رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجنون الإثيوبى



طائرة عسكرية إثيوبية اخترقت المجال الجوى السودانى، أمس الأربعاء، بعد يومين من توغل الجيش الإثيوبى، داخل الحدود السودانية، بعمق ٥ كيلومترات، فى هجوم جديد أسفر عن استشهاد ٥ سيدات وطفل وفقدان سيدتين. ومع ذلك، واصل المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، إطلاق تصريحاته المستفزة، وحذّر السودان من نفاد صبر بلاده، واتهم الجيش السودانى بتأجيج الأوضاع على الحدود، زاعمًا أنه توغل فى الأراضى الإثيوبية!
البلدان يشتركان فى حدود يبلغ طولها ١٦٠٠ كيلومتر، وبالإضافة إلى التوترات الناتجة عن النزاع الحدودى، يواصل لاجئون إثيوبيون الفرار إلى السودان، منذ بداية هجوم الجيش الإثيوبى على إقليم تيجراى، فى ٤ نوفمبر الماضى. وبدأت الأمم المتحدة، فى نقل اللاجئين إلى مخيمات أقيمت حديثًا، بعد أن تجاوزت المخيمات القديمة طاقتها الاستيعابية القصوى. وطبقًا لما ذكره أندريه ماهيسيتش، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فإن الوافدين الجدد يتحدثون عن قيام القوات الإثيوبية بنهب منازلهم وبممارسة العنف الجنسى ضد النساء والفتيات.
موقع «سودان تريبيون» نقل عن مصادر مطلعة أن هجوم الإثنين الماضى، كان يستهدف قوات الجيش السودانى، وأن القناصة الإثيوبيين نصبوا كمينًا، وتمركزوا ببنادق آلية أعلى أشجار كثيفة، لكنهم لم يتمكنوا من إطلاق الرصاص إلا على المدنيين. أما اختراق الطائرة العسكرية الإثيوبية فأدانته الخارجية السودانية، وطالبت «بألا يتكرر مثل هذه الأعمال العدائية مستقبلًا»، وحذرت، فى بيان أصدرته، أمس الأربعاء، من أن هذا التصعيد غير المبرر، يمكن أن تكون له عواقب خطيرة، ويتسبب فى المزيد من التوتر فى المنطقة الحدودية».
الغريب هو أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، انتقد تقدم القوات السودانية باتجاه المنطقة الحدودية، ووصف تلك الخطوة بأنها انتهاك «غير مقبول» للقانون الدولى. كما امتلك المدعو دينا مفتى، من البجاحة والوقاحة، وربما من التخلف العقلى، ما جعله يطالب السودان، فى مؤتمر صحفى، بـ«العودة إلى الوضع السابق»، أى بالتخلى عن أراضٍ تقع داخل حدوده، لإفساح المجال أمام عملية ترسيم الحدود، مع أن الخارجية السودانية كانت قد أعلنت، فى بيان أصدرته الجمعة، عن وجود ترتيب لعقد اجتماع جديد للجنة العليا الحدودية المشتركة بين البلدين، بعد فشل اجتماع ٢٤ ديسمبر الماضى، بسبب تنصل الجانب الإثيوبى من تعهداته.
لجان حدودية مشتركة بين البلدين، تعقد مباحثات، منذ عقود، لوضع العلامات الحدودية. وفى اجتماع، عقدته آخر اللجان العليا الحدودية، فى مايو الماضى، بأديس أبابا، اتفق الطرفان على وضع علامات إضافية، وفق اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة فى ١٩٠٢، على أن يتم الانتهاء من ذلك قبل نهاية أبريل المقبل. غير أن الجانب الإثيوبى حاول التنصل من هذا الاتفاق، وقامت قواته بنصب كمين لقوات سودانية، قتلت خلاله ثلاثة جنود وضابطًا برتبة رائد.
أيضًا، بعد فشل اجتماع ٢٤ ديسمبر، شن الجيش الإثيوبى هجمات جديدة بالمدفعية الثقيلة على معسكر سودانى فى جبل «أبوطيور»، تمكنت القوات السودانية من صده، كما تصدت لقوة استطلاع إثيوبية، شرق منطقة «ود كولى». وتواصلت العمليات، حتى تمكن الجيش السودانى من استرداد أراضيه، فى ٣١ ديسمبر الماضى، وقام بتعزيز وحداته البرية والجوية على الحدود، استعدادًا لصد أى هجوم إثيوبى وشيك.
عن مصادر عسكرية سودانية، نقلت وكالة «سبوتنيك» أن الجيش السودانى رصد تحركات لقوات تابعة للجيش الإثيوبى على الشريط الحدودى بين البلدين، وأشارت إلى أن الجيش السودانى على أهبة الاستعداد للتصدى لأى هجوم محتمَل. ونسبت الوكالة الروسية إلى الجانب السودانى أنه رصد عددًا من «الخلايا المخابراتية الإثيوبية»، داخل الأراضى السودانية، تعمل على إمداد الجيش الإثيوبى بمعلومات وصفها بأنها «حساسة»، ولهذا السبب، غالبًا، وصل رئيس هيئة الأركان بالجيش السودانى، منذ أيام، يرافقه عدد من كبار قادة الجيش السودانى، إلى الشريط الحدودى، لتفقد الخطوط الأمامية، فى زيارة تستمر حتى السبت المقبل.
يحدث ذلك كله، بينما القتال لا يزال مستمرًا فى إقليم تيجراى، فى المناطق الريفية وفى بلدتى شاير وشيرارو، و... و... وعلى مشارف ميكيلى عاصمة الإقليم، بحسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة، الخميس الماضى، أشارت فيه إلى أن نصف سكان الإقليم تقريبًا، أو حوالى ٢.٣ مليون مواطن، يحتاجون إلى مساعدات، وأن الموقف الإنسانى فى الإقليم متدهور للغاية.
لا شىء غير الجنون، يبرر الجرائم التى ارتكبها، ويرتكبها، الجيش الإثيوبى فى إقليم تيجراى، وغيره من الأقاليم الإثيوبية. ولا شىء غير الجنون، طبعًا، يفسر رعونة الحكومة الإثيوبية ومراوغتها وعدم التزامها بتعهداتها واعتقادها أنها قد تجبر السودان على التنازل عن أراضيه التى كانت مغتصبة وتمكن من استردادها بالقوة. ولا شىء غير الجنون، أيضًا، يجعلها تعتقد أنها قد تتمكن من إكمال بناء «سد النهضة»، دون التوصل إلى اتفاق عادل مع مصر والسودان.