رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار حسن النوايا


اليوم يكون قد مر أسبوع على توقيع بيان المصالحة الخليجية، الذى تم توقيعه خلال قمة مجلس التعاون الخليجى التى عقدت فى مدينة «العلا السعودية» يوم الثلاثاء الموافق ٥ الجارى، الذى صدرت عنه وثيقة تضمنت توجيهات وقواعد عامة لتجاوز الخلاف مع دولة قطر، وتؤكد الثوابت الرئيسية التى تمثل أساسيات واضحة تحكم علاقات تلك الدول فى المستقبل، من أهمها عدم المساس بسيادة أى دولة من الدول الأطراف وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لها، والتعاون فيما يهدد الأمن الوطنى أو الأمن الإقليمى، إضافة الى التعاون فى مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية.
فى بداية الأمر، توقع الجميع انتهاء تلك الأزمة فى أعقاب انتهاء القمة، حيث سارعت المملكة السعودية بفتح الحدود البرية والجوية مع قطر، وأعقبها فى ذلك باقى دول الخليج، خاصة أن كافة الأطراف أكدت أن هناك أضرارًا اقتصادية وسياسية قد لحقت بهم جميعًا، وأضاعت نحو أربع سنوات كان من الممكن استغلالها فى مواجهة العديد من التحديات.. إلا أن هناك العديد من المعطيات التى تشير إلى صعوبة تحقيق ذلك خلال المستقبل المنظور، بل إن الجميع يرى ضرورة بذل مزيد من الجهد لإثبات حسن النوايا واستعادة الثقة والعمل على تذليل خلافات ما زالت عالقة، وكذلك ارتباطات إقليمية والتزامات داخلية سوف تكون لها تأثيراتها السلبية على الإسراع فى وتيرة محاولات رأب الصدع بين دول مجلس تعاون الخليج العربى وأيضًا مع الدولة المصرية.
و أبرز تلك المعوقات ما يلى:
١- هناك ملفات مختلف عليها أساسًا بين تلك الدول منها العلاقات الخليجية- الإيرانية والخليجية- الإخوانية.
٢- إيران وتركيا جزآن أساسيان من المكون السياسى والعسكرى لدولة قطر، وبالتالى فإنها لن تستطيع تجاهلهما فى أى قرار يصدر عن المجلس، حيث إن هناك قاعدة عسكرية تركية على الأراضى القطرية، بالإضافة إلى وجود علاقة قوية لها مع إيران.
٣- تنظيم الإخوان والقوى الإسلامية الأخرى أصبحا جزءًا من النسيج المجتمعى فى دولة قطر، بل إن هناك حجمًا هائلًا من رءوس الأموال داخلها تتحكم فيها الجماعة بشكل يجعلها تؤثر على اتخاذ أى قرار لا ينظر إلى مصلحة تلك الجماعة.
٤- قطر تملك إعلامًا مؤثرًا على المنطقة، حيث نجحت فى تسويق فشل تأثير الحصار المفروض عليها من دول المقاطعة، وما زالت حتى اللحظة تستثمر هذا التأثير، خاصة على ضوء وجود إعلام أضعف بكثير لدى تلك الدول وفشل فى كشف حقيقة سياستها فى المنطقة.
٥- قطر تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها، ومع تغيير الرئاسة الأمريكية وتولى الرئيس جون بايدن زمام الحكم فى أمريكا فإن هذا ولاشك سيكون له تأثير إيجابى فى قوة الموقف القطرى تجاه دول المقاطعة، وهو ما ظهر جليًا فى البيان الختامى الذى لم يشر إلى شروط المصالحة الـ١٣، ولكنه تضمن أطرًا عامة تهدف إلى إنهاء حالة القطيعة بين دول المجلس، كخطوة أساسية بحسبان أن ذلك يعد مطلبًا شعبيًا لشعوب المنطقة بلا استثناء.
وعلى الرغم من هذه المعطيات التى تصب فى صالح دولة قطر، فإن هناك بعض الدلالات على أن موقف دول المقاطعة ما زال يمثل تحالفًا متماسكًا يهدف فى النهاية إلى تحقيق القدر الأكبر من الشروط التى طلبها هذا التحالف لإعادة العلاقات مع قطر. وكان من أبرز مظاهر هذا التماسك غياب قادة الدول الأربع الرسميين والفعليين: وهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، والملك حمد بن عيسى ملك البحرين، والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى، ثم العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالرغم من أنه الراعى لهذا المؤتمر، وذلك حفاظًا على التواؤم بين موقف الرباعى.. وهو الأمر الذى قد يعزز من احتمالات نجاح المصالحة والضغط على قطر من أجل تصحيح المسار الداخلى والتوجه الإقليمى.
ولكننا لاحظنا ما جاء بتصريح وزير الخارجية القطرى أن المصالحة سوف تكون على نحو انفرادى، وأنه ستكون هناك لجان واجتماعات ثنائية بين الأطراف لوضع حلول وآليات الرؤية المستقبلية للعلاقات، حيث إن خلافات قطر مع دول المقاطعة تختلف من حيث طبيعتها من دولة إلى أخرى.
وقد جاءت المشاركة المصرية فى هذا المؤتمر تأكيدًا على موقفها الداعم والمستمر لتحقيق التضامن العربى على الرغم من أن مصر تعتبر من أكثر الدول التى أضيرت من جراء السياسة القطرية الداعمة للتنظيمات المتشددة والعناصر المتطرفة والراعية لجماعة الإخوان.
ولكن هذا لن يؤثر بحال من الأحوال على ثقتنا فى قيادتنا السياسية الواعية، التى ولاشك أن لديها رؤية صائبة وواعية ومدركة لمعطيات الأمور، وبالتالى فإن مصر لن تكون حجر عثرة أمام رغبة دول الخليج فى إتمام المصالحة، بل إنها أسهمت وشاركت بشكل فعال فى إتمام تلك القمة.
ولاشك أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أوضح لقادة دول المقاطعة مدى تفهمه هذا التوجه، إلا أن ذلك لا يعنى أن مصر سوف تتنازل عن أن يكون هناك التزام قطرى مدعوم بتعهدات قادة دول المقاطعة، بأن تتوقف قطر عن سياستها التحريضية ضد البلاد واحتضانها قيادات الإخوان الهاربين إليها، وكذلك وقف القنوات الفضائية الموجودة بها وأيضًا فى تركيا، ومنعها من بث الفتن والدسائس ونشر الشائعات وحملات التشكيك بين أفراد الشعب المصرى.
ولكى نكون أكثر واقعية فإن ترقب حدوث تغيير جذرى وسريع فى الموقف القطرى تجاه دول الخليج بصفة عامة ومصر بصفة خاصة هو تصور غير منطقى، فهى تنفذ أجندات مفروضة عليها لصالح الغير المعادى لمصر، أو الذى يسعى لتقليص الدور المصرى فى المنطقة.
كما أن علاقاتها مع تركيا وإيران وكذلك الدور الذى بدأت الأذرع الإعلامية الإخوانية تقوم به فى أعقاب ذلك المؤتمر مباشرة والهجوم على مصر ودولة الإمارات والتصريحات المساندة لأمير دولة قطر ومحاولة دفع الشعب المصرى إلى الهجوم على دول المقاطعة وقطر لخلق مناخ شعبى يرفض فكرة المصالحة على غرار رفض التطبيع مع إسرائيل- يصب فى صالح التنظيم وأهدافه فى أن تكون علاقة مصر بدول الخليج سيئة ومتوترة فى ظل المتغيرات العالمية القادمة على منطقة الشرق الأوسط، التى تتطلب وحدة الصف العربى فى مواجهتها.
ثقتنا فى إدارة القيادة السياسية لملف المصالحة المصرية مع دولة قطر كبيرة، وقناعتنا الكاملة بإن كل المعطيات التى تشهدها المنطقة محل اهتمام ودراسة وتحليل مستمر، ومن هنا وعلى ضوء تلك الأحداث السريعة والصادمة فإن هناك التزامًا وطنيًا تفرضه علينا تلك الأحداث فى الوقوف مع قيادتنا السياسية.
فلننتظر ونترقب عن كثب المواقف والمتغيرات والسياسات القطرية القادمة مع مصر، آملين أن تلتزم بكل ما يحقق الترابط والتعاون بين البلدين فى مواجهة ما هو قادم على المنطقة العربية بأسرها.
وتحيا مصر