رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البداية «سينوفارم».. مصر تنتهج استراتيجية تنويع لقاحات كورونا

سينوفارم
سينوفارم

يبدو أن نهاية عام عصيب تحمل بادرة أمل للبشرية في السيطرة على جائحة "كورونا" التي حصدت مئات الآلاف من الأرواح وطرحت عشرات الملايين يواجهون مصيرهم بين الحياة والموت، ناهيك عن أزمة اقتصادية حادة أتت على الدول المتقدمة والنامية على السواء ستحتاج إلى سنوات لتجاوز تأثيراتها السلبية. فقد نجحت عشرات من شركات الأدوية العالمية في تحقيق نتائج مبشرة بشأن لقاح يوقف زحف هذا الخطر المهدد للعالم، ورغم التخوفات، استقبلت الحكومات البشرى السارة بمنح "إجازات طوارئ" لعدد منها، وانطلقت في حمالت تلقيح لمواطنيها.

وفي خضم تلك التطورات، تسلمت مصر أول دفعة من لقاح "سينوفارم" الصيني يوم الخميس الماضي،
بواقع 50 ألف جرعة، تكفي 25 ألف شخص، باعتبار أن كل فرد لابد أن يحصل على جرعتين، على أن يكون للأطقم الطبية في مستشفيات العزل ومستشفيات الحميات والصدرية ومرضى الأورام والفشل الكلوي وأصحاب الأمراض المزمنة، الأولوية الأولى للحصول على تلك الجرعات، كونهم الفئات الأكثر عرضة للإصابة.
ومن المقرر أن يتاح اللقاح بالمجان لكافة المواطنين مع وصول الدفعات التالية منه خلال الأسابيع القادمة، ويطلب المواطن الحصول على الجرعتين من خلال التسجيل عبر موقع إلكتروني سيتم إطلاقه في وقت لاحق.

كيف يعمل لقاح سينوفارم؟

يعتبر لقاح "سينوفارم" من أوائل اللقاحات التي بدأ اكتشافها وتجربتها في العالم، فمنذ أعلنت الصين عن
التسلسل الجيني لفيروس "كورونا" يناير الماضي، عمدت شركة "سينوفارم تشاينا ناشيونال بيوتيك جروب" (CNBG (التابعة للمجموعة الوطنية الصينية للأدوية )Sinopharm Group Biotec ،)إلى تطوير لقاح مضاد له، لتجري أول دراسة بشأن قدرته المناعية في 16 فبراير الماضي من خلال حقنه لسبعة أنواع من حيوانات الاختبار، بما في ذلك الجرذان البيضاء، والفئران، وخنازير غينيا، وقرود المكاك، والأرانب. وعقب ذلك تم اختبار اللقاح على مجموعة صغيرة من البشر، ليبدأ بعدها إجراء التجارب السريرية.

بدأت الشركة في 27 أبريل الماضي تنفيذ اختبارات المرحلتين الأولى والثانية السريرية على 600 شخص بالغ من الأصحاء، وأفادت النتائج المنشورة في 28 يونيو الماضي بعدم وجود أثار جانبية سلبية له.
لتنتقل الشركة بعد ذلك إلى تجارب المرحلة الثالثة السريرية في 23 يونيو الماضي، والتي ضمت أيًضا
ثالث مراحل أجريت الاثنان الأول منها على 100 ألف متطوع في الصين، ثم الثالثة على 60 ألف متطوع
في 10 دول على رأسها مصر والإمارات والبحرين والأردن والمغرب والبرازيل وبيرو.
وقد أجريت التجارب النهائية بالتعاون مع شركة G42 الإماراتية للرعاية الصحية، ويرجع اختيار الإمارات مركزا لتلك المرحلة كونها تضم ما يقرب من 200 جنسية مختلفة ما يجعلها مجتمعا مثاليا الختبار ردود الفعل المختلفة على اللقاح.


وخلصت نتائج المرحلة الثالثة إلى إثبات فاعلية اللقاح بنسبة 86 ٪في الوقاية من فيروس "كورونا"
المستجد، و99 ٪ في إنتاج األجسام المضادة للفيروس، و100 ٪في الوقاية من الوصول للحالات المتوسطة والشديدة. لكن لم تنشر النتائج بشكل مفصل حتى الآن.
ويعمل اللقاح بتقنية "الفيروس غير النشط"، أي يحتوي على الفيروس الذي تم إنشاؤه في المعمل ثم قتله، وبالتالي فهو غير معد.
ومن المقرر أن يحصل الشخص على جرعتين من اللقاح بفاصل 21 يوما، لأن الأولى توفر حماية بنسبة 97 % فقط، والحصول على الجرعة الثانية يرفع نسبة الحماية إلى 100، %ولوحظ أن اللقاح يستغرق أربعة أسابيع من الحقن لتكوين أجسام مضادة تقاوم العدوى الفيروسية، ولمن تزيد أعمارهم على 60 عاما يتطلب الأمر نحو 7 أسابيع.
وبناء عليه، منحت كلا من مصر والبحرين والكويت وتركيا والفلبين اللقاح "موافقة طوارئ"، فيما منحته
الإمارات الموافقة النهائية كونها تعطيه لمواطنيها منذ 6 أسابيع، فقد تلقاه قرابة 100 ألف شخص
كجزء من برنامج التطعيم الوطني الطوعي، على رأسهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس
الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وعليه سيتاح للفئات الأكثر عرضة لخطر للإصابة، بعد اختباره على 31 ألف متطوع من 125 جنسية بحسب وزارة الصحة.
وكانت الصين قد أجازت تلقيح العاملين الطبيين وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر) كالدبلوماسيين
والموظفين والطالب المسافرين للخارج وعاملي البناء (بلقاح سينوفارم في يوليو، ليصبح أول لقاح يتاح
للمدنيين في العالم.

وعليه، تم إعطاء العقار لمليون صيني، بما في ذلك العديد من المديرين التنفيذيين لشركة "سينوفارم"
والشركات التابعة لها، دون تسجيل أي مضاعفات خطيرة إذ اقتصرت الأعراض الجانبية على الشعور بالألم في منطقة الحقن وإعياء وصداع بسيط وارتفاع في درجة الحرارة وجميعها كانت خفيفة بحيث التي تتطلب علاجا طبًيا، فيما ثبت أنه حفز بشكل فعال إنتاج الأجسام المضادة وكون استجابات قوية ضد الفيروس، حيث سافر 56 ألف شخص تلقوا اللقاح إلى الخارج ولم يصابوا بكورونا.
يذكر أن لقاح "سينوفارم" واحد من ثالثة لقاحات صينية في المرحلة الأخيرة من التجارب؛ إذ تطور شركة سينوفاك بالتعاون مع مركز الأبحاث البرازيلي بوتانتان، لقاح CoronaVac ،الذي يعتمد أي على تقنية "الفيروس غير النشط" الإثارة استجابة مناعية.
وأفادت النتائج الأولية لتجارب المرحلة الثالثة السريرية أن اللقاح آمنا لكنه لم ينتج عنه سوى استجابة مناعية متوسطة، مع مستويات أقل من الأجسام المضادة مقارنة بتلك الموجودة في أجسام المرضى الذين تعافوا من كورونا.
وأظهرت النتائج الأولية من الدراسات التي أجريت على القرود أن اللقاح أنتج أجساما مضادة حيدت 10 سلالات من فيروس 2-CoV-SARS .وعلى الرغم من أن التجارب لا تزال جارية، تمت الموافقة على استخدامه في حالات الطوارئ في الصين أواخر أغسطس كجزء من برنامج لتطعيم الفئات المعرضة للخطر، مثل العاملين في المجال الطبي.

كذلك تطور شركة كانسينو بيولوجيكس لقاح nCoV-Ad5 ،والذي يعتمد على تقنية الفيروس المضعف )حقن نسخة ضعيفة من الفيروس داخل الجسم لتحفيز استجابة مناعية(، وقد أظهرت النتائج األولية من تجارب المرحلة الثانية أن اللقاح ينتج استجابات مناعية كبيرة في غالبية المتلقين بعد الحصول على جرعة واحدة، فيما لم يتم تسجيل أي أعراض جانبية خطيرة. وبينما كانت الشركة ال تزال في المرحلة الثانية من التجارب، وافقت الحكومة الصينية في 25 يونيو، على إعطاء اللقاح للعسكريين فقط لمدة عام واحد. في 15 أغسطس، أعلنت الشركة أنها أطلقت مرحلة التجارب السريرية الثالثة.


لماذا حصلت مصر على سينوفارم؟


بداية يجب الإشارة إلى أن مصر لن تعتمد كلية على لقاح "سينوفارم" أو غيره لتلقيح كافة مواطنيها، إذ إن الجرعات األولوية المنتجة من كافة اللقاحات التي وصلت إلى مراحل التجارب الأخيرة وحصلت على إجازة طارئة التي غطي سكان الأرض بنسبة 100% لذلك اتجهت الشركات المنتجة للقاحات إلى تخصيص عدد محدود من الجرعات لكل دولة تطلبه، لتكون بمثابة جرعة إنقاذ عاجلة ُتعطى للفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، أما التغطية الكاملة لكافة المعمورة ستحقق تدريج يا على مدار الشهور والسنوات القادمة.
وترتيبا على ذلك، اتبعت مصر استراتيجية تنويع اللقاحات، إذ حجزت 20 %من احتياجاتها من اللقاح الذي طورته شركة "فايزر" الأمريكية بالتعاون مع شركة "بيونتيك" الألمانية، كما حجزت 30 %من احتياجاتها من لقاح جامعة أكسفورد البريطانية بالتعاون مع شركة استرازينيكا. كما تعاقدت مع الاتحاد العالمي للقاحات كورونا "كوفاكس" المنبثق عن مؤسسة "جافي" توفير 20 مليون جرعة من اللقاحات.

لكن الجرعات الأولى كانت من نصيب اللقاح الصيني، ويرجع هذا إلى أسباب، نذكر منها:
- شاركت مصر في التجارب الإكلينيكية للقاح سينوفارم بنحو 3 آلاف متطوع على رأسهم وزيرة الصحة
الدكتورة هالة زايد خلال الشهرين الماضيين، في إطار حملة "لأجل الإنسانية" بالتعاون مع الحكومة الصينية وشركة G42 الإماراتية للرعاية الصحية، وقد بينت النتائج عدم ظهور أي أعراض جانبية شديدة عليهم، سوى بعض الأعراض الطفيفة والمعتادة بالنسبة للقاحات كارتفاع درجة الحرارة.

- لعب عامل الوقت دورا مهما في منح الأسبقية للقاح سينوفارم، ففور إعلان الشركة الصينية الانتهاء من
التجارب، كان لمصر الأسبقية في الحصول على اللقاح كونها أحد المشاركين في التجارب السريرية. في حين ستصل أولى دفعات لقاح أكسفورد خلال الربع الأول من العام القادم، فيما لن تصل جرعات فايزر إلا
بعد الصيف القادم.
- العوامل اللوجيستية أيضا دورا كبيرا في سرعة توريد لقاح الصيني بمصر حيث ُيخزن في درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجة مئوية أي في الثلاجة العادية، بعكس لقاحي فايزر وموديرنا، اللذين يحتاجان إلى درجة حرارة تصل إلى سالب 70 درجة مئوية، وسالب 20 درجة مئوية، على الترتيب، وهو ما يتطلب إجراءات نقل وتخزين خاصة ومكلفة. وستكون شركة مصر للطيران مسؤولة عن توفير الثلاجات اللازمة لنقل جرعات لقاح فايزر.

- يمكن لمصر في وقت لاحق أن تشارك في عمليات تصنيع هذا اللقاح، بما يحقق الاكتفاء الذاتي منه
والتحول لمركز إقليمي للتصدير إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، بالنظر إلى القدرة الإنتاجية وجاهزية مصانع
شركة "فاكسيرا" من حيث البنية التحتية، وكفاءة العمل، والعاملين.
وفي هذا الإطار، دعت وزيرة الصحة منظمة الصحة العالمية لإجراء زيارة ميدانية للشركة للوقوف علي القدرة الإنتاجية لخطوط ومصانع الشركة، وتقييم مدى قدرة مصر علي إنتاج وتصنيع لقاح آمن وفعال لفيروس كوروناما يتناسب ومعايير منظمة الصحة العالمية من حيث الجودة والفاعلية، ومناسبة للإمكانيات التقنية والبشرية، وكذلك مراجعة معايير التصنيع تمهيدا لاعتماد منشآت "فاكسيرا"، لتصنيع وإنتاج لقاح فيروس كورونا، حال ثبوت فاعليته.

وقد أبدى الخبراء والمتخصصون في المنظمة ارتياحهم للأمان الموجود في بيئة عمل "فاكسيرا"، من حيث وجود الكفاءات والكوادر والأطقم الفنية والتقنية المدربة، والإمكانيات التكنولوجية المجهزة للبدء في إنتاج وتصنيع لقاح فيروس كورونا، وكذلك مراجعة القوانين والتشريعات ضمن هيئة الدواء المصرية
للوقوف على أمان وسالمة وفعالية اللقاح في ظل الظروف التقنية والتكنولوجية.


يعتمد اللقاح الصيني على تقنية "الفيروس غير النشط" وهي تقنية مجربة في عدد من اللقاحات وأبرزها
لقاح شلل الأطفال والأنفلونزا وداء الكلب والحصبة وغيرهم، وهي بالمناسبة نفس تقنية لقاح أكسفورد.
على عكس لقاحي فايزر وموديرنا اللذان اعتمدا تقنية mRNA للمرة الأولى عالميا، وبالطبع غير معروف نتائجها بشكل كافي.

يهمك أيضًا | أولى الفئات المستهدفة في مصر لتلقى لقاح فيروس كورونا الصيني



كل اللقاحات سواء الخاص بسينوفارم أو فايزر أو موديرنا أو استرازينيكا جميعها حققت نسب نجاح تتجاوز الـ 85 %و90 %وهي نسبة جيدا جدا بالنظر إلى المدة التي خرجت خلالها، والتي تصل في أطولها إلى عشرة أشهر فقط، وهو وقت قياسي مقارنة بـ 4 سنوات هي أقصر فترة سجلها التاريخ لإنتاج لقاح النكاف، كذلك فإن جميعها حصلت على "موافقة طوارئ"، في محاولة لوضع حد النتشار الجائحة التي خلفت خسائر بشرية واقتصادية هائلة، ولم تحصل أي منها على موافقة نهائية، ومن المتوقع أن تتأخر بعض الوقت قد يصل لسنوات.