رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احم نفسك وعائلتك في السنة الجديدة


بعد ساعات نبدأ عامًا جديدًا، «كل سنة وأنتم جميعًا طيبون وبخير وبصحة جيدة»، هذه العبارة هى أمنيتى لكل قراء صحيفة «الدستور»، وهى كلماتى أيضًا لكل أفراد أسرتى وأصدقائى ومعارفى.
فقد خرجنا من السنة الحالية بدرس كبير وتجربة مريرة، وهما أن الصحة هى أهم شىء فى حياتنا، فمنذ مطلع العام ٢٠٢٠، انتشر كالنار فى الهشيم فيروس «كورونا» اللعين الفتاك، كان عامًا صعبًا بكل المقاييس، لم نشهد له مثيلًا من قبل طوال حياتنا.
بل لم نمر بتجربة الأوبئة القاتلة، والفيروسات الغريبة أو الملعونة أو المخلقة التى تُصيب الملايين فى جميع أرجاء الكرة الأرضية، وتقتل الآلاف كل يوم دون رحمة، والتى نرى تبعاتها على الناس والأحوال فى جميع أنحاء العالم فى لحظة وقوعها عبر الفضائيات والمواقع الإخبارية ووسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعى الكثيرة، التى تنقل الأخبار وتصورها فى لحظتها.
سمعنا وقرأنا عن وباء «الكوليرا» الذى أصاب مصر سنة ١٩٤٧، كما سمعنا أن من يُصاب به تُجرى محاولات إنقاذ حياته وعلاجه خلال ٦ أيام، ولكننا لم نعاصر هذا الوباء الفتاك، وإنما شاهدنا تأثيره على الناس من خلال مشاهدة فيلم «اليوم السادس» الذى عبّرت عن تأثيره على الناس وعلى الحياة فى مصر الروائية أندريه شديد، التى تكتب بالفرنسية وذات الأصل المصرى، الذى صدر ككتاب أولًا سنة ١٩٦٠، ثم تحوّل إلى فيلم سينمائى من إخراج المخرج المصرى الكبير الراحل يوسف شاهين، وقامت ببطولته الفنانة الاستعراضية العالمية المصرية داليدا، المولودة فى حى شبرا بالقاهرة، ثم انتقلت للإقامة فى فرنسا بعد ذلك، ومنها إلى العالمية.
والفيلم هذا، عبارة عن حكاية رمزية لجدة تعيش فى مصر وصديقتها التى تأتى إلى مصر من الخارج فى زمن «الكوليرا»، فتتابع الأحداث وترصدها، ونرى الجدة حريصة على متابعة علاج حفيدها من إصابته بـ«الكوليرا»، حتى يكمل ٥ أيام من العلاج، وليكمل يومه السادس ليشفى، وتعيش على الأمل فى الحياة، وفى المستقبل طوال الأيام الخمسة انتظارًا لليوم السادس، وهو موعد الشفاء أو الوفاة للحفيد.
بينما تظهر لنا فى الفيلم مآسٍ مروعة ناتجة عن الوباء، ووفيات ناتجة عنه فى كل مكان، وكان المصريون يحاربون «الكوليرا» بأشياء شبيهة بالوقت الحاضر كالتعقيم وغسل الأطعمة والأدوات جيدًا.
وإذا ما عدنا إلى تاريخ الأوبئة فى مصر بوجه عام، سنجد أن وباء «الكوليرا» قد ضرب مصر ٣ مرات متعاقبة لثلاثة أسباب مختلفة، أول مرة ضرب مصر فى عام ١٨٨٣ وأسفر عن ٤٠ ألف ضحية، ثم فى ١٩٠٢ نتجت عنه ٣٥ ألف وفاة، ثم فى ١٩٤٧ نتجت عنه ٢٠ ألف حالة وفاة.
وقبل هذا، هجم وباء «الطاعون» على أهالى القرى المصرية فى ١٣٤٧، وأسفر خلال عامين عن وفاة ٢٠٠ ألف مصرى.
ومع السنة الجديدة ٢٠٢١، فإننا فى جائحة «كورونا»، وجدنا أن الوعى بخطورة العدوى هو أهم من العلاج، لأنه حتى الآن عرفنا فى مصر بروتوكول العلاج، وتجرى تجربة اللقاح، إلا أن شدة الإصابة تختلف من فرد إلى آخر، وليس هناك مقياس معين لنلجأ إليه لتحديد إلى مَنْ يأتى أشد من الآخر، فقد يُصيب الكبير أو الشاب أو الطفل أو المرأة أو الرجل، لذا فإننا يمكن أن نخلص إلى أن الوقاية خير من العلاج، وأصبح لزامًا على كل منا أن يحمى نفسه وعائلته من فيروس «كورونا» مع السنة الجديدة، وقد عاد فى موجته الثانية ليُصيب عائلات بأكملها أو عدة أفراد فى كل عائلة.
ومن الغريب أن الشعب المصرى لم يدرك خطورة الموقف، ولم يرد إدراكه أيضًا فأدى التراخى فى اتباع تعليمات الإجراءات الاحترازية إلى انتشار الفيروس وزيادة عدد الإصابات لتصل إلى أكثر من ١٠٠٠ إصابة يوميًا، هذا غير الذين يتم علاجهم فى منازلهم، وفى مواجهة عودة الجائحة وتراخى الناس فى الإجراءات الاحترازية، اضطر د. مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، إلى إصدار عدة قرارات مهمة حفاظًا على الأرواح، وحتى لا تسوء الحالة الاقتصادية، وتؤثر على مستوى معيشة الحياة اليومية بشكل أسوأ.
ومن هذه القرارات المهمة، إلغاء الاحتفالات برأس السنة، وإلغاء التجمعات والتزام المطاعم والكافيهات بنسبة ٥٠٪، والالتزام بارتداء الكمامات وتوقيع غرامات على كل من يخالف هذه القرارات، سواء الأفراد أو المنشآت أو المؤسسات ومنع السرادقات أو الأفراح، وتبين أن أعلى معدلات الإصابة موجودة فى مدن القاهرة والجيزة والإسكندرية. هذا ومن أغرب الأمور فى سلوكيات المصريين، أنهم يتجاهلون مبادئ الصحة العامة والتحذيرات التى تخص صحتهم وحياتهم ويتركون الأمور تسير عشوائيًا، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن الوباء لن يصل إليهم، لهذا فإننا فى الهجمة الثانية السريعة لفيروس «كورونا»، إن كنّا نريد أن نوقف الوباء وأن نحافظ على حياتنا وحياة أحبائنا، فإنه لا سبيل أمامنا إلا أن نضع لأنفسنا خطة التزام بالإجراءات الاحترازية، وهى ممكنة، وهى التباعد الاجتماعى والكمامات والتطهير ومراعاة البُعد عن التجمعات خاصة فى الأماكن المغلقة.
ودعونا نتذكر أن مصر استطاعت القضاء على وباء «الكوليرا» فى ١٩٤٧بالتطهير والنظافة وغسل الأطعمة والأدوات قبل العلاج وقبل اكتشاف العلاج الفعّال، وعليك أيها القارئ العزيز، مع السنة الجديدة، أن تحمى نفسك وعائلتك بنفسك، وذلك حتى تمر الجائحة بسلام عن بلدنا، وأن تختفى شيئًا فشيئًا مع اكتشاف العلاجات الحديثة الأكثر فعالية، وأن تتمسك بالأمل فى سنه أفضل، وأن تقنع نفسك بنفسك أيضًا بأن الوقاية خير من العلاج، فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين. و«كل سنة وأنتم طيبين»، وبصحة وبلدنا بخير، وأهالينا فى مصر المحروسة بصحة وبخير وملتزمون بالوقاية والحماية والإجراءات الاحترازية.