رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استثمار «البرلمان الأوروبى» الخاسر


باستثناء الفقرة الخاصة بالشاب الإيطالى جوليو ريجينى، الذى لقى مصرعه على يد مجهولين فى القاهرة منذ خمس سنوات، تكاد تكون توصيات البرلمان الأوروبى، الصادرة أمس الأول، نسخة طبق الأصل من تلك التى تصدر، سنويًا، منذ سنة ٢٠١٣، وتضطر دول الاتحاد الأوروبى وباقى مؤسسات الاتحاد، إلى إلقائها فى سلة المهملات، بعد أن باتت عاجزة عن استثمارها!
البرلمان الأوروبى هو هيئة تمثيل مواطنى دول الاتحاد الأوروبى، ويتراوح عدد أعضاء كل دولة فيه بين ٦ و٩٦ عضوًا، يتم اختيارهم فى انتخابات عامة كل خمس سنوات. أما رئيس البرلمان، فيتم انتخابه كل عامين ونصف العام، ويشغل هذا حاليًا ديفيد ماريا ساسولى، وهو سياسى وصحفى إيطالى، ينتمى للحزب الديمقراطى، الذى تغير اسمه من الحزب الشيوعى الإيطالى إلى الحزب اليسارى، وصاحب كل تغيير للاسم توجّهًا جديدًا فى سياسة الحزب.
مع أن هؤلاء الأعضاء يمثلون دولهم، أو من المفترض أن يمثلوها، إلا أن جميعهم، باستثناء ٢٩ عضوًا، ينتمون إلى سبعة أحزاب، كتل، أو مجموعات سياسية عابرة للحدود الوطنية، ويقومون بتغليب هذا الانتماء على انتمائهم الوطنى. ومع أن ترتيب «الكتلة الكونفيدرالية لليسار الأوروبى المتحد»، هو السابع والأخير، بين الكتل السبع، إلا أنها صاحبة الحضور الأقوى فى اقتراح مشروعات القرارات والتوصيات وعرائض الاحتجاج والمداخلات وتنظيم الفعاليات.
داخل أوروبا وخارجها، يثير تأثير تلك الكتلة تساؤلات ونقاشات، لكن ما يعنينا هو أن أعضاءها، أو اليساريين فى البرلمان الأوروبى، يعتمدون فى مشروعات القرارات واللوائح المتعلقة بمصر على تقارير منظمات تحت مستوى الشبهات تدعمها، وتمولها، وتستعملها الدول نفسها، التى تموّل، وتدعم، وتستعمل، كتلتهم، ونجحوا عبر هذا التمويل فى أن يكونوا «العين الواحدة»، التى يتابع من خلالها باقى أعضاء البرلمان الأوروبى، أو غالبيتهم، ما يجرى فى مصر!
يتولى ذلك البرلمان إصدار قوانين الاتحاد الأوروبى ويعتمد ميزانيته، بالاشتراك مع مجلس الاتحاد الأوروبى، ويحق له إبداء رأيه فى الاتفاقات الدولية وتوسيع الاتحاد الأوروبى، ويتولى مساءلة المفوضية الأوروبية وكل مؤسسات الاتحاد. ومن المفترض أنه يقوم بدور رئيسى فى رصد سياسات الاتحاد وتقديم التوصيات إلى مجلسه وهيئة العمل الخارجى الأوروبى، غير أنّه ليست له سلطة رسمية، على السياسة الخارجية للاتحاد، إضافة إلى أن القرارات والتوصيات المرتبطة بحقوق الإنسان، وسياسة الجوار، تكون غير ملزمة للدول أو لمؤسسات الاتحاد الأخرى.
ربما لهذا السبب، لم يتمكن ذلك البرلمان من معالجة مشكلات العنصرية والتمييز فى المجتمعات الأوروبية، ولم يساعد، كما ينبغى، الجياع والمشردين فى دول الاتحاد، ولم يستطع اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية لمواجهة الإرهاب، التى تمثل الحدود الدنيا من الحماية، التى من المفترض توفيرها للحقوق والحريات اللصيقة بالمواطنين الذين يمثلهم، ومع ذلك امتلك من البجاحة ما جعله يحاول تلقين مبادئ حقوق الإنسان، لدولة بحجم مصر.
استنادًا إلى أكاذيب مفضوحة سبق تفنيدها مرارًا، حاول ذلك البرلمان، ولا يزال، التدخل فى الشأن الداخلى المصرى، بشكل فج، ما يمثل إخلالًا جسيمًا ببديهيات مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وانتهاكًا صارخًا لمبدأى سيادة الدول والمساواة بينها فى سياداتها. ولن نتوقف عند تجاهل ذلك البرلمان للمذابح التى ارتكبها من يمثلهم، وراح ضحيتها ١٨ مليون هندى بأنواع مختلفة من الإبادات، وكذا تعاميه عن مشاركتهم الولايات المتحدة، خلال السنوات الـ١٧ الماضية، فقط، فى قتل ما يقترب من مليون ونصف المليون فى حروب خارج أراضيهم.
بنظرة ملائكية، حسنة النية، قد ترى أن المشرّدين والجياع فى دول الاتحاد الأوروبى، أحق بالـ١.٨٣ مليار يورو، التى يتم تبديدها سنويًا على برنامج أو صندوق «الحقوق والقيم»، والتى تذهب كلها تقريبًا إلى منظمات المجتمع المدنى، وتلك التى تدّعى أنها معنية بحقوق الإنسان. غير أن رسالة وجهها عدد من هذه المنظمات إلى قادة الدول الأوروبية، اعتراضًا على اقتراح بخفض هذا الرقم، حملت كلمة واحدة لخّصت الهدف الأساسى أو الفعلى من إنفاق تلك الأموال.
المفوضية الأوروبية كانت قد اقترحت، فى يونيو الماضى، خفض تمويل هذا البرنامج، أو الصندوق، فى ميزانية الاتحاد الأوروبى «٢٠٢٠- ٢٠٢٧» بنحو ٢٠٪، فطالبت تلك المنظمات، ومن بينها «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، بزيادة التمويل «بشكل كبير»، لأن الظروف الراهنة تفرض «الاستثمار» بشكل ملموس، فى دعم عمل المجتمع المدنى.
استثمر يستثمر استثمارًا، فهو مستثمِر، بكسر الميم الثانية، والمفعول مستثمَر، بفتحها، ويقال استثمر المالَ أى نمّاه، بتوظيفه فى أعمال تُدِرّ عليه ربحًا. ويقال، أيضًا استثمر المرءَ أى استغلّه واستعمله. وهذا بالضبط هو حال من يموّلهم الاتحاد الأوروبى أو يستثمرهم ويستعملهم، فى مصر ودول المنطقة، حتى يتمكن من استرداد أمواله، التى ينفقها عليهم، أضعافًا مضاعفة، من أقوات ودماء الإنسان، الذى يزعمون أنهم يدافعون عن حقوقه.