رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يقذفون مصر بالحجارة.. وبيوتهم من زجاج


لن أذهب بعيدًا.. وسأقف فقط عند رد الرئيس عبدالفتاح السيسى على قول الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الرئيسان، فى باريس، قبل أسبوعين، حين قال ماكرون: «ناقشت مع الرئيس المصرى بعض الموضوعات المتعلقة بعمل منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان فى مصر، وناقشنا بعض الأسماء».. ورد الرئيس السيسى قائلًا: «تتحدثون معنا فى هذا الأمر وكأننا حكام مستبدون، وهذا الأمر لا يليق بالدولة المصرية، ولا يمكن التحدث فيه معنا، لأنكم تتحدثون وكأننا لا نحترم الناس».
وأوضح السيسى للعالم، ومن قلب أوروبا، أن هناك أكثر من ٥٥ ألف منظمة مجتمع مدنى تعمل فى مصر، وأنه لا يليق تقديم الدولة المصرية، بكل ما تفعله من أجل شعبها واستقرار المنطقة، على أنها نظام مستبد: «معندناش حاجة نخاف منها أو نُحرج منها.. نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها، فى ظروف فى منتهى القسوة وشديدة الاضطراب».
رسائل مهمة، وردود نارية، أدلى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال المؤتمر الصحفى بقصر الإليزيه، أزال من خلالها، أى لغط يدور حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، وأعلن رفضه التام لأن يتم تقديم الدولة المصرية باعتبارها دولة مستبدة.. هذه الرسائل وتلك الردود كان لهما مفعول بدا واضحًا فى تأكيد ماكرون أن مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر فى المستقبل لن تكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان هناك على حد قوله.
كما شكر ماكرون السيسى على زيارته فرنسا بعد حملة الكراهية، التى تعرضت لها فرنسا فى العالم الإسلامى، إثر قضية الرسوم الكاريكاتورية.. ليس ذلك فحسب، بل قام الرئيس الفرنسى بمنح الرئيس السيسى وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام فى فرنسا.. وقبله، وفى بداية العام الجارى، تم منح الرئيس السيسى وسام سان جورج، من أوبرا زمبر فى دريسدن بألمانيا.. فهل جاء ذلك اعتباطًا، أم بناءً على تقييمات ووقائع، تستوجب هذا المنح، فى بلاد لا يحدث فيها أمر دون منطق يبرره؟
هنا، لا بد من التوقف عند نقطتين مهمتين، الأولى: أنه ليس لدى الرئيس السيسى ما يخشاه، أو يستحى من ذكره، وأنه يدرك حجم المخاطر التى تواجهها بلاده، بغية جرها إلى الوراء، وأن ينعم أهل الشر بالفرصة تأتيهم، من أجل أن تصبح مصر نسخة مكررة، من تلك البلدان التى مزقها الإرهاب والتدخلات الخارجية فى شئونها، حتى أصبحت فى غير عداد الدول، وبقى لساكنيها ذكريات عن الماضى يتحسرون عليها، بعدما انخدعوا بدعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانساقوا كالغوغاء فى مواكب الخراب والتدمير، حتى أصبحت بلادهم أثرًا بعد عين.. إلا مصر.. فبعد عام لم يُغث فيه الشعب ولم ينعم بحياته، بعد أن سرقت جماعة الإخوان الإرهابية منه بلاده، وتمسكوا بطوق النجاه الذى ألقى به الرئيس عبدالفتاح السيسى، لينتشلهم من سقطتهم، ويعيد البلاد ممن سرقوها إلى أهلها.. فهل يسكت إخوان الشر على ذلك؟
راح هؤلاء يندبون حظهم العاثر، الذى أضاع منهم الجائزة الكبرى، مصر.. فلم يتركوا بابًا فى العالم إلا وطرقوه، مولولين على اضطهادهم واستلاب حقهم الإنسانى منهم، كما يدعون.. ودولة تصدقهم، ودول تستهجن دعاواهم.. وهيئة هنا يأتى كلامهم على هواها، ومنتدى هناك لا يرى فيهم إلا جماعة مارقة.. وتوسلوا فى دعاواهم بكل الوسائل التى يمكنها أن تحرض على مصر، ومنها قضية الطالب الإيطالى جوليو ريجينى.. حتى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، حاولوا تحريضه، عبر صحفيين مأجورين، ببيان موقفه من اقتراح تقدمت به إيطاليا للاتحاد الأوروبى، يتضمن فرض عقوبات على مصر، على خلفية قضية مقتل مواطنها فى القاهرة.. ولأن الرجل لا يؤمن بعدالة المنطق الإيطالى، فيما يذهب إليه بخصوص هذه القضية، فقد غسل يدى منظمته الدولية من الخوض فى أمر، تحوم حوله شبهات التواطؤ والتدليس، وأعلن أن «ما سيفعله الاتحاد فى هذا الصدد، يعود إليه»!.
وعليه.. فقد دعا البرلمان الأوروبى، دوله الأعضاء، إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة للعلاقات مع مصر، فى ظل ما سماه تدهور أوضاع حقوق الإنسان هناك، كما دعا القاهرة إلى التعاون مع السلطات الإيطالية فى ملف مقتل الطالب جوليو ريجينى، وتسليم عناوين المشتبه بهم إلى حقوق الإنسان «المدعى العام الإيطالى».. فهل يتفق ذلك مع مفهوم السيادة المصرية، وضرورة عدم التدخل فى شئونها الداخلية؟
بداية.. لا بد من التأكيد على أن القرار الصادر عن البرلمان الأوروبى، بشأن حالة حقوق ‏الإنسان فى مصر، تضمن معلومات غير حقيقية بشأن الأوضاع فيها، أو كما وصفه مجلس النواب المصرى، بأن أهدافه مُسيسة وتعبر عن نهج غير متوازن.. ولا يجب على البرلمان الأوروبى تنصيب نفسه ‏وصيًا على بلادنا، واستخدام أعضائه قضايا حقوق الإنسان لخدمة ‏أغراضهم السياسية أو الانتخابية.. افتئات أوروبى على ‏الأحكام القضائية، بشكل يتجاهل الفصل بين السلطات، ‏وكان من الأولى إلقاء دول هذا الاتحاد نظرة على جهود مصر فى حفظ الأمن والاستقرار، ليس على المستوى ‏الداخلى فقط، ومكافحة الإرهاب ‏والهجرة غير الشرعية، بل وعلى جهودها الدءوبة لتحسين معيشة المواطن، بالتزامن مع طفرة التنمية التى لم تتوقف حتى فى ظل أزمة كورونا.
يقول الحق، تبارك وتعالى، فى الآية ٤٤ من سورة البقرة «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ».. هذا حال أعضاء الاتحاد الأوروبى، يتحدثون عن حقوق الإنسان، التى نراعيها نحن هنا فى مصر، من خلال توفير الحق للمواطن فى العيش الكريم وتحقيق إنسانيته، وتأمينه فى وطن آمن سالم معاف، بينما تشهد عليهم ناتاشا كازاتشكين، الخبيرة بمكتب الاتحاد بمنظمة العفو الدولية، والمعنية بحقوق الإنسان، بقولهاك «هناك كم كبير من الكلمات والمنشورات التى يصدرها الاتحاد الأوروبى، لكن ليس ثمة التزام سياسى قوى بشأن حقوق الإنسان».. بل زادت فى قولها: «إذا كان هناك مشروع يرعاه الاتحاد الأوروبى، تستطيع مدينة فى دولة عضو أن تحظره، فإن هذا يظهر بوضوح أن سلطة الاتحاد الأوروبى ليست كافية»!.. هل هذا يكفى؟
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.