الملحوظ، على أكثر من مستوى، لقضية تصفية الصرح الصناعى الكبير: «شركة الحديد والصلب المصرية»، وأوضحنا بعض مصادر وأسباب هذا الاهتمام، ووافقنا فى بداية المقال على أن الهدف من أى مشروع صناعى هو تحقيق الربح المادى، لكن أُضيف أن هناك أشكالًا أخرى من الربح، لا يعترف بها المنطق الرأسمالى البحت، منها دور مثل هذه الشركات الاجتماعى فى التشغيل والحد من البطالة، ودورها الذى لا يُقدَّر بثمن فى تأمين المصالح الوطنية العليا للبلاد، مثلما حدث فى حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، وقبلهما مشروع السد العالى، وغيرها من المشروعات القومية الكبرى، التى كان لا يمكن إنجازها دون مشاركة هذه الشركة وغيرها من الشركات الشقيقة.
يطرح «التصفويون»، أو دُعاة «التصفية»، كسبب أساسى لادعائهم الخسائر المادية المتراكمة للشركة، والسؤال الذى لا بد من مناقشته هنا: من أين أتت هذه الخسائر؟ ومن المسئول عن تفاقمها إلى هذا الحد؟ وهل يمكن «تدبير» أمر تسديدها، خصوصًا أنها تعود فى أغلبها إلى مؤسسات حكومية، بدلًا من سياسة قطع عنق الشركة المطروحة حاليًا؟ وسنحاول هنا أن نسهم فى توضيح ملامح الصورة!
يقول المثل الشعبى الدارج: «اطبخى يا جارية. كلف يا سيدى؟!»، أى أن أى طلب، حتى يكون منطقيًا، يجب أن يحمل مقومات تلبيته، فحين نطلب من الشركة أن تُحقق أرباحًا، لا بد أن نتساءل: هل قدَّمنا لها ما يُساعدها على الوفاء بهذا الطلب؟ والإجابة فى حالتنا التى نتدارسها هو «لا» واضحة بلا لبسٍ أو غموض، وإليكم الحيثيات، وهى بالمناسبة ليست جديدة، وإنما مُستمدة من مصدرين لا يمكن التشكيك فى معرفتهما ونزاهة مقاصدهما، أولهما، وهو الأقدم، حوى استعراضًا لأسباب خسائر الشركة، جاء فى تعقيب للمهندس الاستشارى «عبدالرحمن أحمد محمود»، رئيس قطاع الشئون الفنية السابق بشركة الحديد والصلب، على مقال للصحفى الكبير الأستاذ «أحمد الجمّال»، نشره على صفحة «فيسبوك الخاصة به، يوم ٢١ يناير»، وفيه يضع المهندس العليم بالشركة وأحوالها، أيدينا على أحد أهم أسرار الخسائر المُتراكمة التى أثقلت كاهلها، اعتمادًا على تقرير لبيت خبرة شركة «تاتا ستيل» البريطانية العالمية الذى استقدمته الدولة لاقتراح الحلول لمشكلات الشركة وأزماتها «عام ٢٠١٤»، بعد دراستها دراسة وافية، ونختصرها فى التالى:
- يُشكل فحم الكوك المصدر الرئيسى للطاقة المُستخدمة فى المصنع «٧٥٪»، والباقى يُستمد من الغاز الطبيعى «١٤٪»، والكهرباء «١١٪».
- يتكلف مصنع الحديد والصلب ١٠٤ جنيهات لشراء المليون وحدة حرارية بريطانية «BTU»، المُستخرجة من فحم الكوك، التى تُغطى ثلاثة أرباع احتياجاته من الطاقة، بعد أن فُرض عليه إغلاق جميع الأفران التى كانت تعمل بالكهرباء، والتى تدعمها الدولة لشركات القطاع الخاص والاستثمارى، فتبيع لها المليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الطبيعى بـ٢٦.٧ جنيه، أى أن المصنع يدفع أربعة أضعاف ما تدفعه هذه الشركات مقابل كل وحدة حرارية!
- تدفع الشركات الاستثمارية والخاصة ما قيمته ٣٠ جنيهًا مُقابل المليون وحدة حرارية بريطانية من الكهرباء، أى أن مصنع الحديد والصلب يشترى أغلب حاجاته من الطاقة بثلاثة أمثال ما تدفعه الشركات المُنافسة مقابل الطاقة الكهربائية!
ومن الطبيعى فى هذه الظروف القاهرة أن يخسر المصنع فى معركة غير متعادلة بين طرف مُقيد اليدين والقدمين، ومطلوب منه أن يفوز فى سباق المسافات الطويلة ضد آخرين طُلقاء، ومُدللين، لأن سعر الطاقة فى هذه الصناعة هو الفيصل فى تقدير التكلفة، وبالتالى تحقيق الأرباح، وفى ظروف لمسها تقرير شركة «تاتا»، الذى تناوله مقال مهمٌ آخر، للخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلوى العنترى، «جريدة الأهرام، ٨ فبراير ٢٠١٥»، مُتضمنًا المطالبة من أجل إصلاح أحوال «شركة الحديد والصلب»، تنفيذ مجموعة من الخطوات المُلحّة «لم يُنفذ منها شىء»، أبرزها:
■ توفير فحم الكوك بالكميات والجودة المطلوبة.
■ تطوير نظام الصيانة بالشركة.
■ إحلال المُعدات منتهية الصلاحية، واستبدالها بأخرى جديدة.
■ إصلاح وصيانة خطوط السكك الحديدية الخاصة بنقل المعدن السائل.
■ تنمية الموارد البشرية للشركة «كان عدد العمال وقت إعداد التقرير ١٢ ألف عامل».
والواقع أن أيًا من هذه الاقتراحات الواجبة لم يتم الوفاء به، بل فُعل العكس تمامًا، وتُركت الشركة- عن قصدٍ مُبيَّت- ينحدر وضعها من سيئ إلى أسوأ!
وتطرح الدكتورة سلوى أحد الحلول الممكنة: «الشعب الذى جمع أربعة وستين مليار جنيه فى بضعة أيام لتنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة، قادرٌ على جمع ثلاثة مليارات جنيه لإنقاذ حلوان للحديد والصلب».