رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رانيا وعفاف وقصة تحرير العبيد




من الأشياء الطريفة التى انتهى بها العام الماضى قول الممثلة عفاف شعيب: «الراجل اللى يفضل غسل المواعين مايبقاش راجل»!.. على كده الرجل الذى يغيّر الحفاضات للطفل يبقى ضاع خالص وخرج من دائرة الرجولة تمامًا.. وتذكرنى تصريحات عفاف شعيب بقصة تحرير العبيد فى أمريكا، حين أصدر الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن إعلانًا رئاسيًا حرر بموجبه نحو ثلاثة ملايين عبد معظمهم تم شراؤهم من تجار الرقيق فى إفريقيا للخدمة فى المزارع الأمريكية.
حينذاك قامت امرأة ذات توجه إنسانى بتكوين مجموعة من خمسة أفراد لاختطاف العبيد وتحريرهم، أى أنها كونت ما يشبه مجموعة فدائية صغيرة لتحرير العبيد، وقد نجحت بالفعل فى تحرير عدد كبير باختطافهم وإطلاق سراحهم فى أماكن أخرى، وحين سُئلت تلك المرأة عن أصعب شىء كانت تواجهه أثناء تحرير العبيد قالت: «إقناع العبد بأنه ليس عبدًا»! أى أن تنتزع من العبد موافقته على أن يصبح حرًا.. ومع أن التشريعات تميل بالتدريج لإنصاف المرأة ووضعها على قدم المساواة مع الرجل، لكن تظل هناك نساء يعشقن العبودية فى قرارة أنفسهن، ويمجّدن الرجل تمجيدًا ضارًا حتى ليصبح غسل المواعين طعنًا فى الرجولة، وليس مساعدة للمرأة فى عمل البيت الشاق.. أحيانًا تبقى المهمة الأصعب هى إقناع المرأة بأنها ليست عبدة وأنه من الظلم أن تقضى نصف عمرها فى المطبخ من دون أن يكون لديها الوقت الكافى لتطوير إنسانيتها بالقراءة والاستماع للموسيقى وحضور الحفلات الفنية.
والواقع أن العمل المنزلى الذى يقع بكامله على كاهل المرأة سبب رئيسى فى وضعها المتخلف نسبيًا، وكل رجل حكمت عليه ظروفه أن يعيش وحيدًا ولو لشهرين يعرف تمام المعرفة حجم العمل المنزلى الشاق والتافه الذى يلتهم الوقت، لهذا فإن معاونة الزوجة فى البيت أمر بديهى وضرورى، لكن من العجيب أنه إذا تقدم الرجل لمساعدة المرأة صاحت: «الراجل اللى يفضّل غسل المواعين مايبقاش راجل»! ومن هنا يبدو أن المهمة الصعبة عند تحرير النساء ما زالت هى إقناعهن بأنهن لسن عبيدًا.. تصرّح عفاف شعيب بما قالته، بينما تدور وسائل الإعلام حول تصريح آخر للنجمة رانيا يوسف، التى قالت عن نفسها إن «مؤخرتى مميزة»! وهى نظرة تصب أيضًا فى اتجاه عبودية المرأة السعيدة بعبوديتها، لأنها نظرة توجز المرأة وتقلصها إلى موضوع جنسى لا أكثر.
ومن كلام عفاف ورانيا يتضح لنا أن دور المرأة مقصور على الخدمة والنظافة وإمتاع الرجل بما وهبته إياها الطبيعة، وبذلك تنتفى عن المرأة صفة الزمالة والصداقة والفكر المتبادل وكل ما يرتقى بالعلاقة إلى وضع إنسانى بين بشر أحرار.. تظل المهمة الأصعب أن تقنع رانيا يوسف بأن المرأة ليست موضوعًا جنسيًا، وأن تقنع عفاف شعيب بأن المرأة ليست خادمة، ويأتى ذلك فى الوقت الذى صدر فيه مؤخرًا حكم قضائى تاريخى يمنع التمييز فى العقوبات بين الرجل والمرأة فى جريمة الزنا، وكان المعمول به سابقًا أن يعاقب الرجل فقط إذا قام بالزنا فى منزل الزوجية، بينما تعاقب المرأة إذا وقع الزنا فى أى مكان، وجاء فى الحكم الذى أصدره المستشار أحمد وسام قنديل أن المشرع ميّز بين الرجل والمرأة من دون مبرر شرعى أو موضوعى لهذه التفرقة، وبالمخالفة للدستور الذى يضمن المساواة بين الرجل والمرأة.
ولقد رافقت حركة تحرير العبيد فى أمريكا كتابات كثيرة، من أشهرها رواية «كوخ العم توم» التى نشرتها المؤلفة «هارييت ستو» قبل عشر سنوات من تحرير العبيد، وكتب آخرون فى حينه القصائد والمقالات، ومنهم لويد جارسون الذى قاد على صفحات جريدته حملة تحرير العبيد، وظلت إلى يومنا مآسى حياة العبودية مادة للروايات، وأشهرها رواية «محبوبة» لتونى موريسون، و«مذكرات عبد أسود» لفريدريك دوجلاس، و«كتاب الزنوج» للورانس هيل وغيرها، ومع انتصار التشريع المصرى للمرأة، ومع المقالات التى يكتبها الكثيرون لإنصاف المرأة، تفاجئك أقوال وتصريحات تثبت أن المهمة الأصعب عند تحرير المرأة ما زالت إقناع المرأة بأنها ليست عبدة!