رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الربيع الأمريكى يرتد إلى صانعيه


شاهدنا سيناريو مثيرًا لأحداث عنف استثنائية فى أمريكا، لم نشهد لها مثيلًا من قبل طوال حياتنا، فقد شاهدنا على شاشات الفضائيات لحظة بلحظة اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى من قِبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته «دونالد ترامب»، وذلك فى نفس يوم التصديق من قِبل الكونجرس على نتيجة انتخابات الرئيس الفائز بأصوات الناخبين الأمريكيين جو بايدن.
كما شاهدنا أيضًا، العنف الذى تم استخدامه مع الرئيس المنتهية ولايته، وشاهدنا اتهامات علنية لترامب، وإصرارًا منه على أن الانتخابات تم تزويرها من قِبل الديمقراطيين، ممن أرادوا تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطى رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وأعاد بعض المشاهد السابقة أثناء الحملة الانتخابية لـ«بايدن»، واقتحام الكونجرس وقمع الاقتحام بعنف، إلى بالى مشاهد وذكريات ما حدث فى بلدنا أثناء أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، التى كانت مصحوبة بفوضى عارمة، واقتحام دامٍ، وتدمير وتخريب وحرق مؤسسات مصرية كثيرة فى ظل مخطط خطير ضد مصر، وضد الدول العربية، ومؤامرة دولية تشارك فيها عدة دول وجهات بعينها، أطلقت عليها إدارة باراك أوباما «ثورات الربيع العربى».
وقد شاهدنا كذلك فى بلدنا أحداثًا جسيمة تحركها الأطماع الدولية ويقودها رؤساء دول، وذلك من خلال خطط أمريكية، وضعها برنارد لويس منذ عام ١٩٨٣، ووافق عليها الكونجرس الأمريكى حينذاك، ووضعت فى الأدراج إلى حين اختيار وقت التنفيذ، وبغرض تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة، وحان التنفيذ أثناء تولى إدارة باراك أوباما مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ورأينا كذلك ردود أفعال الإدارة الأمريكية هجومية وحادة وممنهجة فى أحداث يناير ٢٠١١، بهدف تدمير مصر، فقد رأينا تأييدًا لأحداث العنف والفوضى، وتدخلًا سافرًا فى الشئون الداخلية لمصر، واتهامات تندد بالشرطة المصرية فى أحداث العنف، بدلًا من التنديد باقتحام السجون والمؤسسات التابعة للدولة وللأفراد وبحرق الأقسام، واتهام مصر بالديكتاتورية، وأطلقت إدارة أوباما وهيلارى كلينتون على العنف والفوضى وحرق وسلب الممتلكات واقتحام المؤسسات التابعة للدولة «ثورة»، بينما أطلقوا على المتظاهرين الذين اقتحموا الكونجرس الأمريكى منذ بضعة أيام «أعمال تخريبية وعنف».
كما رأينا من قادة الكونجرس تأييدًا واضحًا لاستخدام العنف تجاه المتظاهرين ضد بايدن، وذلك باستخدام الرصاص، وإطلاق النار داخل المبنى واستخدام الغازات المسيلة للدموع، وتم بالفعل قتل امرأة، هى آشلى بايت «٣٥ سنة»، وهى من عتاة أنصار ترامب بإطلاق الرصاص، من قِبل رجال الشرطة الأمريكية عليها.
لكننا لم نسمع إدانة من إدارة بايدن وقتها لما اقترفته الشرطة الأمريكية من عنف وقتل رغم ما شاهدناه من صور لعنف قوات الأمن الأمريكية، وقال زعيم الأغلبية إن ما حدث سيكون وصمة عار على ديمقراطيتنا، وظل الإعلام الأمريكى المناصر فى أغلبه لبايدن يدين «أنصار ترامب» و«ترامب»، ويطالب بعزله، وهكذا رأينا مشاهد عنف فى قمع المتظاهرين وإعلان حالة الطوارئ، وإخلاء الشوارع وتم كل هذا تحت سمع وبصر العالم بدعوى الديمقراطية.
ولم نسمع أحدًا يتحدث عن حقوق الإنسان، وعدم استخدام العنف ضد النساء ولا المسنين الذين اقتحموا الكونجرس، لذا فإن مشهد التعامل مع الاقتحام للكونجرس الأمريكى، قد أعاد إلىّ ذكرى أليمة شاهدناها فى بلدنا أثناء الفوضى والسلب والنهب فى أحداث يناير ٢٠١١، إلا أن «أوباما وهيلارى» أطلقا على هذه الفوضى «ثورة الربيع العربى» بينما هى مخطط تخريب مصر.
أما المشهد الثانى الذى أعاد إلى ذاكرتى أحداث يناير ٢٠١١، فهو أن الإدارة الأمريكية التابعة لبايدن أعلنت عن إغلاق حساب «تويتر» الخاص بترامب تمامًا حتى لا يتمكن من الاتصال بأنصاره الذين أعطوه أصواتهم طبقًا لما أعلنته السلطات وهو ٧٥ مليون صوت، وحتى ينقطع توصيل صوته للعالم واتهاماته للانتخابات بأنها مزورة.
وهكذا رأينا حال حرية التعبير فى أمريكا، حيث يمنع تمامًا «تويتر» الرئيس المنتهية ولايته حتى لا يسمعه أحد فى أمريكا أو العالم.. إنها ديمقراطية الديمقراطيين فى أمريكا، وإنها تعكس ازدواجية المعايير، حيث تُغلق وسيلة تواصل اجتماعى بأمر السلطات الأمريكية لكنهم يهاجمون بلدنا حينما تعم الفوضى والتخريب، وحينما تتصدى الشرطة للفوضويين يطلقون عليها قمعًا وديكتاتورية، بينما يستبيحون هم إعلان حالة الطوارئ ونزول القوات الخاصة وإطلاق الرصاص على المتظاهرين حينما تأتى منهم.. إنها ديمقراطية على الطراز الأمريكى.. وهو طراز يبيح لهم كل شىء بدعوى حفظ النظام والأمن ويستبيح كل شىء تحت هذا المسمى.. لكنه فى المقابل محظور على غيرهم حفظ الأمن أو الاستقرار فى بلادهم، إذ يطلقون على هذا ديكتاتورية وخرقًا لحقوق الإنسان.
ولأن ملايين المصريين لم يكونوا على دراية بالحقائق أثناء أحداث يناير ٢٠١١، حيث فوجئوا بالفوضى والتخريب والتدمير.. فقد أطلقت عليها إدارة باراك أوباما «ثورات الربيع العربى».
ومن المؤكد أننا الآن سنكون أمام انقسام داخلى فى أمريكا، وخلافات وتوابع ستستمر فترة من الوقت، وستكون لذلك نتائج على الأحوال فى الداخل، فإذا كان قد تم التصديق على فوز الرئيس الأمريكى «جو بايدن» من قِبل الكونجرس، كما سيتم انتقال السلطة فى ٢٠ يناير، فإنه أيضًا ما زلنا نرى تزايد الأصوات المناهضة لسلوك «ترامب» الذى وصل إلى حد المطالبة بعزله واتهامه بالخيانة والهجوم على سلوك أنصاره، وملاحقة المتظاهرين والقبض عليهم أينما كانوا، وإذا كان ترامب قد طلب من أنصاره مؤقتًا العودة إلى منازلهم، إلا أننا أيضًا سنكون أمام مشاهد جديدة، تتوالى على الساحة الأمريكية، حيث قال ترامب أيضًا من خلال حساب على «تويتر» لأحد معاونيه: إننا سنواصل معركتنا لحساب الأصوات القانونية فقط، لذا فإن هذا التصديق يمثل نهاية أعظم ولاية فى تاريخ الرئاسة، إنها مجرد بداية جديدة لقتالنا الرامى لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.
ولا شك أننا سنكون أمام إدارة جديدة لرئيس أمريكى من الحزب الديمقراطى، هو جو بايدن الذى كان نائبًا لـ«أوباما»، وسيكون علينا أن نتعاطى مع السياسات الأمريكية المقبلة بكل حيطة وحذر، وعلينا أيضًا أن نظل شعبًا مخلصًا لهذا الوطن ولديه اليقظة والوعى بأهمية حماية الوطن، وأن نظل يدًا واحدة مع القيادة السياسية والجيش والشرطة، ولا شك أنه سيكون هناك تغيير فى السياسة الأمريكية التى كانت فى ظل إدارة أوباما حليفة للظلاميين.
إلا أنه من ناحية أخرى، فإن خطط الإدارة السابقة كلها فى تصدير فكرة «ثورة الربيع العربى» فى مصر قد اكتشفها الشعب المصرى واكتشف زيفها، لأنها كانت فوضى ودمارًا ومحاولات تقسيم ومؤامرات لإضعاف مصر، وستظل هذه الخطط فى الأدراج، وقد تخرج منها يومًا ما، إلا أننى على يقين بأن الشعب المصرى لن يسمح بعودة خطط التدمير للوطن مرة أخرى تحت أى مسمى، فقد ارتدت الخطط الشيطانية إلى صانعيها تحت سمع وبصر العالم كله، وبالصوت والصورة لحظة بلحظة.