رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: تنبؤات 2021

عبدالرحيم طايع
عبدالرحيم طايع



قبل حلول الأعوام الجديدة تفتح الساحات الإعلامية أبوابها للمتنبئين، هؤلاء الذين يخبرون عن الأشياء قبل أوقاتها حَرْزًا وتخمينًا، هى مهنة قديمة فى الحقيقة، غير أنها تطورت بمرور الأزمنة، تطورت تطورًا شكليًا على الأقل، وإن ظل المضمون واحدًا.. فى ضوء ما حصل فى العام ٢٠٢٠ الذى أوشك أن ينقضى بخيره القليل وشره الكثير، لم تكن التنبؤات للعام القادم الذى يكاد الجميع يسمعون وقع خطواته أمام أبوابهم جيدة ولا سارة، فالظاهر أنها وقعت تحت سيطرة الروح السوداء التى جللت العام الذى قبله واكتست بردائه المقبض الحزين.
٢٠٢٠ كان عامًا قاسيًا بكل معنى الكلمة.. استثنائيًا فى الأعوام كما قيل، فهو عام الوباء المهلك الذى فشا فى كل العالم، فحول عناوين كثيرين إلى المقابر وأحدث تباعدًا اجتماعيًا مقيتًا وانهيارًا اقتصاديًا سوف يظل العالم يعانى آثاره الضارة لسنوات طويلة قادمة.
يجب أولًا أن نعى أن التنبؤ، أو علم التنبؤ كما صار اسمه فى العصر الحديث، ليس شيئًا عبثيًا مهما يكن التحفظ عليه والتشكيك فيه، فهو يخضع لحسابات فلكية دقيقة، بالإضافة إلى مراقبة شديدة للواقع، بجانب امتلاك أصحابه طاقات باطنية خاصة تجعلهم نافذين فى الزمان بمعنى ما!
تشبه المسألة، إلى حد كبير، مسألتى الكهانة والعرافة ضاربتى الجذور فى التاريخ، ومن هنا يأتى التحفظ على التنبؤ والتشكيك فيه، أعنى لأن الأديان لم يكن موقفها من الكهانة والعرافة اللتين يشبههما التنبؤ موقفًا إيجابيًا، فقد عدت الكهنة والعرافين متدخلين فى الشأن الإلهى نفسه.. ومع ذلك بقى الناس، أو جماعات كثيرة منهم على الصحيح، خاضعين لهؤلاء الكهنة والعرافين فى صور مختلفة عبر الأزمنة، منها الصور التى تخص طبقة أعلى تعليميًا وماديًا كمطالعة أبراج الحظ وقراءة أوراق الكوتشينة وما إلى ذلك، ومنها الصور الشعبية كضرب الودع ورؤية الفنجان وما إلى ذلك..
ليس المتنبئ الآن بالرجل البائس المخيف ممزق الثياب ساكن الخرائب الذى كان فى العصور السابقة، ولا المرأة العجوزة الساحرة الفوضوية التى تعيش فى الكهف البعيد الغامض، إنما الرجل البشوش الودود بالغ الأناقة والمرأة العصرية المهندمة العطرة، وكلاهما يظهران فى أكبر الصحف والمجلات وأشهر القنوات الفضائية. لا يعنى الأمر اختلافهما جوهريًا عن أسلافهما فى العصور الماضية السحيقة مقدار ما يعنى تطورهما الشكلى الطبيعى بمرور الوقت كما ألمحت سابقًا.
أما عن المسحة العلمية التى طلى بها هؤلاء تنبؤاتهم، فكان لا بد أن يفعلوا ما فعلوه مجاراة لزمن جديد يتسم بالعلمية ولا يقبل الخرافة ولا الدجل، لكنها، أى هذه المسحة العلمية، لم ترسخ رسوخًا فعليًا لدى أهل العلم الحقيقيين وذوى التجربة المعملية وأصحاب الوعى والنباهة فى العموم.
ينطلى الأمر، أكثر ما ينطلى، على البسطاء والآملين وقليلى الحظوظ من العلوم والمعارف، فهم زبائن هؤلاء المنجمين ومتابعى أقوالهم ساعة بساعة.. تقتضى الأمانة ألا أغض الطرف هنا عن متنبئين تاريخيين صادفت أقوالهم أحداثًا واقعية جرت فى أعوام تلت وجودهم بكثير، كالعرافة البلغارية العمياء «بابا فانغا» والعراف الأشهر «نوستراداموس».
على كل حال، لم تكن معظم التنبؤات للعام المقبل الوشيك بالتنبؤات التى تعزز آمالًا فى مستقبل مشرق ولا تجعل القلوب مطمئنة لما سوف يكون.. تنبؤات أغلبها موت وزلازل وفقر وأمراض وحروب وصدمات، فقد انبنت على عام سابق سيئ، كما كنت قد أشرت آنفًا، وهذا ضمن ما اعتادت اعتماده كأساس لتنبؤاتها المستقبلية، أعنى تأثرها بالأجواء السابقة القريبة، وعلى هذا لم تسمح للخير والنور بالتواجد فى ٢٠٢١، ربما سمحت بشىء طيب محدود، لكنها أوغلت فى الشرور والظلمات.
ههنا علينا أن نلاشى شعورنا بالإحباط ما أمكننا ذلك، لو طالعنا هذه التنبؤات قاصدين أو عن طريق الصدفة، علينا أن نحذر أنفسنا من السقوط فى فخ الهزائم النفسية، وأن نحذر الآخرين، وأن نستمر فى أعمالنا الحياتية مخلصين للأجيال القادمة بلا تراخٍ ولا تباطؤ، وبهذه المناسبة أذكر بحديث نبوى واحد لو تفهمنا معناه لانحلت العقد وانفكت الأزمات، هو قول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: «لو قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها».
ألا فليسمع المتنبئين من يسمعهم وليؤمن بهم من يؤمن، لكن على السامعين والمصدقين ألا يغيب عنهم معنى الزرع فى يوم الحصاد المبين. والسلام!