رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر فى الثمانينيات



هناك أزمنة فى التاريخ تحظى بالاهتمام، ويُسلط الضوء على أحداثها، وربما يؤثر ذلك ‏بالسلب على الفترات السابقة- رغم أهميتها- فالحدث التاريخى لا يولد من فراغ، إذ إن عامل ‏الاستمرارية فى التاريخ يؤكد أننا لا نستطيع فهم أى حدث إلا بتفهم «جذوره التاريخية»، ‏فالجديد فى حقيقة الأمر يولد من رحم القديم، وربما يحمل بعض سماته.‏
تذكرت هذه المنهجية التاريخية وأنا أقرأ كتاب محمود عبدالشكور «كنت شابًا فى ‏الثمانينيات»، وهو من النوعية النادرة من الكتب التى تتضاعف أهميتها وقيمتها على مر الزمان.‏
وقد قرأت العديد من الدراسات المحلية والعالمية التى اهتمت بالسبعينيات والتحولات ‏العميقة آنذاك، وينطبق نفس الشىء على التسعينيات، وتغير العالم مع اقترابه من الألفية الثانية، ‏لكن قليلة هى الكتابات التى تناولت فترة الثمانينيات وتأثيرها على الأحداث المتعاقبة ربما حتى ‏الآن، من هنا أهمية كتاب «كنت شابًا فى الثمانينيات».‏
يبدأ «عبدالشكور» كتابه بعودته من الصعيد إلى القاهرة مرة أخرى ليلتحق بكلية الإعلام، ‏ويُنهى الكتاب- والسنوات العجاف- بعودته من جديد إلى الصعيد بعد أن فقد وظيفته فى مكتب ‏الجريدة الكويتية فى القاهرة بعد غزو صدام حسين الكويت فى عام ١٩٩٠: «لا مجال للحديث ‏عن جريدة الأنباء فى الكويت أو عن مكتبها فى القاهرة، لأن الدولة نفسها- الكويت- لم تعد ‏موجودة»! هكذا يرصد نقطة تحول خطيرة تركت آثارها وربما جراحها على الواقع العربى حتى ‏الآن.‏
ويفسر لنا «عبدالشكور» لماذا لم يتعاطف جيله- جيل الثمانينيات- مع مبارك، الرئيس ‏الذى تولى الحكم فى عام ١٩٨١ ولم يتركه إلا بعد يناير ٢٠١١؛ ويتتبع «عبدالشكور» تحولات ‏جيله تجاه مبارك الذى بدأ عصره برفع شعار محاربة الفساد، والكفن ليس له جيوب، إلى مبارك ‏وبدايات الفساد فى الثمانينيات، ولكن الأكثر أهمية الرصد المبكر لهذا الجيل لسياسات مبارك ‏الفاشلة، من خلال تعامله مع أزمة اختطاف السفينة «أكيلى لاورو» فى عام ١٩٨٥، وأيضًا ‏اختطاف الطائرة المصرية فى العام نفسه إلى مالطة على يد جماعة فلسطينية متطرفة، والفشل ‏فى معالجة هذه الأزمات، لكن الأكثر إثارة مسألة تمرد جنود الأمن المركزى فى عام ١٩٨٦، وأثر ‏ذلك على بيان خط السياسة المصرية، والتراجع عن مصر القوية سواء فى عصر عبدالناصر أو ‏حتى السادات.‏
والجميل لدى «عبدالشكور»، وربما تحت تأثير كونه ناقدًا فنيًا، أنه لم يهمل رصد أهمية ‏القوى الناعمة المصرية من خلال الرياضة، وولعه بنموذج الكابتن «محمود الخطيب»، أو الفن ‏وحديثه عن ظاهرة تليفزيونية رمضانية مهمة هى فوازير رمضان، سواء فوازير نيللى أو شريهان أو ‏سمير غانم، أو السينما المصرية وولعه بها، أو الطفرة الموسيقية المهمة فى موسيقى الشباب ‏وظهور الفرق الشبابية.‏
إنه ليس مجرد كتاب نوستالجيا إلى زمن الشباب- زمن الثمانينيات- لكنه كتاب تزداد ‏أهميته مع مرور الزمن، لأنه تاريخ حقيقى، تاريخ الناس، تاريخ العيشة واللى عايشينها.‏