رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محطة تل أبيب.. المصالحة العربية فى التقارير العبرية

قمة العلا
قمة العلا

جاء التوصل إلى مصالحة بين قطر ودول «الرباعى العربى»، خلال قمة مجلس دول التعاون الخليجى، فى مدينة «العلا» التاريخية بالمملكة العربية السعودية، قبل أيام، ليثير العديد من التساؤلات حول إمكانية تأثير ذلك على العلاقات مع تل أبيب، وتوقيع «اتفاقات تطبيع» جديدة معها، خلال الفترة المقبلة، خاصة من قبل قطر. فعلى الرغم من إعلان الدوحة رفضها «التطبيع» مع إسرائيل، يظهر العديد من التحركات الخفية غير المعلنة، والتى تكشف عن تحركها فى هذا الإطار، لتحقيق هدفها الرئيسى الذى يحدد غالبية تحركاتها فى مختلف الملفات، وهو الحفاظ على مكانة إقليمية تعوض لها «النقص» على مستوى المساحة وعدد السكان.

توقعات بإتمام اتفاق تطبيع بين الدوحة وتل أبيب خلال الأيام المقبلة وسط ضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية

رغم إعلان قطر رفض «التطبيع» مع إسرائيل، فى نوفمبر الماضى، هناك تكهنات بأن الدوحة ستكون قريبة من توقيع اتفاق فى هذا الصدد، خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة بعد التوصل إلى مصالحة بينها وبين الدول العربية التى قاطعتها قبل سنوات بسبب دعمها الإرهاب، وفقًا لتقارير عبرية.
ويظهر العديد من المؤشرات التى تعكس اقتراب قطر من «التطبيع» مع إسرائيل، ورغم هجوم قناتها «الجزيرة» على اتفاقات «التطبيع» الموقعة مؤخرًا بين عدة دول عربية وتل أبيب، احتفظت قطر فى موقفها الرسمى بحرية المناورة، ولم تتّخذ موقفًا رسميًا علنيًا ضد هذه الاتفاقيات.
وأعلنت الدوحة عدم «تطبيع» علاقاتها مع إسرائيل، إلى حين بلورة تسوية مع الفلسطينيين، مشددة على أنها تؤيد «المبادرة العربية» كأساس لحل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى.
وفى أكتوبر الماضى، زار وزير الخزانة الأمريكى، ستيفن منوشين، قطر، لكنه رفض إخبار وسائل الإعلام الإسرائيلية بأى معلومة محددة حول ما إذا كانت قطر ستكون الدولة التالية فى قائمة الدول العربية المطبعة مع تل أبيب أم لا.
وفى الشهر ذاته، قال وزير الاستخبارات الإسرائيلية، إيلى كوهين، فى تصريحات لراديو الجيش الإسرائيلى: «للحفاظ على تفوقها العسكرى النوعى، ستطلب إسرائيل من الولايات المتحدة عدم بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى قطر».
وقال الحاخام مارك شناير، المبعوث غير الرسمى من تل أبيب لـ«التطبيع» مع دول الخليج، قبل نحو شهر: «لن أكون راضيًا حتى أرى انضمام القطريين والسعوديين والعمانيين والكويتيين إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل»، مضيفًا: «المضى قدمًا مع قطر قد يتطلب تقدمًا مع الفلسطينيين، لكن هذا قد يكون على الأرجح مع إدارة بايدن المقبلة».
ورأت تقارير عبرية أن واشنطن تستطيع الضغط على الدوحة لتوقيع اتفاق «تطبيع» مع تل أبيب، لأنها ترتبط معها بعلاقات وثيقة، كما أن قاعدة واشنطن العسكرية الرئيسية فى الشرق الأوسط توجد فى قطر.


خطوة للتهدئة مع «حماس» فى غزة ومواجهة محور «تركيا- الإخوان»
لدى إسرائيل العديد من «التحفظات» على قطر، تتعلق فى الأساس باعتراضها على العلاقات القوية بين الدوحة وتنظيمات «الإسلام السياسى»، وعلى رأسها جماعة الإخوان وحركة «حماس»، إلى جانب علاقتها القوية أيضًا مع إيران، لكن وعلى الرغم من ذلك، ظلت تصريحات المسئولين فى تل أبيب متباينة حول إمكانية «التطبيع» مع الدوحة.
وترى تل أبيب أن توقيع اتفاق مع قطر مثل الموقع مؤخرًا مع كل من الإمارات والبحرين والسودان يعد «إنجازًا حقيقيًا»، فى ظل أن الدوحة تمثل راعية «الإخوان» و«حماس» على حد سواء، معتقدة أن ذلك يسهم فى التوصل إلى تهدئة واستقرار فى قطاع غزة.
وتعتبر إسرائيل أن الدوحة وسيطًا لنقل رسائلها إلى «حماس»، وإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى قطاع غزة، وتتوقع أن التنسيق الوثيق معها سيؤدى إلى تسهيل التمويل القطرى لـ«حماس»، وبالتالى منع اقتصاد غزة من الانهيار، ما يبعد أخطار نشوب جولة مواجهة أخرى بين تل أبيب والحركة الفلسطينية فى القطاع المحاصر.
لكن ثمة وجهة نظر أخرى فى تل أبيب ترى أن قطر لن تتراجع عن تأييد الفلسطينيين، وأن تسوية «التوترات» بينها ودول «الرباعى العربى» لن يدفعها للتنازل عن نفوذها الكبير الذى حصلت عليه فى فلسطين، ليس من خلال «حماس» فقط، لكن أيضًا مع السلطة الفلسطينية.
واعتبرت وجهة النظر هذه أن تدخل قطر فى الساحة الفلسطينية أداة مهمة فى «صندوق أدوات» الدوحة لترسيخ مكانتها كلاعب إقليمى مؤثر وحيوى، فهى إمارة صغيرة وغنية، وتعتبر مكانتها الإقليمية بوليصة تأمين لوجودها فى المنطقة، وتسمح لها بأن تبدو حيوية ومهمة فى نظر لاعبين إقليميين مهمين مثل إسرائيل، وتتيح لها الحفاظ على تقارب ضرورى مع الولايات المتحدة، خاصة فى ظل علاقتها القوية مع تركيا وإيران.
وفيما يتعلق بتأثير المصالحة الخليجية الأخيرة على «الاتفاق الإسرائيلى القطرى» المتوقع، قال مراقبون إسرائيليون إن هذا الاتفاق لم يكن سيأتى أبدًا دون هذه المصالحة، معتبرين أن المصالحة «أفضل وضع لإسرائيل»، حتى لا تجد نفسها تواجه تحديًا معقدًا فى علاقاتها مع الدول الخليجية ككل.
وأوضح هؤلاء المراقبون أن «لإسرائيل مصلحة واضحة فى تسوية العلاقات بين دول الخليج، لأن ذلك يدق إسفينًا بين قطر وتركيا، الأمر الذى يمكن أن يؤدى عمليًا إلى تقويض (محور الإخوان)، وإبعاد أنقرة عن الساحة الخليجية والإضرار بمكانتها الإقليمية، وتقليص المساعدة الاقتصادية التى تتدفق من قطر إليها والتنظيمات المرتبطة بالإخوان».
وفى الوقت نفسه، يشكل طلب قطر من الإدارة الأمريكية شراء طائرات «F-35» تحديًا أمام الاتفاق المرتقب، لأن تل أبيب تعتبر حصول أى دولة على هذه الطائرات ضد تفوقها العسكرى النوعى فى المنطقة، لكن معارضتها هذا الطلب سيضر بفرص «التطبيع» مع الدوحة.


الموقف السعودى: لا سلام قبل إقامة دولة فلسطينية
تساؤلات عديدة طرحها مراقبون حول إمكانية تأثير المصالحة العربية الأخيرة مع الدوحة على إقدام المملكة العربية السعودية على «التطبيع» مع إسرائيل، لتنضم إلى جيرانها الخليجيين الذين طبعوا مع تل أبيب، بهدف خلق جبهة أكثر قوة ضد إيران.
وقال مسئول أمريكى كبير، فى تصريحات لموقع «تايمز أوف إسرائيل» فى نسخته الإنجليزية: «المقاطعة العربية لقطر كانت عائقًا أمام تطبيع المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى اتفاق تطبيع جديد بشأن ذلك، خلال الأسبوعين المقبلين، لكن المصالحة تزيل عقبة كبيرة أمام الموضوع كاملًا».
وشكك محللون إسرائيليون فى تأثير انتهاء الأزمة الدبلوماسية الخليجية على توقيع اتفاقية تطبيع مع المملكة العربية السعودية، خلال الفترة المقبلة، وزعم بعضهم أن «التحرك السعودى نحو الانفراج مع قطر يستهدف إعادة تنظيم سياساتها قبل دخول الرئيس الأمريكى المنتخب، جو بايدن، إلى البيت الأبيض فى وقت لاحق من الشهر الجارى»، وهو ما يتفق مع تعهد «بايدن» بـ«إعادة ضبط» العلاقات الأمريكية السعودية، التى توترت صورتها بين «الديمقراطيين»، خاصة بسبب انتقادات وجهوها إلى المملكة فى مجال حقوق الإنسان. ورأى آخرون أن قرار الرياض المصالحة مع قطر يمثل «انتصارًا» لإدارة «ترامب» المنتهية ولايتها، التى كانت تتطلع إلى ترسيخ إرث سياساتها الخارجية خلال فترة حكم «بايدن»، مستبعدين فى الوقت ذاته أن يسهم القرار بطريقة ما فى «صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية».
وربط المحللون الإسرائيليون بين أى قرار من الرياض بـ«التطبيع» مع إسرائيل بالعلاقات الأمريكية السعودية، والتفاعلات بين أفراد الأسرة الحاكمة فى المملكة بشأن هذه الخطوة، فيما يظل موقف السعودية الرسمى الذى طرحته فى مبادرة عربية شاملة خلال القمة العربية فى بيروت، هو أنه «لا سلام مع إسرائيل إلا بإقامة دولة فلسطينية».
واعتبر هؤلاء المحللون أن «دفء العلاقات مع الدوحة يمكن أن يضع الرياض فى وضع أفضل، لمواجهة أى انتقادات محتملة ضد أى خطوة للتطبيع»، مشيرين إلى أن قناة «الجزيرة» التى تديرها قطر ستكون حينها أقل ميلًا إلى انتقاد الرياض والدول العربية على خطوات التطبيع.