رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة المستشار محمد خفاجي عن التوازن بين الأمن القومي وحماية حقوق الإنسان (2-2)

جريدة الدستور

أعد المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة بعنوان: " انتهاج مصر لاستراتيجية التوازن بين ضرورات تحقيق الأمن القومي من الخطر الإرهابي ومقتضيات حماية حقوق الإنسان. " ونعرض لأهم ما ورد في الجزء الثاني والأخير لهذه الدراسة في يلى:

- لغة الأرقام تتحدث بقوة الوضوح والشفافية بإبراز الحقائق وتجسيد الوقائع دون تزيين أو تأطير.. مصر حققت نقطة التوزان في الدستور والتشريع بين مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله وبين حماية حقوق الإنسان:

يقول الدكتور محمد خفاجي أن لغة الأرقام تتحدث بقوة الوضوح والشفافية بإبراز الحقائق وتجسيد الوقائع المتعلقة بحماية حقوق الإنسان في مصر دون تزيين أو تأطير، فنهج مصر في التوازن بين مكافحة الإرهاب والتمكين لحقوق الإنسان لم يأت من فراغ لأن الدستور المصري ذاته عمل على صياغة التوازن بين مكافحة الإرهاب والتمكين لحقوق الإنسان من خلال ثلاثة محاور دستورية، فبمقتضى المادة 5 من الدستور يقوم النظام السياسي على احترام حقوق الإٍنسان وحرياته وبمقتضى المادة 93 من الدستور تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة، وبمقتضى المادة 237 من الدستور تلتزم الدولة بمواجهة الارهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمني محدد، باعتباره تهديدًا للوطن وللمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه.

ويضيف أن مصر حققت نقطة التوزان على صعيد التشريع بين مكافحة الإرهاب ومصادر تمويله وبين حماية حقوق الإنسان فمن ناحية أولى مكافحة الإرهاب وغسل الأموال أصدرت مصر القانون رقم 15 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، والقانونين رقمي 2 و14 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، والقانون رقم 17 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال.

ومن ناحية ثانية بالتمكين من حقوق الإنسان من النواحي السياسية أصدرت مصر القانون رقم 45 لسنة 2014 بشأن تنظيم ممارسة الحقوق السياسية وتعديلاته بالقانون رقم 140 لسنة 2020، وعن حقوق الإنسان في الحق في الصحة أصدرت القانون رقم 1 لسنة 2017 بشأن الهيئة القومية لسلامة الغذاء، ثم القانون رقم 2 لسنة 2018 بنظام التأمين الصحي الشامل، حتى المريض نفسيا استحق الرعاية الصحية بالقانون رقم 210 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسي والقانون رقم 170 لسنة 2020 بشأن المساهمة التكافلية لمواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار الأوبئة أو حدوث الكوارث الطبيعية، وفى الحق في البيئة الصحية باستخدام الزراعة العضوية أصدرت القانون رقم 12 لسنة 2020 في شأن الزراعة العضوية، وفى مجال حقوق الإنسان في الحق في التعليم أصدرت مصر القانون رقم 16 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 139 لسنة 1981 بشأن التعليم، كما أصدرت القانون رقم 213 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 227 لسنة 1989 بإنشاء صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية.

وفى مجال حق تولى الوظائف العامة على أساس الجدارة والفرص المتكافئة أصدرت القانون رقم 81 لسنة 2016 بشأن الخدمة المدنية، وفى مجال عمل الجمعيات الأهلية أصدرت مصر القانون رقم 149 لسنة 2019 بتنظيم ممارسة العمل الأهلي، وفي مجال الحق النقابي أصدرت القانون رقم 213 لسنة 2017 بشأن المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي وتعديله بالقانون رقم 142 لسنة 2019، وفى مجال حق الإنسان في ممارسة الرياضة ورعاية الشباب أصدرت القانون رقم 71 لسنة 2017 بشأن قانون الرياضة، ثم أصدرت القانون رقم 218 لسنة 2017 بتنظيم الهيئات الشبابية ثم تعديله بالقانون رقم 7 لسنة 2020، وفى مجال حقوق الملكية الفكرية أصدرت القانون رقم 178 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية.

وفى مجال الحقوق الثقافية والحضارية أصدرت القانون رقم 9 لسنة 2020 بشأن إعادة تنظيم هيئة المتحف المصري الكبير والقانون رقم 10 لسنة 2020 بتنظيم هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، حتى أعمال البر أصدرت مصر القانون رقم 183 لسنة 2020 بتعديل أحكام القانون رقم 123 لسنة 2014 بشان بيت الزكاة والصدقات وتعد أعمال البر من حقوق الإنسان التي ابتدعتها مصر انبثاقا من أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.

- المنظمات الحقوقية المشبوهة المتربصة بمصر توهم المجتمع الدولي بخلط متعمد بالباطل عن الجيل الأول لحقوق الإنسان.. وتتغافل الجيلين الثاني والثالث منه:

ويشير الدكتور خفاجي إلى أن بعض المنظمات الحقوقية المشبوهة المتربصة بمصر توهم المجتمع الدولي بخلط متعمد في التحدث بالباطل عن الجيل الأول لحقوق الإنسان وتتغافل الجيلين الثاني والثالث للحقوق، فهناك ثلاثة أجيال لحقوق الإنسان، والتقسيم الثلاثي لحقوق الإنسان إلى أجيال ثلاث أساسه يرجع إلى تاريخ اهتمام المجتمع الدولي بكل جيل، فقد تمثل الجيل الأول في بداية الأمر في الحقوق المدنية والسياسية ثم الجيل الثاني يتمثل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ثم الجيل الثالث لحقوق الإنسان هو حقوق التضامن، فحقوق الجيل الأول المسماة بالحقوق المدنية والسياسية تقوم على فلسفة الحق الفردي تتضمن الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان كالحق في الحياة، والحق في المساواة، والحق في الأمن والحق في المشاركة السياسية في الانتخابات، والحق في تقلد الوظائف العامة، كما تشمل الحريات العامة كحرية التعبير.

أما الجيلين الأخرين مما تتغافل عنهما المنظمات المشبوهة التي تشهر بمصر عن عمد هما الجيل الثاني لحقوق الإنسان ويتمثل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفلسفة الجيل الثاني لحقوق الإنسان تختلف عن فلسفة الجيل الأول حيث تقوم فلسفة الجيل الأول على فكرة الحق الفردي، تقوم فلسفة الجيل الثاني على فكرة التشارك الاجتماعي حيث تأخذ في اعتبارها الطبقات الاجتماعية الكادحة في المجتمع بضرورة توفير الحد الأدنى المعيشي لتلك الطبقات، فضلا عن حقوق الرجال والنساء والأطفال، وتطبيق حقوق الجيل الثاني لحقوق الإنسان تكون تدريجية بحسب القدرة الاقتصادية لكل دولة على حده، فقد نصت المادة الثانية من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن "تتعهد كل دولة طرف بان تتخذ وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في العهد".

أما الجيل الثالث لحقوق الإنسان فتتمثل في حقوق التضامن، وهى تقوم على فلسفة الحق الجماعي وليس الفردي كالجيل الأول وليس التشاركي كالجيل الثاني، ويشتكل الجيل الثالث لحقوق الإنسان المسماة بحقوق التضامن بالحق في التنمية، ومن مقتضياته التنمية التحتية وإنشاء الطرق والكباري وتوسيعها والمصانع، والحق في البيئة النظيفة الصالحة للحياة، وهو من حقوق الإنسان منذ مؤتمر ستكهولم عام 1972 تحت شعار " نحن لا نملك سوى كرة أرضية واحدة " والحق في التراث الثقافي المملوك للشعوب، وتنظيم الحق في حُسن استغلال مواردها الطبيعية المملوكة للشعوب وعدم استنزافها لتعلق حقوق الاجيال القادمة فيها.

ولا ريب أن الجيلين الثاني والثالث من حقوق الإنسان الذى تتسارع فيه مصر بتحقيقها مع الجيل الأول هو أمر تتعمد المنظمات المشبوهة المتربصة بمصر اغفاله وتقوم بالتدليس على المجتمع الدولي بشأنها جميعا

وأخيرا أشير إلى أن أخر مادة ( المادة 30) في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 لم أجد أحدا تحدث عنها وهى أخطر مادة تمثل الإرهاصات الأولى لمعوقات الدول أو الجماعة في هدم أو عدوان على حقوق الإنسان والذى اتخذ فيما بعد 72 سنة من صدور هذا الإعلان شكل إرهاب الدولة وإرهاب الجماعة في الوقت المعاصر إذ تنص على أنه: " ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه"