رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناقدة هبة السهييت تكتب: مقاربة للمجموعة القصصية «عرائس السكر» للكاتبة زيزيت سالم

الكاتبة زيزيت سالم
الكاتبة زيزيت سالم والناقدة هبة السهييت

يتخلل المجموعة القصصية «عرائس السكر» خطا حزينا لا تخطئه العين، حيث تناقش في أغلبها محنة الإنسان بؤسا وفقرا وعجزا ويأسا وظلما وإحباطا وانكسارا وغربة ووحدة وقهرا، وتستعرض طيفا واسعا من المعاناة الإنسانية بمختلف أشكالها وأنواعها، يخفف من قتامتها لفظ رشيق وإحساس رقيق.

ويتخلل هذه الباقة الحزينة من الواقعية المريرة سرديات من الفنتازيا، فالقصة الأولى في المجموعة جاءت باسم «عناق» وسبقتها عبارة استهلالية تشير إلى أن موضوعنا سيكون حول الوفاء والخيانة.
 
ويقول توماشفسكي: «يتميز العمل الأدبي بوحدة، عندما يكون قد بُني انطلاقا من غرض وحيد، يتكشف خلال العمل كله نتيجة لذلك، تنتظم السيرورة الأدبية حول لحظتين هامتين اختيار الغرض وصياغته»، وهو ما يتوفر في القصة التي نتناولها.

الأفكار في القصة بسيطة وغير معقدة، فهي عبارة عن زوجة في منتصف العمر تعاني من الوحدة، حيث ينفصل عنها زوجها في الغرفة المجاورة، وتسمع أن له علاقات نسائية ثم تتأكد عن طريق الصدفة بعلاقته بامرأة يبثها لواعج غرامه، ثم تظهر سيدة جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتتمكن من جذب انتباهه ويظل متعلقا بها دون غيرها، حيث تسلبه لبَّه وتموت زوجته ليكتشف بمحض الصدفة أن السيدة التي هام بها حبا إنما هي زوجته.

ويظهر التميز في التناول والتشويق ثم النهاية، حيث تبدو الحبكة متقنة، كما يظهر احترام الكاتبة لأفق التلقي لدى القارئ باختيارها موضوع ذو محتوى إنساني.

وبتطبيق رؤية توماشفيسكي التي تقول إن المتن الحكائي عبارة عن مجموعة من الوضعيات السردية التي تخضع للتحول إيجابا وسلبا، اتصالا وانفصالا، وبالتالي تشكل هذه الوضعيات السردية ما يسمى بالحبكة السردية.

-وضعية الافتتاح:
تستهل السردية بوصف مشاعر زوجة خمسينية معذبة، تستشعر الوحدة رغم أنها متزوجة، واستهلت بجملة: «لم تجِد سوى دموعها تلتحِف بها»، والجملة تحمل حذفا من باب الإيجاز لضيق المقام بسبب التحسر والضيق (فالأصل: لم تجد شيئا)، ثم استخدم أسلوب القصر (النفي مع الاستثناء المفرغ)، وهو أقوى أنواع التأكيد، ثم حملت تقديما وتأخيرا، فالأصل فيها «لم تجد شيئا تلتحف به سوى دموعها»، لكنها قدمت الدموع للتحسر وبيان الحزن والضعف.

ثم استخدمت استعارة مكنية، حيث شبهت الدموع بالغطاء (اللحاف) وحذفت المشبه به وأداة التشبيه واستخدمت فعل الالتحاف لتشير إلى المشبه به المحذوف (اللحاف)، لكن ليس بين المشبه والمشبه به جامع، فأكد نفي الوجدان للدفئ.

فحملت الجملة الاستهلالية أشكالا من علم المعاني البلاغية من الحذف والقصر والتقديم والتأخير مما يشي بقدرة الكاتبة على الصياغة البلاغية المتقنة، وتصور بها مدى عمق آلام الزوجة، ثم أتت بجملة «كان يكفي أن يرقد بجانبها ولو أدار لها ظهره»، وهي جملة خبرية تفيد حسرة الزوجة، وتوبيخ للزوج لتقصيره.

ثم تصف السردية تلك الزوجة التي تخطت الخمسين وتجلدها الوحدة بسياطها الموجعة، ويزداد الشعور بالوحدة والغربة، حيث تصل إلى مسامعها أنفاسه في الغرفة المجاورة، فزوجها هجر فراشها واستقل بغرفته، وهو أدعى للشعور بالحسرة والحرمان، لقد أهملها وهي في عمر أحوج ما تكون فيه للحب والحنو والاحتواء.

وضعية الاضطراب
- ثم تقوم الزوجة باسترجاع ذكرياتها وإخبار صديقاتها لها عن رؤيتهن لزوجها مع غيرها من النساء، ثم استماعها لمحادثة بينه وبين عشيقة له.

وضعية الصراع
شجارها معه بسبب علاقاته النسائية وإنكاره الغاضب لها، لكن الصراع الأكبر والأعمق يكون بين عشقها له وكبريائها، فيتغلب العشق وتدفن ألمها بداخلها لتستمر الحياة.

وضعية الحل
هنا تظهر سيدة على الإنترنت تشاغله بطريقة غامضة لتسلبه لبَّه، ليسهر يوميا حتى الفجر مع صاحبته يبثها لواعج حبه في الغرفة المجاورة لزوجته.

وضعية النهاية
تمرض الزوجة وتموت لينطلق الزوج بمشاعر السجين الذي أُطلق سراحه، لكن حبيبته غابت حتى أضناه الشوق، يسمع رنينا فيبحث عن مصدره ليجد هاتفا لزوجته عليه رقم باسم «حبيبي الوحيد» فيثور في نفسه الشعور بخيانة زوجته، ويتصل بالرقم فإذا بها حبيبته ناهد أي زوجته التي احتفظت به وشغلته عن باقي النساء.

والسردية تعتمل فيها انفعالات قوية بين مشاعر الزوجة المحبة العاشقة، وبين أحزانها وآلامها لتيقنها من خيانة زوجها، ثم سعيها فقط للاحتفاظ به، كما أُبرزت وجُسدت من خلال ثنائية الخيانة الوفاء.

واعتمدت السردية على القالب المسرحي وليس على العرض التفسيري أو التقريري، بل راحت الأحداث تنكشف خطوة خطوة.
جمع أسلوب القصة بين الفائدة القصصية في الدلالة على تطور الحدث، وبين القيمة الجمالية للعبارة في السرد.
- تبقى ملاحظات:
- ما الدوافع لأن تحبه كل هذا الحب؟
- لماذا كان يخونها رغم حبها بل عشقها له؟
- هل كانت كل دوافعها فقط حب التملك؟ بحيث رضيت بالاحتفاظ به رغم المباعدة المادية والنفسية بينهما بحيث لم يعد يجمعهما شيء؟ فهي في غرفة وهو في آخرى، ويخونها ليل نهار وتعرف هي كل ذلك، فلا يكون موقفها ألا زيادة (الحب) أو التملك.
- هل ملاعبته على النت باسم مصطنع لتستغل بحثه عن أنثى غيرها وإياهمه بالحب فقط لتحتفظ به في علبتها فلا حب ولا علاقة، هل تعتبرهذه خديعة منها له؟
- برغم من أن القصة يتضح فيها وفاء الزوجة وخيانة الزوج لكنها ببراعة السرد تفتح الطريق لنتساءل من خان من؟ هل هو الذي خانها بحثا عن أنثى لم يجدها عندها؟ أم الاحتفاظ به في قفص الزوجية بأي ثمن كطير يستجدى الفكاك ولا يُسمح له بالانعتاق؟

وكما يقول الدكتور الطيب بوعزه في كتابه «ما هي الرواية» لا سرد بلا حراك للحدث، كما أن سرد الأحداث خلال صيروريتها لا يتم بلا حبكة تستدخل أجزاء الحدث ضمن متوالية تمنحها الانتظام والتعليل وهو ما نسميه بالمعقولية.

وإن عدم إعطاء أسباب لتصرف الزوج، وإن كانت غير منطقية، يقلل من اقتناع القارىء به، فإظهار طريقة تفكير الشخصيات للقارئ يجعلها حقيقية أكثر، فلكل شخصية تبريرات في ذهنها حتى لأشنع التصرفات ومن المهم للقارئ أن يعرف ما هي أهداف الشخصيات؛ فالكائنات البشرية الحقيقية، حتى الشريرة منها، لها أسباب لما تقوم به، ولو وضعت هذه الأسباب في إطار مسرحي، تصبح الشخصيات أكثر إقناعا وواقعية.

- أما عن اعتبار احتفاظ الزوجة بزوجها عن طريق الخداع واعتبار ذلك من باب الوفاء في مقابل خيانة الزوج، فإن فكرة حب من لا يحبك، والتمسك بمحبوب غير محب ليس من الوفاء في شيء.

يقول إريك فروم في كتابه (فن الحب) إن الحب قوة تنتج الحب والعقم هو العجز عن إنتاج الحب، أي أنك إذا أحببت وكان حبك لا يُنتج حبا، أي لم تستطع عن طريق حبك أن تجعل من نفسك شخصا محبوبا إذا فحبك عقيم.