رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البطل بألف وجه


يمتلك الأبطال فى كل العالَم والحضارات أمورًا مشتركة، هذه ليست معلومة جديدة، لكنها خلاصة خبرة ودراسة العالِم جوزيف كامبل للعديد من الأساطير من مختلف أنحاء العالَم ونشرها فى كتاب بعنوان «بطل بألف وجه» The Hero with a Thousand Faces عام ١٩٤٩.فى كتابه يشرح جوزيف كامبل كيف تتماثل أسطورة البطل، أو رحلته، مع بعضها البعض فى الحضارات المختلفة، ويناقش عبر صفحات الكتاب نظريته عن رحلة البطل النموذجى الموجود فى الأساطير العالمية، وتشابه بعض الأحداث التى يواجهها البطل أثناء مغامرته.
العالم الأمريكى: جوزيف كامبل «١٩٠٤- ١٩٤٩» المعروف بأعماله فى الأساطير المقارنة والدين المقارن بربط العالم المعاصر بالأساطير، ويطرح نظرية «المونومايث»، التى تفترض أن الأساطير والحكايات فى العالم كله فى مختلف العصور هى تعبيرات عن مخطط سردى واحد، وأن البطل الأسطورى ما هو إلا أى شخص منا، أو كل واحد منا، ومغامرته هى فى الواقع قصة رمزية للنضج الروحى للإنسان.
ويستخدم «كامبل» التحليل النفسى لتسليط الضوء على الركيزة النفسية وحتى الروحية للأساطير والتقاليد الشفهية، فالأماكن والشخصيات والأشياء فى القصص الأسطورية لها نفس الوظيفة كما فى الحلم، أنها تخفى التطلعات العميقة للروح البشرية وتزود العقل البشرى بالرموز التى تمكنه من المضى قدمًا، ومساعدته على التعامل مع الأوهام التى تكبحه.
هذا النمط القديم الذى يتكرر فى الأساطير الحديثة فى الدراما والسينما مثلًا، وقد تأثر بهذه النظرية عدد من الفنانين المعاصرين، ومن أشهرهم المخرج «جورج لوكاس»، الذى تأثر بها فى سلسلة أفلام «حرب النجوم».
يرى «كامبل» أن الإنسان المعاصر، رغم كل ما أنجزه تكنولوجيًا، فإنه غير ناضج بما يكفى لتلقى تعليم الرموز الأسطورية، فهو لا يزال غير حساس للاستفزازات الرمزية التى تسكن حياته اليومية، لذا فهو يحتاج إلى دليل لإطلاق العنان لإمكاناته، ويصبح بطلًا.
وكى يجتاز الإنسان رحلة البطل، عليه أن يمر بالعديد من الخطوات أو المراحل تتوزع فى كتاب «البطل بألف وجه» على ثلاثة فصول:
- الفصل الأول «المغادرة»: حيث يعيش البطل «الشخصية الأساسية» حياة عادية أو يعيش فى «العالم المعتاد»، وأثناء ذلك يأتيه نداء أو ضرورة تطلب منه دخول مغامرة ما أو الدخول فى «المجهول»، وقد يتردد البطل فى الاستجابة فى بداية الأمر، إلا أنه قد يجد مَن ينصحه لدخول المغامرة.
- الفصل الثانى «البدء»: حيث يقوم البطل بعبور عتبة «المجهول» إلى «العالم الخاص»، فيواجه مهمات وصعوبات مختلفة بمفرده أو بوجود شخص معه، وفى النهاية يصل البطل إلى «أعمق جزء» أو العقبة الأساسية فى هذه المغامرة، حيث يتحمل هذه العقبة ويجتازها ويتغلب عليها، ويحصل على الغنيمة «الجوهر أو المعنى الحقيقى»، ويعود البطل مرة أخرى إلى العالم المعتاد أو التقليدى، إما بسبب نصيحة من أشخاص موجودين فى «العالم الخاص»، أو يُجبر على العودة تحت تأثير الواقع.
- الفصل الثالث «العودة»: يعبر البطل عتبة العالم المعتاد رجوعًا إليه مرة أخرى، محملًا بالغنيمة أو «الجوهر» الذى اكتسبه من العالم الخاص، والذى قد يستخدمه لصالح الأشخاص التابعين له والمتأثرين به، لأن البطل نفسه «تغير بصورة جذرية»، كما أنه اكتسب حكمة وقوة روحية بسبب هذه المغامرة.
إن أسطورة رحلة البطل موجودة فى كل الثقافات البشرية ويتم تحديثها دائمًا، لأننا نحن البشر نعكس أفكارنا عن العالم من خلال قصص رمزية خاصة بنا وبحياتنا.
ورغم أن قليلين منّا مَن يستطيع ترك منطقة الاستقرار الخاصة به، ويدخل فى تجربة جديدة تطور خبراته وتغير من رؤيته لنفسه وللعالم من حوله، فإننا نواجه كل يوم العديد من المواقف التى قد تكون أصعب علينا وأثقل من محاربة التنانين، لقاء إدارة المدرسة لقبول طفلك، اختبارات الأداء أمام الكاميرا أو الميكروفون، تعلم السباحة أو ركوب الدراجة.
تذكر دومًا وأنت على أعتاب تجربة جديدة مقولة جوزيف كامبل «فى الكهف الذى تهاب دخوله يكمن الكنز الأكبر الذى تبحث عنه» وأنك البطل.