رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يهرولون إلى الزواج ثم يشتهون الطلاق أو يبقون تعساء؟


الحديث عن الأسرة المصرية حديث ذو شجون يلمس حاضرنا ومستقبلنا.. وهو حديث طال الاشتياق إليه، فأشياؤنا الجميلة فى وضح النهار، وأمام أعيننا، تنهار.. ومصر، التى نغرقها فى أناشيد التعظيم والتقديس، ترقد على ضفاف النيل، وبنا تستغيث، لكنها ككل العظماء تستغيث فى استحياء، تعرف عبث الصراخ فى حضارة الضوضاء، تترفع عن مد يدها طلبًا للمعونة.. يا للعجب كيف اليد التى أعطت تستحى ممنْ يأخذ؟.. تكتفى بإرسال إشارات، واللبيب بالإشارة يفهم، لكن الفهم لا يحدث، شئنا أم أبينا، إلا بالسؤال عن أصل الأشياء.
ما يحدث داخل بيوتنا المغلقة، والمسماة الخلية الأولى للمجتمع، لن نفهمه دون أن نفهم كيف تتكون هذه الخلية الأولى، تلك الخلية.. ولماذا تتكون؟.. لماذا إلى الزواج تهرول النساء والرجال، وبعد فترة قصيرة يهرولون إلى الطلاق؟ وقد لا يهرولون إلى الطلاق، ويتحملون حياة لا ترضيهم حتى الممات.. بمعنى آخر، نحن نتساءل عن الدوافع التى تدفع المرأة لأن تتزوج، وتكوّن أسرة؟ وإلى أى مدى يتدخل المجتمع ليشكل تلك الدوافع؟ وهل هناك دوافع معلنة، وأخرى غير معلنة؟ وكيف تسير العلاقة بين المعلن وغير المعلن؟ وبعد فترة من الزواج، هل تتغير الدوافع؟ وحين تتغير، ألا يحق لنا أن نتوقع تغيرًا ما فى بنية الأسرة، والعلاقات القائمة بين أطرافها؟ وأليست معدلات الطلاق المرتفعة، التى هى فى ازدياد، تشير إلى أن هناك «خللًا» ما يتكرر عند الزواج ؟ بمعنى أن «دوافع» الزواج عند الجنسين، الرجال والنساء، دوافع «مريضة»، لا بد أن تؤدى، عاجلًا أو آجلًا، إلى الانفصال؟
أولًا: الرجال لماذا يتزوجون؟
هذا رجل يعتذر عن فوضى بيته، وعدم نظافته، وضياع جواربه، وضياع أزرار قمصانه، وعدم وجود أكل يطعمه ويشبعه، بقوله: «معلش أصل أنا عازب، وإنتو بقى عارفين حياة العزاب».. وهذه نصيحة أب متكررة لابنه العازب: «يا بنى أمك مش قادرة على خدمتنا زى الأول، بقت تعبانة وعيانة، الحمل تقيل عليها، كمل نص دينك، عشان ترحم أمك، وعشان نستريح كلنا، وإنت أولنا».
رجل آخر محظوظ، عنده فلوس وأملاك، ويتحسر لأنه وحيد، يتزوج ليضمن ذهاب الإرث لابن يحمل اسمه، يكون من دمه ولحمه وصلبه.. رجل آخر عنده بُعد نظر، يفكر ماذا يفعل حين يتقدم به العمر، ويمرض؟ مَنْ سيرعاه فى عجزه، وعوزه، وضعف جسده؟ ومَنْ سيؤنسه بعد رحيل الأهل وأصدقاء العمر، فيتزوج ويضمن الرعاية والونس والطمأنينة والصحبة الآمنة.
أما الرجل الطموح فيتزوج ليتحرر من أعباء المنزل، أو الأعمال التحتية النسائية، ليتفرغ هو للبنية الفوقية الرجالية، يبدع ويكتب ويشتهر.
رجال آخرون يتزوجون مدفوعين فقط بالتقليد، فالحياة من حولهم كلها «حياة زوجية»، و«إنجاب»، ولا يستطيعون مواجهة المجتمع إلا بالنمط المعتمد السائد المرغوب فيه.. وهناك رجال يتزوجون فقط لإرضاء النصف الأسفل من الجسد، والبقاء فى دوران التفريغ الجنسى الموروث.. ويتزوج آخرون لمجرد أنهم لا يجدون شيئًَا آخر أهم ليفعلوه.. وآخرون يتزوجون لقتل ملل الحياة، وهروبًا من «الوحدة» التى تتمتع بسمعة رديئة فى مجتمعاتنا. وهناك بالطبع رجال يتزوجون وهم يرددون أنهم يقومون بمهمة مقدسة، ليس لأحد الهروب منها، ألا وهى حفظ النوع من الانقراض، وتعمير الكون.
آخرون يتزوجون هروبًا من حب قديم، أو انتقامًا من حبيبة هجرتهم، أو تخلصًا من التسلط فى بيت الأهل.. وهناك رجال يأخذون من الزواج وسيلة للعلاج النفسى، فهم ينفّسون عن رغبات حب السيطرة، والسادية المترسبة منذ الطفولة.
ثانيًا: النساء لماذا يتزوجن؟
هناك تداخل بين دوافع الرجل للزواج ودوافع المرأة للزواج، لكن المرأة تنفرد بخصوصية أن تجد مَنْ يُطعمها ويُشربها ويُلبسها ويُسكنها ويُسترها.. باختصار، الإنفاق والحماية بنسب متفاوتة وفقًا لكل امرأة.
فى كل الأحوال، أو أغلبها، يحدث الزواج بين الرجل الذى يمثل «الفلوس»، والمرأة التى تمثل «الطاعة».
وبعد فترة من الزواج تظهر التناقضات، وتظهر أيضًا التعاسات والإحباطات والاضطرابات النفسية الناتجة عن الدوافع غير الصحية للزواج.
حرية وسعادة واستقامة الأسرة لا تتم بمعزل عن حرية وسعادة واستقامة العناصر المكونة لها، أى الرجل والمرأة.. ولا حرية ولا سعادة ولا استقامة دون التطهر والتحرر من الدوافع المريضة للزواج والإنجاب وتكوين أسرة.. وبعد تغيير النظرة لكل من المرأة والرجل، يصبح الحب الإنسانى الحقيقى هو الدافع، الأول والأخير، الأصيل، الحقيقى، الصحى، للزواج وتكوين أسرة.
نسمع من الرجل قبل الزواج أنه «يكوّن» نفسه بالفلوس، لكننا نريد أن «يكوّن» الرجل نفسه، و«تكوّن» المرأة نفسها، إنسانيًا ونفسيًا وأيضًا ماديًا.
نريد أن يبحث الرجل فى الزواج عن كامل كيانه وليس عن جواربه، وأن تبحث المرأة فيه عن تكامل كيانها لا عن وجبة، وغطاء للستر.. قبل الزواج، لا بد أن يكون الرجل عائلًا لنفسه، وحرًا وسعيدًا بحياته كما هى.. قبل الزواج، لا بد أن تكون المرأة عائلة لنفسها وحرة وسعيدة بحياتها كما هى.. ثم يحدث اللقاء بالزواج.. لا يوجد أجمل من التقاء رجل وامرأة، بهذا التكوين.