رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السينما تتحدى كورونا بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى


ستظل القاهرة تسطع للعالم مهما كانت الظروف ومهما حدث من صعوبات محلية أو عالمية، وليست هناك مشكلة عالمية يواجهها البشر والعالم كله مثل جائحة «كورونا»، فى هجمة شرسة بمرض فتاك يجتاح أنحاء العالم كله ويصيب الناس من جميع الأعمار بالرعب والخوف من الإصابة به، وبالفعل أصاب وفتك بالملايين، ولا يزال.
إلا أننا فى مصر قررت الحكومة أن تعلن التحدى للجائحة واحتفلت بفن السينما، وهكذا أضاءت القاهرة أنوارها أمام العالم بإقامة مهرجانها الدولى للسينما فى دورته الـ٤٢ معلنة التحدى لفيروس كورونا، ولكن مع التشدد فى مواجهته وذلك باتخاذ كل الإجراءات الاحترازية المطلوبة والضرورية للوقاية والحماية فى مواجهة هذا الفيروس الفتاك والقاتل.
ولأن للقاهرة، عاصمة أم الدنيا، سحرًا خاصًا يجعل الحضور إليها حلمًا يراود مشاهير العالم، كما أكد لنا ذلك كثيرون منهم، وكان أحدثهم فنان عالمى شهير هو السيناريست الإنجليزى كريستوفر هامبتون، حيث صرح منذ أيام بأن مجيئه إلى مصر هو حلم ظل يراوده منذ سنوات، وذلك أثناء تكريمه بجائزة الهرم الذهبى التقديرية لإنجاز العمر التى قدمها له أثناء حفل الافتتاح محمد حفظى، رئيس المهرجان.
ولأن لمصر تاريخًا عريقًا يبهر العالم، وحاضرًا نزهو به الآن، حيث أصبحت لمصر مكانة عالية فى وسط العالم المتحضر نفتخر بها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فقد كانت خطوة ناجحة أن يُقام المهرجان هذا العام، وقد سعدت شخصيًا بقرار إقامة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وعدم إلغائه لأنه يعكس استقرارًا نعيشه وقدرة تنظيمية نمتلكها ودعوة تفتح الباب لزيارة بلدنا.
هو فى رأيى قرار جرىء، وفى نفس الوقت حكيم، ألا وهو إقامة الدورة الـ٤٢ لمهرجان القاهرة الذى تقيمه بمصر هنا الحكومة المصرية ووزارة الثقافة المصرية، إنه فى تقديرى قرار جرىء لأن العالم كله يعانى من جائحة، وقد عُطّلت كثير من الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات المحلية والدولية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفنية أو الثقافية، وذلك خوفًا من انتشار الجائحة والإصابة بها.
إنه قرار جرىء، ولأن إقامة المهرجان فى هذه الظروف الصعبة التى يعانى منها العالم يتطلب اتخاذ إجراءات احترازية صارمة فيجب الحرص على التباعد الاجتماعى والتطهير وارتداء الكمامات، وأيضًا اختيار مواقع ذات مساحات كبيرة أو مساحات موجودة مع تخفيض الأعداد التى سترتادها.
بالإضافة طبعًا إلى أن مهنة السينما تعانى معاناة شديدة وتأثرت بشكل كبير، كما يعانى العاملون بها من أثر هذه الجائحة، كما تأثرت صناعة السينما والمبدعون والعاملون بها بشكل كبير، حيث أغلق كثير من دول العالم دور العرض السينمائى بها منذ ظهور الجائحة الفتاكة.
كما تأثر دخول العاملين واضمحلت الصناعة بشكل يهدد بتوقفها مع انتشار الجائحة ثم عودتها مرة أخرى، إلا أن قرار إقامة المهرجان فى القاهرة وعدم إلغائه كان أيضًا ومن ناحية أخرى، قرارًا حكيمًا من وجهه نظرى، حيث اتُّخذت بالفعل احتياطات احترازية شديدة بالتعاون والإشراف من مسئولى وزارة الصحة.
كما تغير تمامًا شكل ونظام فعاليات المهرجان، حيث تم بناء مسرح كبير فى الهواء الطلق بدار الأوبرا المصرية فى ساحتها الكبيرة، وتم تنظيم المهرجان بشكل يمنع ويحمى الحاضرين من انتشار الفيروس، إذ كان ارتداء الكمامات إجباريًا، فأنا مثلًا ارتديت الكمامة، ولم أخلعها إلا لأخذ بعض الصور التذكارية فى الافتتاح، وعلى السجادة الحمراء أثناء اللقطة التذكارية فقط، وبالطبع كان البعض يرتدى الكمامة والبعض الآخر لا يرتديها.
وهذا أمر يعود لضمير وسلوك الشخص ذاته، لأن خلعها يعنى تجاهل النظام الصحى السليم للنفس وللغير وللمصلحة العامة التى تقتضى احترام نظام المهرجان الذى أُقيم وسط هذه الظروف العالمية الاستثنائية الصعبة، وقد يؤدى إهمال الإجراءات الاحترازية إلى إصابة أحد الحاضرين بالفيروس.. لكنها أيضًا سلوك شخصى لأن الصواب والمطلوب الذى قررته وزارة الثقافة ودار الأوبرا المصرية وإدارة المهرجان هو مطالبة الحاضرين بارتداء الكمامة ومراعاة التباعد والقيام بالتطهير اللازم للأيدى بالمواد المطهرة الموجودة بموقع المهرجان.
كما حرصت أيضًا إدارة المهرجان على إحضار مقاعد وثيرة متباعدة فى المسرح الجديد المفتوح. إلا أن البعض لم يراع الإجراءات الاحترازية وهذا سلوك خاطئ لاحظناه أثناء الافتتاح.. ومن ملاحظاتى أيضًا على المهرجان حرص وزراء ومسئولين وعدد كبير من أهل الفن والإبداع على الحضور لدعم المهرجان فى ظل الظروف الصعبة التى يقام بها هذا العام، حيث افتتحت المهرجان الذى تقيمه وزارة الثقافة المصرية د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، وبحضور د. خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، وذلك لتعاون الوزارتين فى إقامة المهرجان وأيضًا حضر د. أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، ود. مجدى صابر، رئيس دار الأوبرا المصرية.. ولم يمنع فيروس كورونا أيضًا كثيرًا من النجوم والفنانين والنقاد والمبدعين ووكالات الأنباء والإعلام من الحضور لدعم المهرجان الذى يحمل اسم القاهرة. فكان لافتًا للنظر حرص عدد كبير من المبدعين والفنانين على الحضور لدعمه هذا العام. وكان لافتًا خلال حفل الافتتاح أن استطاع محمد حفظى، رئيس المهرجان، أن يقدم ٣ كلمات مهمة مثلت إضافة متميزة للمهرجان شاهدناها على شاشة السينما على المسرح، حيث أرسل كلمة ترحيب ودعم للمهرجان ٣ شخصيات مهمة، هم رئيس مهرجان «كان» السينمائى الدولى ورئيس مهرجان «برلين» الدولى ورئيس مهرجان «فينسيا» الدولى.. كما يُحسب للمهرجان حضور السيناريست السير كرستوفر هامبتون وتكريمه الذى ألقى كلمه أكد فيها أهمية المهرجان وحضوره إليه.
كما كان من اللحظات المؤثرة تكريم السيناريست الكبير وحيد حامد الذى يعد من إيجابيات المهرجان، حيث حصل على جائزة الهرم الذهبى التقديرية لإنجاز العمر، حيث ألقى كلمة مؤثرة من أعماق مشاعره وتجربته الثرية التى قدم فيها بعضًا من أبرز الأفلام الكاشفة لأحوال الواقع المصرى. تحدث وحيد حامد عن أهمية السينما وعن قمم فنية عاصرها وعرفها أثناء مسيرته الثرية وفنانين كبار تعلم منهم وعمل معهم وذرف دموعًا جعلت البعض يبكى تأثرًا وتقديرًا لمسيرته الفريدة.. كما تم منح الفنانة منى زكى جائزة فاتن حمامة التى تحدثت بتلقائية وببساطة فكانت موفقة وقدمتها صديقتها الفنانة منة شلبى.
ومن ملاحظاتى أيضًا أن المهرجان نسى تكريم فنان كبير رحل مؤخرًا رغم أثره ومشواره الكبير والمتميز فى السينما وهو الفنان الراحل محمود يس.. الذى آمل أن يتذكره المهرجان وأن يتم استدراك هذا السهو فى حفل الختام. كما كانت كلمة محمد حفظى كلمة موجزة للغاية وأتمنى أن يستدرك ذلك فى السنوات المقبلة بالتحدث بإيجاز عن أهم فعاليات المهرجان.. ومن ملاحظاتى أيضًا أن أشرف عبدالباقى لم يكن موفقًا فى ظهوره، إذ كان ينبغى أن يعد كلمة لائقة حينما يظهر لتحية الجمهور فى البداية لأنه ارتجل كثيرًا على مسرح حفل الافتتاح ما أدى إلى ارتباك واضح فى فقرته..
ومن اللافت للنظر ومن إيجابيات المهرجان أيضًا تقديم فيلم جديد فى حفل الافتتاح يعرض لأول مرة فى إفريقيا والدول العربية، وهو فيلم «الأب» لفنان عالمى كبير هو أنتونى هوبكنز.. الحائز على أهم الجوائز العالمية فى التمثيل فى العالم مثل الأوسكار وإيمى والبافتا.. وتشاركه البطولة فنانة حاصلة على الأوسكار أيضًا هى أوليفيا كولمان التى تؤدى دور ابنة أنتونى هوبكنز فى الفيلم، والذى يخرجه فلوريان زيلر، وهو من إنتاج المملكة المتحدة وفرنسا وكتب له السيناريو كريستوفر هامبتون.. ويعتبر المتابعون للسينما أن فيلم «الأب» هو فى صدارة الأفلام التى ستنافس على جوائز الأوسكار المقبلة.. من ملاحظاتى على المهرجان أيضًا أنه ستعرض خلاله مجموعة من أحدث الأفلام التى فاز معظمها بجوائز فى المهرجانات الكبرى الدولية.. ومن الإضافات الجديدة التى تحسب للمهرجان أنه استحدث هذا العام ٣ جوائز نقدية جديدة تقدم لأول مرة فى الدورة الحالية، وهى جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير بمسابقة سينما الغد.. والجائزة الثانية هى لأفضل فيلم يعالج قضايا الاتجار بالبشر، أما الجائزة الثالثة فهى تمنح لأفضل فيلم يمثل المرأة.. بالإضافة لجائزة تصويت الجمهور ويواصل المهرجان تقديم جائزة أفضل فيلم عربى، بالإضافة إلى جوائزه المعروفة السنوية.. كما أُضيف هذا العام الاحتفال بمئوية ميلاد المخرج فيديريكو فيللينى وهو واحد من أهم مخرجى السينما العالمية المجددين فيها.
وهكذا أضاء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى سماء القاهرة وانتصر للفن فى مقابل الصمت والخوف والدمار والمرض والجائحة، واستطاع أن يمتع عشاق السينما بها على مدار أيامه ولياليه وندواته وفعالياته، واستطاع أن يؤكد للعالم أنه يقف صامدًا ومتألقًا باعتباره واحدًا من ١٥ مهرجانًا تم تصنيفها من فئة «أ» من قِبل الاتحاد الدولى لجمعيات منتجى الأفلام.. وعمار يا مصر منورة بأهلها وبفنونها وبقوتها الناعمة.