رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب المتحور




جميعنا يتحدث هذه الأيام عن فيروس «كورونا»، وأنه قد تم اكتشاف تحوّر فيه بحيث أصبحت الإصابة به أكثر انتشارًا وتأثيرًا على جميع الفئات العمرية دون استثناء، وهو الأمر الذى أحدث ارتباكًا فى الأوساط العلمية والطبية، كما أحدث حالة من الخوف والهلع داخل العائلات فى جميع أنحاء العالم.
هذا الأمر جعلنى أتساءل بحكم خبرتى الأمنية: هل المرحلة المقبلة سوف تشهد تحوّرًا مماثلًا لمفهوم الإرهاب، بحيث يصبح أكبر شمولًا وتأثيرًا.. أم سوف يظل الأمر مقتصرًا على تلك العمليات الإرهابية المنفردة والمنفلتة التى تقوم بها عناصر من المرتزقة والتكفيريين المأجورين الذين تمولهم تنظيمات إرهابية مدعومة من دول إقليمية وأجهزة مخابرات دولية؟
عندما راجعت مؤشر الإرهاب الدولى لعام ٢٠٢٠ وجدت أن هناك انحسارًا ملحوظًا للعمليات الإرهابية التى تمت خلال الأعوام من ٢٠١٨ حتى ٢٠٢٠، وكذلك تبين انخفاض كبير فى عدد المصابين والقتلى نتيجة هذه العمليات، وذلك لانخفاض حدة الصراع فى الشرق الأوسط، وتناقص نفوذ تنظيم داعش فى سوريا والعراق وهروب عناصره إلى دول أخرى.
كما أن انتشار وباء «كورونا» كان أيضًا أحد أسباب انخفاض تلك العمليات بنسبة وصلت إلى ١٣٪ عن عام ٢٠١٩.. وقد سجل المؤشر تحسن أوضاع ١٠٣ دول سبق تعرضها للإرهاب خلال الأعوام السابقة.
أما فى مصر فجميعنا يرى حاليًا تلك الحالة من الاستقرار والأمان وإحكام القبضة الأمنية على مفاتيح التنظيمات الإرهابية، وأيضًا رصد تلك الخلايا النائمة وتوجيه ضربات استباقية لها قبل قيامها بأى عمل من أعمال الغدر والخيانة.. يأتى هذا فى الوقت الذى نجحت فيه قواتنا المسلحة فى دحر الإرهاب وتقليصه إلى ما يصل إلى القضاء عليه تقريبًا فى منطقة سيناء والمناطق المجاورة لها.
ومع عدم وضوح أو وضع تعريف شامل ودقيق لمفهوم الإرهاب حتى الآن، فإننى أرى أن أهل الشر لا بد أن يلجأوا إلى طرق وأساليب أخرى يمارسون من خلالها الضغوط والعنف على الدولة المصرية بشتى الطرق والوسائل، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاح «الإرهاب المتحوّر»، وهو ذلك الإرهاب الذى من الممكن أن يكون إرهابًا فكريًا أو ثقافيًا أو إعلاميًا واقتصاديًا والأخطر من ذلك إرهابًا سياسيًا.
ولعل من أبرز الشواهد التى تؤكد رؤيتنا هو ذلك الموقف المبدئى الذى رأيناه فى بيان البرلمان الأوروبى، الذى تناول فيه أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، بل إنه تدخل فى أمور تتعلق بالشأن الداخلى المصرى، وطالب دول العالم بفرض عقوبات اقتصادية على مصر خلال الفترة المقبلة.
وهنا يجب أن أنبه من الآن إلى أن اجتماعات المجلس الدولى لحقوق الإنسان المزمع عقدها خلال شهر مارس المقبل فى سويسرا سوف تتناول جانبًا مما جاء فى بيان البرلمان الأوروبى، بل إنه من المتوقع بعد صدور قرار النائب العام بحفظ قضية وفاة الطالب الإيطالى ريجينى، فإن العديد من الدول سوف يكون لها موقف متعنت ضد الدولة المصرية، ومن هنا فإننا يجب أن نُعد العدة لاتخاذ موقف قوى تجاه تلك المحاولات.
ولعل ما نراه حاليًا من ذلك التنسيق الإيجابى الذى تم مؤخرًا بين وزارة الخارجية المصرية والمجلس القومى لحقوق الإنسان والبيان الذى صدر عنه بعد اجتماع سامح شكرى، وزير الخارجية، ومحمد فايق، رئيس المجلس، يؤكد أن هناك استعدادًا قويًا لمواجهة محاولات استغلال ملف حقوق الإنسان دوليًا والمبادرة بالتعامل مع الإرهاصات الظاهرة فى هذا الشأن.
ومن ناحية أخرى، فإننا نرى أن جماعة الإخوان الإرهابية قد بدأت تتحرك تجاه استعطاف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس الأمريكى جو بايدن لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه مصر.
وهنا أتمنى أن تكون تصريحات الرئيس المنتخب الذى تناول فيها الأوضاع الداخلية فى مصر وبعض الدول الأخرى لا تعدو أن تكون قد جاءت فى إطار ما تستلزمه الحملات الانتخابية من خطب ولقاءات حماسية لكسب أصوات الناخبين من الأقليات المختلفة، ومن أبرزها أصوات الإسلاميين وذوى الأصول الإفريقية والآسيوية الحاصلين على الجنسية الأمريكية.
كما أتمنى أن يعيد حساباته على ضوء حقيقة الأوضاع الحالية فى مصر وخطورة تلك الجماعة الإرهابية التى كان يدعمها فى السابق باراك أوباما، خاصة على ضوء تغيير الحياة السياسية فى مصر واستقرار الأوضاع الأمنية بها، والتفاف الشعب المصرى خلف قيادته السياسية بشكل غير مسبوق على ضوء تلك الإنجازات التى يراها تتحقق على أرض الواقع يوميًا.
من ناحية أخرى، فإننا يجب أن نكون أكثر جدية وموضوعية واحترافية فى التعامل مع وسائل الإعلام المضادة وتلك الدعاية التى تتبناها التنظيمات الإرهابية على مواقع السوشيال ميديا، التى تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلى والمجتمعى داخل البلاد، ومن هنا فإن متابعة محتوى تلك المواقع أصبحت ضرورة ملحة، خاصة أنها أصبحت تتفنن فى إيجاد وسائل جذب متطورة للمتابعين تجعلهم فى حالة اهتمام وشغف بها.
ثم يأتى دور الخطاب الدينى والتعليمى والثقافى، وجميعها يجب أن تخاطب العقول وتفترض الذكاء لمتابعيها وأن تتخذ فى المقابل وسائل أكثر تأثيرًا وإقناعًا للمواطن المصرى فى جميع مراحله العمرية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، وأن نصل إلى وجدانه وقناعاته بأهمية دوره فى حماية الدولة المصرية خلال المرحلة الحالية لمواجهة ذلك «التحوّر الإرهابى» الذى يحاول أن يتسلل إلينا بمختلف الطرق والوسائل.
إننى على قناعة بأن الوصول إلى ذلك المصل الذى سوف يواجه انتشار فيروس «كورونا» المتحوّر يجب أن يترتب عليه أيضًا أن نبحث عن ذلك المصل الأكثر فاعلية لحماية دولتنا المصرية من ذلك «الإرهاب المتحوّر»، ولعلنا اليوم قد وضعنا أيدينا على أول طريق لمواجهة هذا الفيروس اللعين.
وسوف ننتصر عليه بإذن الله.
وتحيا مصر.