رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل ما بعد باريس


تابعت بكل الاهتمام والاحترام جميع ما تناولته وسائل الإعلام المصرية والأجنبية حول الزيارة التاريخية التى قام بها مؤخرًا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى باريس، والتى فاقت التوقعات فى جميع اللقاءات والنتائج التى خرجت بها على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين فى كل الأصعدة والمجالات.
بطبيعة الحال، فإننى اليوم وبعد مرور عدة أيام على انتهاء تلك الزيارة لن أتطرق مرة أخرى لتفاصيلها أو نتائجها، ولكننى سوف أتحدث عن العديد من المشاهدات والنتائج التى ترتبت عليها فى عدد من بلدان العالم المختلفة، وأيضًا فى تغيير العديد من المفاهيم المغلوطة التى حاول أهل الشر نشرها فى الخارج، وتصدير صورة ذهنية سلبية عن الأوضاع الداخلية فى مصر لدى العالم الخارجى، بل وأيضًا سوف أتناول جانبًا أعتقد أن السيد الرئيس كان حريصًا على توضيحه لكل القوى والأنظمة الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية وكذلك الأمنيات التى تنتظرها قيادات تلك الجماعة حال تسلم الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
- كان السيد الرئيس حاسمًا وواضحًا عند تناوله مفهوم حقوق الإنسان، وهو الملف الذى دائمًا ما تحاول القوى المشبوهة التلويح به فيما يتعلق بموقف مصر من هذا الملف.. وأعتقد أنه أغلق الباب بشكل احترافى حول إثارة هذا الموضوع مرة أخرى، خاصة خلال الفترة المقبلة، بل إنه أكد على فرنسا ودول العالم المختلفة ألا تنجرف ناحية هذا التوجه بالنسبة لمصر خاصة، وذلك عندما أوضح للجميع أن هناك نحو ٥٥ ألف منظمة حقوقية تعمل بكل أريحية ودون أى معوقات إدارية أو أمنية، بل إن هناك تعاونًا وثيقًا بينها، وبين جميع الجهات المعنية بهذا الملف.
- إن أوروبا أسهمت بشكل أو بآخر فى تنامى قوة وتأثير جماعة الإخوان فى معظم دول القارة العجوز على مدار تسعين عامًا، حتى أصبحت هدفًا للعنف والتطرف والإرهاب الذى تتبناه تلك الجماعة لزرع الخوف والرهبة داخل تلك الدول بغرض استمرار تأثيرها وتمكنها فى تلك القارة، وبناء عليه فإن تلك الدول أصبحت مطالبة الآن بإعادة حساباتها فى تعاملاتها، وتأييدها وحمايتها عناصر وقيادات الجماعة والمنظمات الإرهابية التى تعمل تحت لوائها.
- تزامنت مع زيارة الرئيس إلى فرنسا تصريحات وتعليمات مهمة وحاسمة فى ألمانيا، حيث أعلن عمدة العاصمة برلين عن متابعة الأجهزة الأمنية الدقيقة نشاط جماعة الإخوان وأيضًا السلفيين، ونشاط المراكز الإسلامية هناك، وتهديد من تسول له نفسه القيام بأى أعمال عنف أو تحريض بالترحيل من الأراضى الألمانية، حتى ولو كانت لديه إقامة مشروعة بها، أو كانت لديه استثمارات أو أعمال تجارية هناك.
- أيضًا كانت هناك تصريحات لافتة لنائب مرشد الإخوان إبراهيم منير، المقيم فى لندن، عن اعتقاده بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تتعامل مع ملف الإخوان بنفس الاهتمام والجدية التى كانت تتم إبان رئاسة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بالرغم من أن الرئيس جو بايدن كان نائبًا له، وأنه يجب على «الإخوان» عدم التفاؤل أو التعويل على ذلك الدعم المتوقع، وعليها أن تعيد حساباتها وتوازناتها فى الدول التى تؤويها تحسبًا من ردود أفعال تلك الدول على ضوء النتائج والتصريحات، بل والمعلومات التى قدمتها مصر لفرنسا حول نشاط الجماعة وتأثيرها على استقرارها وأيضًا استقرار العديد من الدول الأوروبية.
- كان تحديد الرئيس عدد ٦ قنوات فضائية تبث برامجها المشبوهة، والتى تثير الفتن والشائعات والمكائد من قطر وتركيا، مثار حالة من الهلع والتوتر أصابت العاملين فى تلك القنوات، حيث شاهدنا كلًا من الهارب محمد ناصر ومعتز مطر وغيرهما يطالبون السلطات المعنية فى هاتين الدولتين بحمايتهم وعدم التأثر بتصريحات الرئيس، والنظر فى منحهم الجنسية التركية أو القطرية.. خاصة بعدما أعلنت قطر عن استعدادها لتقديم بعض التنازلات من أجل إعادة العلاقات مع دول المقاطعة العربية الأربع، حيث أعلنت السعودية عن ضرورة أن تكون مصر على رأس الدول التى يجب أن تعيد قطر النظر فى أسلوب التعامل معها، من حيث إيواء قيادات الإرهاب الهاربين بها، أو فيما تبثه قناة الجزيرة من تحريض وأكاذيب موجهة ضد الدولة المصرية، واعتبار ذلك أحد الشروط الأساسية لتفعيل مبادرة المصالحة القطرية مع دول المقاطعة العربية.
- ثم جاء مجلس الشيوخ الأمريكى، الذى يسيطر عليه الحزب الجمهورى، ليعلن عن إعادة فتح ملف جماعة الإخوان، والعمل على ضرورة التصويت على اعتبارها جماعة إرهابية، تسعى إلى نشر التطرف والإرهاب فى العالم.
- وهنا أجدنى أرى أيضًا أن هناك رسالة كان الرئيس حريصًا على أن تصل بشكل غير مباشر للإدارة الأمريكية الجديدة، وهى أنه لن يخضع لابتزاز تلك الجماعة المأجورة، وأن مسئوليته فى تحقيق أمن وأمان ١٠٠ مليون مواطن مصرى تجعله يضع مصلحة الوطن فوق أى اعتبار، ومن هذا المنطلق فإن تلك الإدارة لا بد أن تضع فى حساباتها أن «مصر ٢٠٢١ ليست مصر ٢٠١٣»، وأن أى دعم سوف يتم تقديمه لتلك الجماعة الإرهابية من الجانب الأمريكى قد تترتب عليه نتائج عكسية وسلبية فى العلاقات بين البلدين.
تلك كانت بعض الرسائل التى وجهها الرئيس للعالم بطريق مباشر وغير مباشر خلال زيارته فرنسا، والتى أعتقد أنها بدأت تؤتى ثمارها، كما رأينا على الصعيدين الإقليمى والدولى، لتؤكد مصر مرة أخرى ثقل مكانتها وأهميتها فى مجتمع اليوم الذى لا يؤمن إلا بالثبات والقوة والثقة.