رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملهاة أمريكية.. مأساة عربية!


المصابون بعقدة الدونية، ضحايا تضليل الآلة الدعائية الأمريكية، أو المعذورون بجهلهم، قلبوا الملهاة، التى شاهدناها بالصوت والصورة، إلى مأساة. ومِن تحت الألحفة، جمع لحاف، فى القاهرة وغيرها من العواصم العربية، قطعوا باستحالة تزوير انتخابات الرئاسة الأمريكية، أو التلاعب فى نتائجها، بزعم أن الولايات المتحدة من أقدم ديمقراطيات العالم، وأن انتخاباتها تكون دائمًا، حرة، منصفة ونزيهة، بعكس ما يقوله التاريخ، وما تمنعنا الجغرافيا من إثبات عكسه.
تحت عنوان «الديمقراطية.. كوميديا أمريكية» توقفنا، فى مقال سابق، عند أوبرا بالعنوان نفسه، عرضتها دار الأوبرا الوطنية، فى واشنطن، سنة ٢٠٠٥، كتبها سكوت ويلر ورومولوس لينى، عن رواية صدرت باسم مجهول، سنة ١٨٨٠ عنوانها «الديمقراطية.. رواية أمريكية»، ولم تكشف دار النشر عن اسم مؤلفها، هنرى بروكس آدمز، إلا بعد وفاته، سنة ١٩١٨.
تبدأ أحداث تلك الأوبرا، أو هذه الرواية، مع انتخاب رئيس أمريكى جديد، وتكشف عن بعض جوانب الصفقات التى تحدث فى الغرف المغلقة، بين النخب السياسية ورجال الأعمال، لتصعيد ذلك الرئيس، كتلك الصفقات التى يمكنك استنتاج حدوثها، خلال الأسابيع الماضية، مِن تحول مواقف العديد من وسائل الإعلام المؤيدة للجمهوريين، أو التى كانت كذلك.
بموجب هذه الصفقات، أيضًا لم يجلس على مقعد الرئيس الأمريكى، منذ سنة ١٨٥٧، إلا فيل أو حمار: الفيل، هو رمز الحزب الجمهورى، وبإرادتهم اختار الديمقراطيون الحمار رمزًا لهم. ولعل عدم قدرة حزب ثالث، أو مرشح مستقل، على دخول البيت الأبيض طوال أكثر من قرن ونصف، يكفى وزيادة لإثبات أن الديمقراطية الأمريكية للعرض فقط.
الأمريكيون هم الذين اخترعوا مصطلح Cooping، الذى يمكن ترجمته بـ«الحبس فى القفص». والمصطلح، يصف قيام «عصابات الانتخابات»، التى يستأجرها المرشحون، باصطياد المواطنين من الشوارع، واحتجازهم وتعذيبهم أو تخديرهم، لإجبارهم على التصويت عدة مرات، لصالح مستأجرهم، بعد تغيير ملابسهم، وإضافة شعر مستعار، أو ذقون وشوارب وهمية. وفى كتابه «منتصف الليل الحزين: وفاة إدجار آلان بو الغامضة»، أكد جون إيفانجيليست والش، أن إحدى تلك العصابات قامت باحتجاز الشاعر وكاتب القصة الأمريكى، وقامت بتعذيبه حتى مات!.
فى الولايات المتحدة يتم، أيضًا، ترويع الناخبين وتضليلهم. و«هناك تقارير عن مكالمات تليفونية غامضة ومراسلات بريدية تصل قبل أيام قليلة من الانتخابات، تهدّد الناخبين أو تسعى إلى تضليلهم لمنعهم من الوصول لصناديق الاقتراع. وعادة ما تستهدف تلك الأساليب الناخبين من الأقليات أو الأحياء ذات الدخل المنخفض». وما بين التنصيص ننقله من الملاحظات التمهيدية لمشروع قانون كان يهدف إلى حماية الأمريكيين من أساليب الترويع، أو التخويف، التى تمنعهم من ممارسة حقهم فى التصويت، وتجريم تلك الأساليب ومعاقبة مرتكبيها.
مشروع القانون تقدم به، مرتين، تشاك شومر، النائب عن ولاية نيويورك، وباراك أوباما، الذى كان وقتها نائبًا عن ولاية إيلينوى: الأولى فى ١٦ نوفمبر ٢٠٠٦، خلال الدورة ١٠٩ للكونجرس، والثانية فى ٣١ يناير ٢٠٠٧ خلال الدورة رقم ١١٠، وفى المرتين، أقرته لجنة السلطة القضائية فى مجلس الشيوخ، ثم دخل أدراج المجلس، ولم يخرج منها، حتى بعد أن صار أوباما، كما لعلك تعرف، رئيسًا للولايات المتحدة!.
الشىء نفسه حدث مع مشروع قانون كان يهدف إلى تجريم بيع الأصوات الانتخابية، وتم رفضه ثلاث مرات، وتكرر مع كل مشروعات القوانين، التى حاولت تعديل أو تغيير النظام الانتخابى بالغ التعقيد والغرابة، الذى وضعه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، بزعم الموازنة بين إرادة الجماهير وخطر ما يوصف بـ«استبداد الأغلبية»، وظل يتطور، أو يتدحدر، حتى نسف الصورة المثالية، المبالغ فيها، التى تم الترويج لها، دعائيًا، عن «القيم الديمقراطية» الأمريكية.
الرئيس دونالد ترامب نفسه، سبق أن وصف النظام الانتخابى الأمريكى، قبل انتخابات ٢٠١٦، بأنه «كارثى»، و«زائف وفضيحة»، و«يبعث على السخرية». وبعد خمسة أيام من أدائه اليمين، أى فى ٢٥ يناير ٢٠١٧، كتب فى حسابه على تويتر أنه سيطلب إجراء تحقيق موسع بشأن الناخبين غير الشرعيين والمتوفين منذ فترة طويلة. وتعهد بأن يقوم بتعزيز إجراءات التصويت فى ضوء نتائج ذلك التحقيق. ووقتها، أوضح شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن ترامب اطلع على دراسات وأدلة تثبت أن ١٤٪ من الناخبين «لم يكونوا مواطنين أمريكيين»!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن كل وسائل الإعلام الأمريكية، تقريبًا، أبدت انحيازًا واضحًا، أو فجًا للمرشح الديمقراطى، بدءًا من تلاعبها باستطلاعات الرأى، ومرورًا بالطريقة التى أعلنت بها فوزه، ثم تشكيكها فى صحة أى اتهامات بحدوث مخالفات، أو تزوير، وتجاهلها لكل ما قيل عن تصويت الموتى، زيادة أعداد المصوتين عن أعداد المسجلين، وجود أصوات مكررة، و... و.. ووصولًا إلى وصفها المتظاهرين الرافضين لنتائج تلك الانتخابات بأنهم غوغاء أو رعاع!.