رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقفة قصيرة مع البيان الطويل



لو قرأت البيان الختامى للقمة الخليجية، أو «إعلان العلا»، ستجده بيانًا تضامنيًا، أو اتفاق مبادئ، يركز على أساسيات العلاقات السوية بين الدول، كعدم تدخل إحداها فى الشئون الداخلية لأخرى.. ويشير إلى بدهيات، كرفض التطرف والإرهاب.. ويدين ممارسات تحالف الشر الإيرانى التركى القطرى. وعليه، لا نعرف من أين جاء الكلام، الكثير والكبير، عن طى صفحة الخلاف، أو تطبيع العلاقات بين دويلة قطر ودول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب؟!
المتفائلون سيرون البيان، الإعلان أو اتفاق المبادئ، الذى تم توقيعه أمس الأول، الثلاثاء، بمدينة العلا السعودية، مجرد خطوة أولى على طريق بناء الثقة. والأكثر تفاؤلًا، سيجدون فى بنوده خطوات تالية قد تعيد المياه إلى مجاريها، بغض النظر عن صلاحيتها للشرب. ما يعنى أن الوصول إلى نهاية «الأزمة القطرية»، لا يزال بعيدًا، ومرهونًا بصدق نوايا العائلة الضالة، التى تحكم قطر بالوكالة، ومشروطًا بتوقفها عن دعم الإرهاب وبتقويم سلوكها تجاه دول المنطقة إجمالًا، خاصة دول الرباعى: مصر، الإمارات، السعودية والبحرين.
التعليق الأظرف على البيان، كتبه محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيرانى، فى حسابه على تويتر. وفيه قام بتهنئة قطر على ما وصفه بـ«نجاح مقاومتها الشجاعة للضغط والابتزاز». وقد يكون للمذكور عذره، لأن «الفارسية» هى لغته الأم، أو لأن له من لقبه نصيب. لكننا لم نجد أعذارًا لظرفاء، أو حمقى آخرين، خرجوا من البيان بما ليس فيه، أو قاموا بتحميله أكثر مما يحتمل، كان أقلهم حماقة وزير الخارجية التركى، الذى أعرب عن سروره من «إظهار إرادة مشتركة فى سبيل حل النزاع الخليجى والإعلان عن إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع قطر»، وتمنى أن يسهم «إعلان العلا» فى التوصل لحل نهائى لما وصفه بـ«النزاع»!
البيان الطويل، الذى يقع فى حوالى ستة آلاف كلمة، موزعة على ١١٧ بندًا، ذكر اسم «قطر» ست مرات: خمس منها فى الثلث الأول، وواحدة فى الثلث الأخير. وفى المرات الست، أو فى غيرها، لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى «إعادة تأسيس» أو تطبيع العلاقات بين دول الرباعى العربى ودويلة قطر، التى يسهل أن تشم رائحتها، ورائحتى إيران وتركيا، فى تأكيد المجلس على مواقف وقرارات مجلس التعاون الخليجى الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف، أيًا كان مصدره، ونبذه لجميع أشكاله وصوره، ورفضه لدوافعه ومبرراته، والعمل على تجفيف مصادر تمويله.
فى ثلث البيان الأول، أشار المجلس إلى أنه أحيط علمًا بإعلان أمير قطر عن إجراء انتخابات مجلس الشورى فى أكتوبر المقبل، وأشاد بهذه الخطوة. وبأثر رجعى، هنأ المجلس دويلة قطر على انتخاب رئيس ذلك المجلس، غير المنتخب، رئيسًا للمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد. ثم أشاد باستعداداتها لاستضافة كأس العالم، ورحب باستضافتها «إكسبو البستنة». وفى الثلث الأخير، قام بتثمين الجهود القطرية فى توقيع «اتـفاق السلام» بـين الولايـات المتحـدة وحركـة طالـبان الأفغانية.
المجلس أشار، أيضًا، إلى تحالف الشر، الإيرانى التركى القطرى، بتشديده على أهمية الحفاظ على سلامة العراق ووحدة أراضيه وسيادته الكاملة، ومساندته فى مواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة. وكذا، فى تأكيده على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضى الجمهورية العربية السورية، واحترام استقلالها وسيادتها، ورفض التدخلات الإقليمية فى شئونها الداخلية. وأيضًا، فى ترحيبه بإعلان وقف إطلاق النار فى ليبيا، وإعرابه عن أمله فى نجاح الحوار السياسى والتوصل إلى حل دائم يكفل الأمن والاستقرار للشعب الليبى الشقيق، وسيادته على أرضه وثرواتها، ويمنع التدخلات الخارجية التى تعرض الأمن الإقليمى العربى للمخاطر.
هكذا، كانت تركيا هى الغائب الحاضر، فى البيان، إذ لا توجد قوة إقليمية غيرها، تتدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة، باستثناء إيران، التى تكرر ذكرها أكثر من ٤٠ مرة، أعرب المجلس فى واحدة منها عن رفضه التام لاستمرار تدخلاتها فى الشئون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وأدان جميع الأعمال الإرهابية التى تقوم بها، وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية، وطالبها بالتوقف عن دعم الجماعات التى تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية. وفى مرة أخرى، جدّد المجلس إدانته لاستمرار الاحتلال الإيرانى للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجى أكد فى البيان، الإعلان أو اتفاق المبادئ، دعم أمن واستقرار جمهورية مصر العربية، مثمنًا جهودها فى تعزيز الأمن القومى العربى والأمن والسلام فى المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز التنمية والرخاء والازدهار للشعب المصرى الشقيق، ورفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية. كما أعرب المجلس عن دعمه الجهود القائمة لحل قضية «سد النهضة» وبما يحقق المصالح المائية والاقتصادية للدول المعنية، مثمنًا الجهود الدولية المبذولة فى هذا الشأن.