رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بسنت حسن تكتب: الأنثى والمجتمع الذكوري


عندما تصدر المرأة (الانسان) نفسها كأنثى في مجتمع ذكوري فهي تقصد وتعي تمامًا ما تفعل ويأتي دومًا ما طمحت إليه بالنتائج المرجوه وتتحقق لها مآربها وهذا ليس تدخلًا في نواياها او حكمًا عليها
فتلك الأنثى تتعمد في الأغلب ممارسة سلوك علني رغبةً في الظهور ولفت الأنظار وإظهار الاختلاف وربما إحداث الصدمة - والتي تأتي للأسف وفي الأغلب بنتائج عكسية- وتأتي ردود الأفعال العلنية ايضًا كرد فعل طبيعي للسلوك اللافت للنظر ونرى ذلك في حالات كثيرة لا أود ذكر اسمائهن هنا مهما اعتقدت تلك الاسماء أنهن شهيرات فقط لانهن سعين للشهرة واجتهدن كثيرًا للوصول إليها.

وبالطبع تتهافت وكالات الانباء والصحف على تتبع أخبار المشاهير من النساء بحق او حتى أنصاف المشاهير منهن، وما يرتدونه تماما كما حدث ودائمًا ما يحدث مع الفنانة رانيا يوسف، والتي تصاعدت وتسارعت معها وتيرة الأحداث للأسف وصار الحديث عنها والاهتمام ليس فقط بما ترتدي بل بما تقول وتعتقد وتصرح ! حتى وصل الأمر لرفع دعوة قضائية ضدها في المحاكم ! وهذا ما يدفعني اليوم للكتابة عن تلك الظاهرة في العموم ( ظاهرة الأنثى في المجتمع الذكوري) والحديث بالتحديد كذلك عن رانيا يوسف والتي لا اراها مخطئة او مذنبة.. فالظهور والاستعراض بالنسبة لنجمة تلفزيون وسينما سعيًا للمزيد من الشهرة أمر طبيعي.

المدهش حقًا، هو الهجوم الذي يشن عليها بين الحين والآخر وكأنه هجوم ممنهج فتلتقطه وتتلقفه هي بذكائها الفطري والأنثوي وبفضل خبرتها التراكمية في مجال الفن والتمثيل فتوغل وتتمادى فيما تفعل ولولا ذكورية المجتمع ما كانت ستلقى رانيا يوسف، أو غيرها هذا الاهتمام المبالغ فيه.. فالنظرة الذكورية في المجتمع هي التي تعطي للأنثى الأفضلية ثم تستخدم تلك الأفضلية في تدميرها ونفيها وربما حبسها.. اهتمام المجتمع الذكوري بالإنثى يدفعه للتنكيل بها على عكس المتوقع وعلى العكس مما يرى او يعتقد البعض.

فالمجتمع الذكوري تستفزه الانثى، فيهاجمها بضراوة فتتمادى هي في التنكيل بنفسها بعد تشييئها لنفسها وتكون المحصلة هي الإضرار الأكيد والتسطيح الذي يطال قضية المرأة في العموم فنفقد بوصلتنا
فكلما هوجمت هذه او تلك تتمادى وتتشرس تلك الأنثى أكثر.. ويتشرس المجتمع في المقابل ويتلذذ بعقابها اكثر واكثر وتصير المحصلة صفر للجميع عندما تظهر المرأة أقل ما لديها لتفاخر به وهو الجسد.. فالجسد ما هو الا عرض خارجي أما قضية المرأة وحقها الانساني فيتجاوز قضية الجسد بمراحل بل ويتجاوز حتى الحريات الشخصية لما هو أعمق بكثير.

وعلى الجانب الأخر، يظهر المجتمع أسوء ما فيه وينقض على تلك الانثى ليفترسها ويطرحها أرضًا بل ويسعى للزج بها للسجن وترسانة القوانين ذات الصيغ المطاطة جاهزة فنبعد كثيرًا عن واقعنا وقضايانا الحقيقية والملحة.. والعجيب في الأمر أن المرأة لا يمكنها العيش خارج حدود هذا المجتمع.. ولا تستوي أمور المجتمع ولا يمكن له ان يكون مجتمعًا صحيًا الا بوجود ومشاركة المرأة فيه وبفعالية وبالتالي لا غنى لاحد الاطراف عن الأخر، ورغم ذلك يتعامل الطرفين بولدنة وحماقة تثير الاندهاش بل والشفقة وتبعدنا عن غايتنا بخلق مجتمع صحي يعيش فيه الفرد الإنسان حياة كريمة ويكون له فيه حقوق وواجبات وعلى قدم المساواة ودون تمييز.

ولكن بعض النساء يردن التميز بتصدير فكرة الانثى التي بدورها تجعل الذكر يستفيق على ذكورته المأزومة والتي تجعله يضرم النيران حولنا جميعا تماما كما فعل نيرون في مدينته !

فلولا ذكورية المجتمع ما كان للانثى اللعوب مكان فيه والعكس، فالمجتمع الذكوري المناهض للأنثى هو الذي يشعرها دائما بأنوثتها المحرمة او المكروهة والتي يعشقها هو ويهابها في نفس الوقت في خلجات نفسه لذلك يحاول وأدها أو إخفائها ما استطاع لذلك سبيلا ولولاه أيضًا ما كنا نسمع لتلك الإناث ركزًا وما كانت لهن أي أهمية تذكر.

ذكورية المجتمع هي التي أعطت لتلك الإناث أهمية كبيرة لن تتوفر لهن إن عشن في مجتمعات تتعامل مع المراة كإنسان في المقام الأول والتصنيف الجندري ليس واردًا على الإطلاق في التعاملات اليومية العادية والطبيعية، وبالتالي فعلينا التفريق بين المرأة (الانسان) والأنثى.

فالمجتمع الذكوري يهاجم الأنثى طمعًا فيها واشتهاءً لها وفي نفس الوقت يحتقر المرأة الإنسان ويكرهها كراهية تشبه تماما وتقارب كراهيته للحياة وعشقه للفناء والموت ففيه خلاصه من غرائزه التي تقض مضجعه، أما أنصاف الإناث ممن لسن نجومًا ولا شهيرات في الواقع ورغم ذلك سعين واجتهدن في العوالم الافتراضية لايجاد موطىء قدم لهن في هذا المجتمع الذكوري لنفيق جميعًا على وضع شديد البؤس بل ومثير للغثيان في نفس الوقت، فمحاولة إختلاق نجومية وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي والحلم بأن تصبح هذه او تلك حديث المدينة هو الشيء الجدير بالدراسة والبحث والوقوف عنده لا مهاجمة او محاكمة رانيا يوسف او حتى التذرع بها وبانها القدوة والقائد الذي فتح شهية النكرات لاستعراض أجسادهن ! انه وهم كبير يا سادة فتلك الإناث البائسات الساعيات للشهرة لم تحفزهم او تحرضهم رانيا يوسف على الاطلاق.. ما دفعهم ويدفعهم لذلك حتمًا هو ثورة التطلعات التي تلحق بها دومًا ثورة الإحباطات ووجود شيء دفين داخل تلك الإناث لا يمكن فصله عن سنوات تكوينهن الأولى والتي كانت حتمًا سنوات بائسة فأصبحت حيواتهن أيضًا بائسة وان ادعوا عكس ذلك وصدروا لنا البسمات وغرغروا بالكلمات والمصطلحات الطنانة التي يلصقونها بذواتهن في أعلب الأحيان في حين انهن فقط يتمنون تحقيق ما لم يتحقق لهن في الواقع وحلمن به.. واتحدى ان تظهر احداهن في صورة ما على السوشيال ميديا بدون مساحيق او شعر مستعار وفوتو شوب وتسخير كل التقنيات الممكنة ليبدين كما تبدو النجمات.

و بعد محاولاتهن المستميتة في الظهور وإهدار الوقت والطاقة لإثبات تلك النجومية التي يحلمون بها في الواقع ولا تتحقق لهن الا في الافتراض تجد تلك الإناث في الواقع بائسات ووحيدات يبحثن بل يستجدين من يقضي معهن الساعات والأوقات الطويلة البائسة، وإن فشلن في تحقيق ذلك لا يكتفين بالمكوث في البيت والاستمتاع بتفاصيلهن الخاصة استمتاع حقيقي فتراهن يشاركن من لا يعرفوهم أوقاتهن في بيوتهن أحيانًا أو في عرباتهن وهن يتجولن بها وحيدات ليشعرون انهن لسن وحدهن وانهن النجمات اللاتي لهن متابعين بالالاف في الافتراض.. ثم يأتي تصريح ناري لشخصية عامة في الواقع كما حدث مع الفنانة رانيا يوسف او يتصدر الشاشات خبر حقيقي أو يتم الإعلان عن إصابة لاعب عالمي او رحيله او رحيل فنان او خبر لحادث أليم او فضيحة لشخصية عامة كل تلك الوقائع الحقيقية تتصدر المشهد فيسقط ترند من سعت للشهرة في لحظات !

ثم تعاود تلك البائسة الكرة ولا تمل وان ملها متابعيها بعد ان كررت نفسها حتى أصبح -ما كان يراه البعض مدهشًا في البدايات -شيءٍ روتينيٍ ومعتاد.. وتظل تلك الانثى البائسة مصرةً على إظهار انوثتها التي تراها طاغية واستثنائية وكأن لديها هي فقط ما لا يوجد لدى غيرها من الإناث !

أما الفنانة رانيا يوسف والتي اجتهدت كممثلة في العديد من الأدوار وعلى مدار سنوات.

وبعد أن تقدم بها العمر بعض الشيء كشأن جميع البشر وخفتت الأضواء عنها ولم يعد لديها ما تقدمه او ما يعرض عليها وتطرح من خلاله نفسها كممثلة بدأت تتشبث بتثبيت نجوميتها وحضورها بما ترتديه لتظل الحاضرة غير المنسية، وحقق لها مجتمعنا الذكوري ( المتدين بطبعه ) ما أرادته بل وعلى أفضل نحو مستطاع فبين المجتمع الذكوري وتلك الإناث لغة سرية مفهومة، هنالك شفرة يتعاملن معه من خلالها
شفرة عصيةٌ علينا نحن ولا نستطيع فك طلاسمها في حين أن كود تلك الشفرة معروف لدى الطرفين
المجتمع الذكوري يلتقط ما ترسله الاناث له من رسائل فيستجيبون لها ويتعاملون معها بنفس الطريقة وبنفس الكيفية ولكن في الإتجاه المعاكس.

و من تتحمل ذنوب كل هؤلاء في النهاية وتقع وتصبح فريسة لذلك المجتمع، هن نساء المجتمع اللاتي قدر لهن ان يصنفوا جندريا بوصفهن إناث.

وفي نفس الوقت لم يصدرن أنوثتهن.. فقط صادف وجودهن في مجتمع ذكوري شديد الشراسة وشديد الكبت.

ومع انعدام وجود شفرة بين تلك السيدات الحقيقيات والمجتمع يحدث الصدام وتعاني المرأة وتتجرع آلام وويلات المجتمع الذكوري الذي يلتفت للأنثى ليسحقها ويخفيها عن ظهر الأرض فتسحق المرأة في العموم مع تلك الإناث ويصير المجتمع كله منسحقًا تارةً ويسحق أفراده تارةً أخرى ثم يتحول وبالتراكم لمجتمع كاره يكره الحياة ما استطاع لتلك الكراهية سبيلا.