رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نجحت إجراءات مكافحة كورونا في تقليل الإصابة بالأنفلونزا؟

جريدة الدستور

عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان يهدأ كل شيء ولا صوت حينئذ يعلو على صوت العلم بحثا عن علاج، فقد انشغل العالم خلال الأشهر القلائل الماضية في البحث عن لقاح لمرض كوفيد - 19 الذي يسببه فيروس كورونا المستجد. لكن تلك الجهود تأتي مع الجهود المعتادة لمكافحة موسم الأنفلونزا، مما سبب هاجسا للبعض من إمكانية أن تتشعب الجهود للمواجهة على صعيد جبهتين.

وفي هذا السياق، ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء في تقرير لها أن جائحة "كوفيد 19" تتلاقى مع أسوأ التوقعات بالنسبة لخبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة وأوروبا لفصلي الخريف والشتاء. وهناك أمر ما يبدي الخبراء قلقهم حياله لكن لا يبدو أنه سيحدث، وهو حدوث جائحة مزدوجة تجمع بين "كوفيد 19" والأنفلونزا الموسمية.

وتضيف الوكالة أن الأنفلونزا حتى الآن غائبة لكنها لم تنته تماما. ففي مدينة نيويورك، التي تنشر إحصاء يوميا بشأن الزيارات لغرف الطوارئ بسبب أمراض تشبه الأنفلونزا وغيرها من الحالات، فإن الأرقام تأتي أقل من ثلث العدد المعتاد للنصف الأول من ديسمبر.

ومن المتصور أن الاحتمالات تقل في غرف الطوارئ بنيويورك بأن يتم إحصاء حالات الإصابة بفيروس كورونا على أنها أمراض شبيهة بالإنفلونزا مما كان عليه الأمر في مارس الماضي، عندما كانت اختبارات كوفيد 19 نادرة، وكان عمال الرعاية الصحية أقل دراية بأعراض كوفيد.19

ومن الممكن أيضا أن يتجنب الأشخاص غرف الطوارئ إذا استطاعوا ذلك. لكن نتائج اختبارات الإنفلونزا الإيجابية التي تم تتبعها في المراجعة التي يجريها المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها تُظهر انخفاضا أكثر حدة.

وبلغ إجمالي الاختبارات الإيجابية للأنفلونزا للأسبوع المنتهي في 5 ديسمبر، حسب أحدث البيانات المتاحة 56 حالة فقط، بينما كان عدد الحالات في الأسبوع نفسه من العام الماضي قد بلغ 6435 حالة.

ويعتبر بداية موسم الأنفلونزا في نصف الكرة الشمالي عموما هو الأسبوع الأربعين من العام، والذي انتهى في الثالث من أكتوبر، مما يجعل الخامس من ديسمبر نهاية الأسبوع التاسع والأربعين.

كان موسم الأنفلونزا لعام 2011 - 2012 قد بدأ بعدد حتى أقل من الحالات الإيجابية، لكن ذلك كان مضللا نظرا لأن عدد اختبارات الحالات قد ارتفع كثيرا منذ ذلك الحين، وإن ظل بوتيرة لا تقترب من عدد اختبارات كوفيد 19 التي أجريت هذا العام.

كانت هناك 511 حالة إصابة إيجابية في أول عشرة أسابيع من موسم الأنفلونزا لعام 2011 - 2012، لكن من بين 40 ألفا و150 اختبارا، بمعدل حالات إيجابية نسبته 3ر1%. لكن الحالات الإيجابية لهذا العام البالغة 602 حالة، جاءت من بين 401 ألف و112 اختبارا، بمعدل حالات إيجابية نسبته 15ر0%.

وبالتالي، وبكل المظاهر، فإن موسم الإنفلونزا هذا في الولايات المتحدة يمضي في مسار يكون فيه أكثر اعتدالا بكثير مما اتضح أنه الموسم الأقل فتكا في العقد الماضي وربما الأقل فتكا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وهناك اتجاهات مماثلة بشكل واضح في جميع أنحاء العالم. وذكرت منظمة الصحة العالمية في آخر تحديث أسبوعي للأنفلونزا أنه: "في المنطقة المعتدلة من نصف الكرة الشمالي، ظل نشاط الأنفلونزا أقل من المستويات الفصلية". ويعني هذا أن معدل الإصابة بالأنفلونزا أقل في الوقت الحالي، في أواخر الخريف، مما يحدث عادة في فصل الصيف.

وكانت منظمة الصحة العالمية وهيئات الصحة العامة الأخرى مترددة لأسباب مفهومة في إعلان الانتصار على الإنفلونزا حتى الآن، فلا يزال الوقت مبكرا في الموسم، وهناك مرض آخر يسبب الفوضى حتى لو لم تكن الأنفلونزا كذلك. وكان الرئيس التنفيذي لشركة "كينسا" المتخصصة في تصنيع أجهزة قياس الحرارة الذكية أقل تحفظا، حيث قال لصحيفة نيويورك تايمز: "يبدو أن الجائحة المزدوجة لن تحدث"، ومن الواضح من مواسم الأنفلونزا لعام 2020 الذي انتهى بالفعل أن شيئا خارج عن المألوف يحدث.

وكشفت الدراسات أنه في الولايات المتحدة وأوروبا، انخفض معدل الإصابة بالأنفلونزا بشكل حاد أكثر من المعتاد في أواخر الشتاء وأوائل الربيع هذا العام. وفي أستراليا، حيث يمتد موسم ذروة الإنفلونزا عموما من أبريل حتى سبتمبر، وكانت جهود مكافحة "كوفيد - 19" أكثر نجاحا مما كانت عليه في الولايات المتحدة أو أوروبا، لم يكن هناك موسم للإنفلونزا على الإطلاق.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هو: لماذا يحدث هذا؟ قد يكون للاندفاع من أجل إعطاء اللقاحات لمزيد من الأشخاص ضد الإنفلونزا هذا الخريف لتجنب الجائحة المزدوجة بعض التأثير، لكن هذا لا يفسر سبب انخفاض معدل الإصابة بالإنفلونزا في الربيع الماضي.

والتفسير الواضح أن الأشياء التي يقوم بها أفراد وحكومات لإبطاء انتشار "كوفيد - 19" أدت إلى توقف انتشار الإنفلونزا، وهو مرض تنفسي ينتقل بطريقة مماثلة، إن لم يكن متطابقة.

ومن المحتمل أن تكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية ضد الإنفلونزا لأنها أقل عدوى بكثير من كوفيد 19.

ويبدو أن ارتداء الكمامات والعمل من المنزل وحظر التجمعات الكبيرة وغيرها من تدابير التباعد الاجتماعي - بجانب اكتساب المزيد من الأشخاص مناعة من خلال الإصابة بـ "كوفيد 19" قد ساهم أيضا في الحد بشكل كبير من الإصابات بالأنفلونزا.

وتقول بلومبرج: "أحد الدروس المستفادة أن ما يتردد كثيرا عن فشل الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية في مكافحة الجائحة هو أمر خاطئ، مؤكدة على أن نظرة خاطفة على شرق آسيا توضح أن الغرب كان بإمكانه فعل ماهو أفضل بكثير، ولكن بالنظر إلى مدى نجاحنا في وقف الإنفلونزا، يبدو واضحا أننا نجحنا أيضا في إبطاء كوفيد 19، وكان عودة المرض إلى الظهور هذا الخريف سيئا، لكن كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير".