رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تتحدى المستحيل.. وتبني دولتها الحديثة


نحن شعب يتحدى الصعاب ويفعل المستحيل.. ففي وقت يذهب فيه العالم إلى تأجيل أية استحقاقات برلمانية إلى أن تزول جائحة كورونا، تفاجئ الدولة المصرية العالم بأنها لن تربط مصير حياتها السياسية وفقاً لما تمليه عليها هذه الجائحة.. ففي وقت أعلنت فيه رئيسة وزراء نيوزيلندا تأجيل الانتخابات البرلمانية في بلادها، تخوفاً من كورونا.. وهكذا فعلت سوريا وتشاد، وطالبت العديد من الكيانات السياسية في المغرب، بتأجيل الاستحقاقات البرلمانية هناك، المقررة بداية 2021، بسبب تفشي كورونا، وما خلفته من أضرار اقتصادية.. ولعلنا لا ننسى أن قرار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، تأجيل الانتخابات العامة في بلاده، وعدم انصياع إقليم تيجراي لهذا القرار، كانا وراء ما تشهده إثيوبيا حالياً من حروب أهلية.. إلا أن مصر جاءت نسقاً مغايراً من كل هؤلاء، ورأت في اكتمال البناء السياسي في مصر، ضرورة لن تقف دونها كورونا.. وعليه، فقد خاضت البلاد انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، بنجاح، شهد به المراقبون، وقدرته دول العالم.. بل زادت في تحديها بتنظيم بطولة كأس العالم  لكرة اليد رجال، المقرر انعقادها خلال الفترة من 13 ـ 31 يناير القادم، بخطة تعتمد على أربعة محاور، هي: تقييم المخاطر، ورفع الوعي، وتطبيق الإجراءات الاحترازية، والتعامل مع حالات الاشتباه.

لماذ لم تؤجل مصر انتخاباتها البرلمانية.. كما فعلت دول في أوروبا وإفريقيا؟
تعكس الانتخابات البرلمانية في مصر، أهمية المشاركة الفعالة من المواطن، لما يمثله مجلسا الشيوخ والنواب من أهمية تشريعية وبرلمانية في الحياة السياسية بشكل كبير، على اعتبار أن مجلس النواب يمثل عين المواطن على السلطة التنفيذية ومراقبة أدائها وتقويمه وتقييمه، بالإضافة إلى سن التشريعات والقوانين اللازمة والتعديل على بعض منها بما يحقق مصالح المواطنين والدولة، على حد سواء، خاصة وأن البرلمان الجديد يشهد عودة مجلس الشيوخ بعد غياب سبع سنوات، وهو ما يؤدي إلى تكامل جناحي التشريع في مصر واستكمال بناء مؤسسات الدولة.. بينما تستحوذ الانتخابات البرلمانية على أهمية كبيرة في الشأن السياسي المصري، لما يتمتع به المجلس من صلاحيات وسلطات لها علاقة مباشرة بحياة المواطن العادي.
يبلغ عدد من لهم حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، لكل من المجلسين، قرابة 63 مليون ناخب، وتخضع العملية الانتخابية بكافة مراحلها لإشراف قضائي داخل اللجان كافة، كما تشارك في متابعتها بعثة مراقبة دولية، مكونة من  منظمات مدنية غير حكومية من دول أوروبية وإفريقية، إضافة إلى وفد من البرلمان العربي.
وتعد مصر، أول دولة في الشرق الأوسط، انتخب بها برلمان يمثل الشعب، إذ عقد المجلس، الذي أُطلق عليه حينها (مجلس شورى النواب)، أولى جلساته يوم الأحد 25 نوفمبر عام 1866 برئاسة راغب باشا.. ومن يومها، وبعد مرور أكثر من 150 عاًما، يواصل المصريون ماراثون الانتخابات البرلمانية.. وكان أحدثها انتخابات مجلس النواب، الذي تنافس فيها 4316 مرشحاً، على 568 مقعداً، تم انتخابهم بالاقتراع السري المباشر، بواقع 284 مقعداً بالنظام الفردي و284 مقعداً بنظام القوائم المغلقة المطلقة.. وقد ضمت القائمة النهائية للمرشحين فى انتخابات النواب 4032 مرشحاً بنظام الفردي، و4 قوائم بنظام القائمة تضم 284 مرشحاً أساسياً، ومثلهم احتياطياً.

وانطلاقا من دور القوات المسلحة والشرطة، جناحي الأمن والاستقرار للأمة المصرية.. قامت القوات المسلحة بكل الترتيبات والإجراءات، بالتعاون مع أجهزة وزارة الداخلية، والهيئة الوطنية للانتخابات، وكل الأجهزة المعنية بالدولة، لتأمين الانتخابات على مستوى الجمهورية، وتوفير المناخ الآمن للمواطنين للإدلاء بأصواتهم، انطلاقاً من مسئوليتها الوطنية تجاه الشعب المصري، بتجهيز العناصر المشاركة فى التأمين، وتجميع الاحتياطات وعناصر الانتشار والتدخل السريع وعناصر الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية، وتنفيذها عملية الانتشار الأمني، للتصدي لأي أعمال عدائية قد تؤثر على انتظام العملية الانتخابية، من خلال الدوريات الأمنية، التي دفعت بها إلى الطرق والمحاور المرورية لمواجهة المواقف الطارئة، حتى خرجت العملية الانتخابية بالمظهر المشرف، الذي يليق بالشعب المصري.. وكذلك فعلت وزارة الداخلية، بخطتها الأمنية الشاملة لتأمين المواطنين، أثناء إدلائهم بأصواتهم، من خلال الانتشار الأمني المكثف بمحيط اللجان وكل الطرق والمحاور المؤدية لها، وتسيير أقوال أمنية، وخدمات مرورية لتسيير الحركة المرورية، بتلك الطرق لتسهيل وصول الناخبين إلى اللجان الانتخابية.. وامتدت خطة التأمين، لحماية المنشآت الهامة والحيوية، وإحكام الرقابة من خلال عدد من الدوائر الأمنية، ودعم الخدمات الأمنية بالمنطقة المحيطة بها والدفع بقوات التدخل والانتشار السريع، للتعامل الفوري مع كافة المواقف الطارئة للحفاظ على الأمن والنظام.
ولم تكن وزارة الصحة والسكان ببعيدة عن تحقيقها، هي الأخرى، لمفهوم تأمين المواطن، لكن في صحته وسلامته، ودرء مخاطر إصابته بفيروس كورونا.. ففي ظل الإجراءات الاحترازية المشددة التي تقوم بها الدولة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، فقد التزمت الوزارة بخطة التأمين الطبي للانتخابات، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخابات، في إطار الحرص على الاهتمام بالصحة العامة، واتخاذ كل الإجراءات الوقائية والاحترازية، حفاظاً على صحة المواطنين.. وشددت على ضرورة الالتزام باتخاذ كل الإجراءات الاحترازية والوقائية ضد فيروس كورونا، أثناء العملية الانتخابية، والالتزام بالشروط الصحية داخل المنشآت والمقار الانتخابية طوال فترة انعقاد الانتخابات، ومراعاة التباعد الاجتماعي بين الناخبين، وعدم التزاحم داخل لجان الانتخابات، بالإضافة إلى التزام المواطنين، بارتداء الكمامات أثناء إدلائهم بأصواتهم.
كما انعقدت غرفة الأزمات والطوارئ، بديوان عام الوزارة، لمتابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي للانتخابات، على مدار اليوم، والتي تم ربطها بغرف العمليات الفرعية بمديريات الصحة بالمحافظات، للتنسيق المستمر بين الوزارة والمحافظين، ومديريات الصحة، والتأمين الصحي، والهيئة الوطنية للانتخابات، والفرق الطبية المتواجدة بمقار اللجان، للاستجابة السريعة لأي طارئ.. وقد ألزمت الوزارة المراقبين بارتداء الكمامات طوال فترة عمل اللجان، والتهوية الجيدة لمراكز الانتخاب، والاعتماد على التهوية العادية، وتجنب تشغيل أجهزة التكييف، واتباع تعليمات مكافحة العدوى، في تطهير كل القاعات المخصصة للعملية الانتخابية، وتطهير الأسطح المعرضة للتلامس ودورات المياه، إلى جانب مراعاة المسافات بين الناخبين أثناء الدخول، ونشر اللافتات الإرشادية والتوعوية بطرق انتقال العدوى والإجراءات الوقائية اللازمة للحماية من العدوى، وقامت الوزارة، عبر صفحتها الرسمية على موقع فيس بوك، بنشر المحتوى التوعوي للناخبين للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.

التجربة المصرية الفريدة في الانتخابات البرلمانية، أغرت وسائل الإعلام الدولية بشكل واسع، بتغطية إجراءاتها.. ووفقاً لتقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات، حول التغطية الإعلامية لتلك الوسائل للانتخابات، فقد قدمت (الاستعلامات)، من خلال غرفة العمليات التي أقامتها بالمركز الصحفي للمراسلين الأجانب التابع لها، كل التسهيلات للمراسلين الأجانب المشاركين في التغطية، البالغ عددهم 570 مراسلاً، يمثلون 166 مؤسسة إعلامية، في انتخابات النواب، تم اعتمادهم بقاعدة بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات، واستخراج تصاريح التغطية الإعلامية لهم لمتابعة سير العملية الانتخابية من داخل اللجان وخارجها.. وفي انتخابات الشيوخ، تم إعداد المركز الصحفي بماسبيرو، لتقديم كافة التسهيلات للمراسلين الأجانب المشاركين، بما يمكنهم من أداء عملهم على الوجه الأمثل، وهؤلاء بلغ عددهم 564 مراسلاً، يمثلون 152 مؤسسة إعلامية تم تجديد قيدها و11 مؤسسة قيدت لأول مرة بقاعدة بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات لمتابعة سير العملية الانتخابية من داخل اللجان وخارجها.. بما يعني أن الانتخابات حظيت باهتمام إعلامي عالمى واسع النطاق، شمل بث ونشر آلاف الاخبار والتقارير المكتوبة والمرئية، عبر آلاف الصحف والقنوات التليفزيونية والمواقع الإلكترونية فى كل أنحاء العالم وبكل لغاته.. كما عكست مشاركة تلك الوسائل الإعلامية، الاهتمام العالمى بهذا الحدث السياسى الكبير فى مصر، وعكس فى الوقت نفسه حرص مصر على حضور وتشجيع وسائل الإعلام من كل أنحاء العالم لمتابعة الانتخابات بكل شفافية.
كذلك، شاركت الجامعة العربية في متابعة الانتخابات، حيث أعلن السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد، رئيس بعثة جامعة الدول العربية لمتابعة الانتخابات، أن (البعثة وضعت خطة للتحرك والانتشار في عدد من المحافظات المصرية، لمتابعة سير الانتخابات ورصد مؤشرات المناخ الانتخابي، وسير عمليات الاقتراع في مختلف مراحلها).. بينما كان لدى الإعلام الدولي حرية العمل فى كل المواقع، حيث أجرت وسائل الإعلام التغطية داخل وخارج مقار اللجان، كما أجرت أيضاً مئات المقابلات مع المصوتين والمسئولين ورجال القضاء والمعارضين وغيرهم، استخدمت خلالها كل وسائل المتابعة، بالكلمة والصورة والصوت والفيديو بحرية تامة.. ولم نسمع عن شكوى واحدة من أي مراسل، تم منعه من ممارسة عمله أو من دخول اللجان أو من التحرك بحرية، أو التضييق عليه بأى شكل، بل جرى تمكين جميع المراسلين وتقديم التسهيلات لهم للاطلاع على كل شىء يتعلق بالعملية الانتخابية.

جاء الإقبال الشعبي الكثيف والروح والمظاهر والأجواء الاحتفالية المصاحبة للتصويت في الانتخابات بشقيها، الشيوخ والنواب، تعبيراً عن انحياز وطني لصالح الاستقرار والأمن والأمان، ومواجهة الإرهاب والتحديات، ودليل على عمق الوعي لدى جموع المصريين.. وكان رسالة للقاصي والداني على التفاف الشعب المصري حول قيادته السياسية، وثقته فيها، وأمله الكبير في غدٍ مشرق بإذن الله، كما أنه رسالة بأن هذا الشعب العظيم ماضٍ بقوة على طريق ممارسة حقوقه الوطنية والديمقراطية.

وفقاً لقانون مجلس الشيوخ، الذى يمنح رئيس الجمهورية حق تعيين ثلث أعضاء المجلس، فإن قائمة أسماء المعينين لعضوية مجلس الشيوخ، والتي تشمل 100 عضواً، جاءت معبرة عن التنوع في اختيار الشخصيات، لتشمل كافة التخصصات والمجالات المختلفة، الأمر الذى يجعل مجلس الشيوخ الجديد معبراً عن كافة الأطياف السياسية وكافة ألوان وفئات المجتمع، بالإضافة إلى أنها ستسهم في إثراء الحياة النيابية وتمثل إضافة قوية للمجلس، لأنه بهذه القائمة المتنوعة من مختلف التخصصات والمجالس والخبرات التي تضمها، ستؤثر بالإيجاب، ليكون هذا المجلس بالفعل (مجلس حكماء وخبراء).
وبالنظر لقائمة الأسماء التي تم اختيارها للتعيين في مجلس الشيوخ، نجد أنها تضم خبرات متنوعة ومختلفة في كل المجالات، شخصيات قانونية واقتصادية بارزة، وشخصيات عامة بعضها لها باع طويل في الحياة السياسية المصرية، بجانب شخصيات لديها خبرات برلمانية ونيابية سابقة، وممثلين عن الأزهر الشريف، وشخصيات من كبار الصحفيين والإعلاميين، وأساتذة الجامعات، وممثلين عن الفن، ومثقفين، وعن القطاع الصحى والطبى، وغيرهم من كافة أطياف المجتمع.. تصطف جنباً إلى جنب الشخصيات التي تم انتخابها لعضوية المجلس، وجاءت بالاقتراع، سواء من خلال القائمة الوطنية من أجل مصر التي فازت في الانتخابات، أو التي جاءت من خلال المقاعد الفردية، والتي شهدت تنوعا كبيراً سيثرى الحياة السياسية والنيابية، في ظل وجود تمثيل قوى للمرأة والشباب، إلى جانب الخبرات في مختلف المجالات.
تعكس قائمة المعينين حالة الاصطفاف الوطني التي يعيش فيها الاعلام المصري حالياً، حيث ضمت القائمة أسماء إعلاميين يعملون في وسائل الإعلام الخاصة، إلى جوار آخرين أمضوا أعمارهم في الصحافة ووسائل الإعلام القومية.. بما يعنى أن التفرقة الإعلامية التي كانت تعرفها مصر في أوقات سابقة، قد انتهت إلى الأبد، وهو أمر يتسق مع واقع الممارسة الإعلامية في الوقت الحالي، حيث تحتشد وسائل الإعلام خلف الدولة وفي مواجهة أعدائها.. وتشير القراءة المتأنية إلى أن القيادة السياسية لديها إيمان بأهمية الدور الذى يلعبه الإعلام في صناعة الوعي، التي تستدعي إشراك رموز العمل الإعلامي في عملية صناعة القوانين وصياغة التشريعات، والوجود بفاعلية داخل المؤسسة التشريعية دون الاكتفاء فقط ، بدور الناقل لما يجرى داخل المجلس، كما كان العرف سابقاً.
ومثلما حدث في مجلس الشيوخ، فنحن بانتظار تعيين رئيس الجمهورية لـ5% من عدد أعضاء مجلس النواب الجديد، طبقاً لنص المادة 27 من قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، بإصدار قانون مجلس النواب، المٌعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020، بأنه (يجوز لرئيس الجمهورية، تعيين عدد من الأعضاء في المجلس، لا يجاوز نسبة 5% من عدد الأعضاء المنتخبين، نصفهم على الأقل من النساء، لتمثيل الخبراء وأصحاب الإنجازات العلمية والعملية في المجالات المختلفة، والفئات التي يري تمثيلها في المجلس، وفقا لأحكام المادتين 243 و244 من الدستور، في ضوء ترشيحات المجالس القومية والمجلس الأعلى للجامعات ومراكز البحوث العلمية والنقابات المهنية والعمالية ومن غيرها).. وهى بذلك تعنى أحقيته فى تعيين 28 نائباً، ليكن إجمالى عدد أعضاء المجلس 596 نائباً، مراعياً بعض الضوابط، وعلى رأسها.. أن تتوفر فيمن يعين الشروط ذاتها اللازمة للترشح لعضوية مجلس النواب، وألا يعين عدداً من الأشخاص ذوي الانتماء الحزبي الواحد، بما يؤدي إلى تغيير الأكثرية النيابية في المجلس.. كذلك لا يعين أحد أعضاء الحزب الذي كان ينتمي إليه الرئيس، قبل أن يتولي مهام منصبه، وهو شرط لا ينطبق على الرئيس عبد الفتاح السيسي، لعم انتمائه سابقاً ولا حالياً لأي حزب.. وأن لا يعين شخصاً، خاض انتخابات المجلس في الفصل التشريعي ذاته وخسرها.
وبقي أن نقول إن العضو المعين يتساوى بالعضو بالمنتخب، وينشر قرار تعيين أعضاء مجلس النواب في الجريدة الرسمية طبقا للمادة 28 ويكون للأعضاء المعينين ذات الحقوق، وعليهم ذات الواجبات، المقررة للأعضاء المنتخبين بالمجلس.