رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سيدة الكرم».. والنائب العام المحترم وعودة الحق


حمدًا لله وشكرًا على أن لدينا فى مصر رجالًا شرفاء، لديهم الضمير والشجاعة لاتخاذ مواقف حاسمة للدفاع عن المرأة المصرية وحماية شرفها وعرضها وحقوقها.
أقول هذا بعد أن علمت مؤخرًا بما أصدره سيادة النائب العام المحترم حمادة الصاوى الذى أمر منذ يومين بتكليف المكتب الفنى بمكتبه بدراسة أوجه الطعن على الحكم الصادر بالبراءة فى الواقعة المعروفة بـ«واقعة سيدة الكرم»، وذلك فور إيداع محكمة الجنايات، التى أصدرت الحكم، أسبابه.
تطرقت لهذا الموضوع نظرًا للجدل المثار حاليًا فى الشارع المصرى حول براءة المتهمين الثلاثة فى تلك الواقعة، وكنت قد كتبت مقالًا فى نفس هذا المكان بصحيفة «الدستور» المحترمة لأدين فيه الاعتداء المشين الذى حدث ضد هذه السيدة المصرية الفاضلة فى ٢ مايو ٢٠١٦، وبعد إهانة كرامتها وآدميتها وشرفها، بأيدى مجموعة من المتطرفين الذين أقدموا على ارتكاب جريمتهم الشنعاء التى لم تحدث من قبل فى مجتمعنا بشكل عام.
وعلى إثر هذا الاعتداء الآثم، اندلع استياء لدى الرأى العام المصرى فور نشر صورها أثناء إهانتها، واقتيادها عارية تمامًا فى شوارع قرية صغيرة هى قرية الكرم التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، وهذه الجريمة، قد روّعت الشعب المصرى نساءً ورجالًا، لأنها لسيدة مسنة، فقيرة، ٧٠ عامًا.
مشهد بشع أن يهجم على سيدة فى هذا العمر داخل منزلها مَن تورطوا فى هذه الجريمة إثر مشادة بين أسرتين، على خلفية شائعة مفادها اتهام أسرة مسلمة ابن هذه السيدة بإقامة علاقة عاطفية مع ابنتهم المسلمة المتزوجة، ومن هنا بدأت المشاجرة بتجمهر نحو ٣٠٠ شخص من أهالى القرية ضد ابن سيدة الكرم، وبدورها أسرعت هذه السيدة قبلها بيوم بتقديم بلاغ إثر تلقيها هى وابنها تهديدات بالقتل، مما دعا الابن لترك القرية هربًا من مصير مجهول.
أما سيدة الكرم، فبقيت فى منزلها قائلة: «إن ابنها برىء من هذه التهمة»، فيما قال الابن إنه «لم يتصور أن يهاجموا أمه ويجردوها من ملابسها وينتهكوا شرفها»، وبما أن الجريمة حدثت، وتم تجريد «سعاد ثابت»، أو سيدة الكرم من ملابسها وسط صراخها وتوسلاتها بأن يتركوها، لكنّ المتهمين لم يبالوا بصرخاتها، كما قاموا أيضًا بإحراق خمسة منازل ومخزن بجانبهم، وكأن العنف قد أصبح هو السيد فى هذه القرية، وكأنه ليس فى البلد قانون، ولا فيه رجال ينفذون القانون.
ومن فضل الله، استطاع بعض أهالى القرية تخليص سيدة الكرم من أيدى المتهمين بصعوبة ليأخذها أفراد أسرة مسلمة داخل منزلهم ويقوموا بسترها بملابس من عندهم كما ذكرت السيدة فى أقوالها للشرطة التى جاءت فى التوقيت المناسب، وتمكنت من السيطرة على الموقف.
ومن المؤسف حقًا، أن صورة سيدة الكرم قد انتشرت سريعًا على كل مواقع التواصل الاجتماعى، وبالفعل تم القبض على ٣ من المتورطين وقتها فى هذه الجريمة، وتمت محاكمة المتهمين الثلاثة غيابيًا بالاعتداء عليها وتعرية ملابسها، وفى مقالى الذى نشرته حينذاك بصحيفة «الدستور»، أبديت استيائى الشديد من توغل التطرّف والتشدد والعنف ضد المرأة.
كما طالبت بالقصاص العادل، وبتطبيق القانون، وبإنفاذ العدالة الناجزة، حيث شاهدنا صور الجريمة المروعة الغريبة على مجتمعنا فى مواقع التواصل الاجتماعى بعدما تم نشرها وشاهدها الملايين، ونجم عنها غضب عارم فى الشارع المصرى، باعتبارها جريمة مروعة ومخجلة ومشينة وغريبة، وإن كنا فى السنوات الأخيرة، ومنذ أحداث يناير ٢٠١١ قد رأينا أنواعًا مختلفة من جرائم مروعة وعنف ضد المرأة لم نعهده بهذا السوء من قبل.
كما شاهدنا فتاوى متطرفة تبث الفتنة بغية إشعال النيران بين عنصرى الأمة وتفريقهما وزرع الكراهية بين المسلم والمسيحى وتكفير الإخوة الضاربة جذورهم فى أعماق التاريخ وفى وطننا، ورغم عنف الفتاوى وغرابتها وتطرفها وتشددها واستهجانها، ورغم محاولات زرع الفتنة والكراهية بين أبناء الشعب الواحد مستمرة، فإنها حتى الآن لم تفلح فى تفريق عنصرى الأمة.
ولا بد أن أذكّر القارئ قبل هذا بموقف الرئيس عبدالفتاح السيسى الداعم الأول للمرأة المصرية، الذى علق على واقعة سيدة الكرم بجبر خاطرها، ورفضه الإساءة لشرف المرأة المصرية وضرورة احترامها، قائلًا فى كلمته خلال افتتاح مشروع افتتاح حى الأسمرات بالمقطم: «لا نقبل الإساءة لسيدة مصرية، كل سيدات مصر لهن منا كل التقدير والاحترام والإعزاز».
وأضاف الرئيس فى كلمته: «أى حد هيغلط، مهما كان عدده هيتحاسب بالقانون، أرجو من السيدة المصرية ما تاخدش على خاطرها ولا هى ولا كل سيدات مصر، أرجو أن تتأكدن من ذلك، لأننا فى مصر نُكن كل الاحترام والتقدير لهن، ولا نقبل أن ينكشف سترنا بأى شكل ولأى سبب».
ثم حدث تحول خطير فى القضية يوم الخميس الماضى، حيث قام المتهمون بإعادة إجراءات المحاكمة، ثم صدر الحكم بالبراءة للمتهمين الثلاثة.
أما ما جعلنى أستبشر خيرًا فى إنفاذ القصاص العادل، ولا أفقد الأمل وعودة الحق للمرأة المصرية، أى امرأة مصرية مسيحية أو مسلمة، أنه فى واقعة التعدى على شرف سيدة الكرم أخذ النائب العام حمادة الصاوى موقفًا محترمًا كرجل مصرى محترم، حيث أصدر أمرًا بتكليف المكتب الفنى بمكتبه بدراسة أوجه الطعن على الحكم الصادر ببراءة المتهمين فى تلك الواقعة، واتخاذ كل الإجراءات القانونية فى ذلك، فور إيداع محكمة الجنايات، التى أودعت الحكم، أسبابه.
ومن المؤكد أن هذا القرار يعنى أن سيادة النائب العام سيقف مع العدالة ومع الحق ومع القصاص العادل، فمن غير المعقول ولا المقبول استباحة شرف سيدة مصرية مسنة بلا ذنب اقترفته، ولن يقبل مصرى أن يسود العنف والبلطجة والتطرف فى الشارع المصرى، وأن يعيث المتطرفون فى الشوارع بانتهاك شرف وعرض سيدات أو بنات لم يقترفن أى ذنب، وفى تقديرى تم ترويع بعض الشهود حتى يغيروا شهاداتهم.
كل التحية والتقدير لأمر سيادة النائب العام الجليل لموقفه من قضية سيدة الكرم، ولمواقفه السابقة التى تؤكد حرصه على كرامة المرأة المصرية فى كل القضايا والجرائم والعنف ضدها، وكذلك لما شاهدناه فى قضية مقتل الشابة مريم محمد فى منطقة المعادى، حيث تتم محاكمة قاتليها الثلاثة.
كما نأمل فى سرعة توقيع الجزاء المناسب بالقانون على المجرمين الثلاثة الذين سرقوا حقيبة مريم ثم داسوا عليها بالسيارة وتركوها تنزف حتى الموت، كما قام المجلس القومى للمرأة برئاسة د. مايا مرسى بشكر النائب العام لموقفه، مؤكدًا أنه على أتم الاستعداد لتكوين فريق عمل من المحامين للدفاع عن سيدة الكرم واتخاذ كل الإجراءات المتاحة وفقًا لقانون المجلس لمساندتها.
يا سيادة النائب العام حمادة الصاوى.. إننا نثق فى نزاهتك وفى كرم أخلاقك وفى نصرتك للحق، ونثق فى أن سيدة الكرم ستنال ردًا لاعتبارها ولشرفها المهدر فى أقرب وقت.
ونفتخر بأن لدينا فى مصر رجالًا شرفاء يواجهون الجرائم العنيفة بشجاعة وبالقانون. ويحمون عرض كل امرأة مصرية.