رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خليفة الظواهري .. القاعدة واشكالية القيادة (1)



قدم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ في الأمتار الأخيرة ومن عمر الإدارة الأمريكية الحالية ما يثبت ـ وفق ما صرح به ـ العلاقات الوثيقة ما بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية وتنظيم القاعدة الإرهابي. وما خرج عن اعلان الإدارة الحالية والذي لم يبتعد كثيرا عن استخدام معلومات استخباراتية،تخص تفاصيل الدعم الذي قدمته إيران لمجموعة القاعدة التي نفذت هجمات 11 سبتمبر، احتلت الجزء الأكبر من حديثه ومعلوماته التي ألحقها بالقاء اللوم على إدارة باراك أوباما الديمقراطية، بأنها تجاهلت مثل تلك التقارير الاستخباراتية في غضون انجازها الاتفاق النووي مع إيران. استخدم مايك بومبيو أيضا الغارة الأمريكية التي استهدفت الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في نوفمبر الماضي،كأحد دلائل اثبات الصلة ما بين الطرفين، وأيضا كي تمثل قيدا افتراضيا، وتعقيدا للأمر أمام الإدارة الجديدة وأيضا في مهمة الرئيس الأميركي القادم جو بايدن، في حال تمكنت الإدارة المغادرة من إثبات يحظي بالقبول الدولي عن تورط إيران في دعم تنظيم القاعدة،مما سيمثل ضغطا اضافيا على المشهد وعلى مهمة بايدن في حال قرر العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران.
إنما بكل الأحوال؛ على الأرض ووفق كافة الوقائع وأحداث النصف الثاني من العام 2020، يعاني تنظيم القاعدة من مأزق ليس بالهين، له علاقة بقيادة التنظيم وبقادة الأفرع الرئيسية الموجودة بالمنطقة. فالظهور الأخير الموثق لأيمن الظواهري زعيم القاعدة كان في فبراير 2020، وفي مايو من العام نفسه صدر عن حركة طالبان الأفغانية أن الظواهري توفي قبل هذا الظهور بشهور، وأن وفاته كانت طبيعية. وحتى نهاية 2020 لم يصدر عن التنظيم أو كبار أنصاره ما يشي بثبوت أو نفي الخبر، في وقت تضرب فيه أزمة عمقية الشريحة القيادية التي يمكنها أن تمثل بدائل محتملة، وقادرة على شغل هذا المقعد الذي دشنه أسامة بن لادن منذ عقود. هناك بداية "حمزة بن أسامة بن لادن" والذي كان الظواهري شخصيا يعده من أجل تولي القيادة، لكن حمزة قتل في غارة أمريكية في العام 2019. وهناك أيضا من أكدت السلطات الأفغانية وفاته في الشهور الأخيرة من 2020 وهو القيادي "حسام عبد الرؤوف"، المسؤول الإعلامي للتنظيم، وظل لسنوات يعد أبرز مساعدي الظواهريفضلا كونه عضو مجلس شورى قيادة التنظيم.
الإعلام الأمريكي خرج أيضا ليؤكد عن مصادر رسمية مكلفة بتتبع ومكافحة نشاط القادة الإرهابيين، مقتل "أبومحمد المصري" نائب الظواهري الأول في إيران أغسطس 2020، لم يصدر عن التنظيم تأكيد بذلك لكن هناك من دوائر الارتباط من نشر نعيا له سرعان ما جرى سحبه، ومن ثم اصدار التعليمات لعناصر التنظيم في مختلف البلدان بعدم تناول الأمر علنيا. المصري كان ضمن مجموعة من كبار قادة القاعدة الذين أقاموا في طهران، بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001 بموجب اتفاق وسماح إيراني، وهم الدائرة التي ظلت مقربة لبن لادن لسنوات والمصري منهم بل وابنته هي زوجة حمزة بن أسامة بن لادن. هناك من ضمن هؤلاء "سيف العدل" الذي لعب دورا جوهريا فيالقدرات العسكريةلتنظيم القاعدة مما سمح لها أن تبدو طوال الوقت قادرة على تنفيذ العمليات، ارتقى "سيف العدل" بسرعة سلم القيادة في التنظيم حتى وصل لمكانة أعلى مسؤول عسكري، وهناك من يشير بأنه المدرب الأول لخاطفي الطائرات في هجمات 11 سبتمبر وهي ذروة العمل الإرهابي للتنظيم، كما قام بوضع خطط الهجمات التي طال السفارات الأمريكية بشرق أفريقيا. لكن القيادي التاريخي يواجه اليوم اشكالية حدوث مفاجأة جيلية تتعلق بقبول الأجيال الجديدة له، فضلا عن موقف الفروع التي صارت منذ سنوات تشكل القوة الحقيقية للتنظيم، وأذرعته الطولى التي لازالت تضع اسم "القاعدة" في ميزان قوة وقدرة العمل الإرهابي العالمي.
أول الفروع التي ظلت مؤثرة وحاضرة لعقد كامل، كانت فرع الشام الذي جرى عليه تقلبات عدة أبرزها بالطبع الشرخ الهائل الذي ضرب التنظيم، بظهور تنظيم "داعش" الذي استحواذ على ميراث كبير من "القاعدة"، تمثل في جانب ليس بالقليل من عناصره وامكانياته ومناطق نفوذه التقليدية. لكن طبيعة الصراع السوري الذي ظل مفتوح لمدة ضمنت لـ"القاعدة" قدر من الثبات والاستمرارية، حتى جاء العام 2017 الذي بدأ فيها "أبومحمد الجولاني" في الانسلاخ من القاعدة، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها 10 مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه. الجولاني الذي كان أمير "جبهة النصرة" قبل أن تتنامى وتضم عدد من الفصائل ذات الانتماء القاعدي، لتصير "هيئة تحرير الشام" التي ظل الجولاني قائدها الأعلى أيضا، تعرضت لانتكاسة جراء قرار قائدها التخلي عنها والتبرؤ منها، وهو ما أتمه الجولاني في العام 2020 ليصير في موقع العداء لمن تبقى من عناصر التنظيم، ولازال داخل كيانات مسلحة تربط نفسها بالقاعدة رباطا تنظيميا وفكريا. تنظيم "حراس الدين" بدا وكأنه قد ورث هذا الميراث المتبقي لـ"القاعدة" وشكل غرفة عمليات خاصة به، تسمت بـ"فاثبتوا" ويدير الآن في سوريا عمليات الصراع الداخلي مع ما تبقى من عناصر الهيئة. على جانب آخر في الشمال الأفريقي حيث الفرع التاريخي الأقوى للتنظيم، يضربه ذات الإنقسام العميق على إثر نجاح الفرنسيون في استهداف "أبامصعب دروكدال" زعيم تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا، والذي وقع هو الآخر في منتصف 2020. ملامح الانقسام بدت ظاهره بعد أن أعلنت القاعدة تعيين "أبي عبيدة العنابي" خلفا له، فالعنابي يحمل ميراث من العلاقات البينية الشائكة بينه وبين دروكدال وأيضا مع "إياد آغ غالي" زعيم تحالف "نصرة الإسلام والمسلمين"،والأخير حليف ومبايع لدروكدال وقبله الظواهري ويشهد تنظيمه صعود مضطرد، وصل به إلى الاعلان عن استعداده للتجاوب مع دعوات للتفاوض مع حكومة مالي، بغية الوصول إلى اتفاق على شاكلة اتفاق "طالبان" مع الولايات المتحدة. في حال اتمام الأمر على هذا النحو سيكون ضربة قوية دون شك، لنفوذ وحضور كيان العنابي الذي يمثل حتى اللحظة الممثل لـ"القاعدة" وحامل أسمها بالشمال الأفريقي.
هذه ملامح أولية للمأزق الكبير الذي يواجه تنظيم "القاعدة"، وهناك من الدخول الأمريكي على خط ربط التنظيم أو بالأقل كشف الصلات بينه وبين إيران، ويبقى فرع الجزيرة العربية المستقر في اليمن والذي يتمتع بذات القوة والنفاذ الذي يحوزه فرع الشمال الأفريقي، هذا نتناوله الأسبوع القادم بمشيئة الله.