رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة التعليم المقدسة




نقول فى تعريفنا للتعليم إنه كالماء والهواء، وفى حقيقة الأمر إنه أبعد عن الماء والهواء باستثناء الأغنياء القادرين على إرسال أولادهم إلى مدارس عالية التكاليف، ومع ذلك فالاتجاه يميل إلى الدرس الخاص الذى فيه ينتقل المدرس إلى الدارس ثم تطور الحال إلى مركز تعليمى أشبه بمدرسة من نوع جديد، حيث يزدحم الطلاب ويحاضر المعلم لعدد كبير من الطلاب حتى توارى دور الفصل الدراسى، لأن الدرس يلقيه المدرس بأسلوب آخر، ولأن التنافس هو على كيفية الوصول إلى باب الجامعة، حيث الكلية التى يسعى إليها الآباء قبل الأبناء حتى قيل «التعليم أصبح حكرًا على الأغنياء وليس الأذكياء».
أما دور المدرسة فقد تراجع ليصبح بوابة عقد الصفقات للعمل خارج فصولها لمراكز الشرح والتفصيل.
أما الأمثال التى كانت تمتدح المعلم فقد توارت، ليحل المركز مكان المدرسة وتوارت المبادئ وانتفت الأهداف التربوية وانقلب الوضع، ليصبح الطالب هو صاحب العمل والمعلم فى خدمة المركز الذى يوصف بالتعليمى أو التلقينى، كما اختفت مقولة «من علمنى حرفًا صرت له عبدًا»، ولم نعد نسمع:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولًا.
وإذا قلنا إن الدرس الخاص أصبح القاعدة والفصل هو الاستثناء حتى يمكن الاستغناء عنه طالما أن السنتر موجود والآباء قادرون على سداد المطلوب ولو على حساب احتياجات ضرورية أخرى.
أما مشكلة استخدام العصا لضرب الأطفال فهى ظاهرة تبدو شرق أوسطية وليست خاصة بمصر وحدها فقانون العقوبات اللبنانى فى المادة مائة وستة وثمانين منه لا يعتبر الضرب التأديبى الذى ينزله المعلم أو الآباء بأولادهم أو تلاميذهم جريمة. ولا يختلف قانون العراق عن هذا السياق حتى إن مدرسة حبست طفلًا بالصف الأول الابتدائى حتى منتصف الليل ومات الطفل ووقعت حالات هجوم بين الطرفين المعلمة وذويها والطفل وذويه، وسقط ثلاثة قتلى بين الأسرتين، وكان ذلك فى عام ٢٠١٢.
أما فى اليمن فالمعلم يرغم التلاميذ على الوقوف على أرجلهم وأيديهم حتى يضربهم المعلم على ظهورهم، وهكذا الحال فى غالب الدول العربية، وماذا عن مصرنا الغالية فقد وصل بعض حالات الضرب المؤذى إلى ساحة القضاء، ففى عام ٢٠١٠ رأينا حالة جلد طفل لأنه تأخر على طابور الصباح، ثم وضع المدرس حذاءه على رأس الطفل وهو يصيح «المدرسة محتاجة رجالة».
وفى ديسمبر من ذات العام، شهدت محافظة الدقهلية حادثة مرعبة للمعلم وهو يضرب تلاميذ الفصل كله، لأنهم أحدثوا ضجيجًا والمعلم خارج الفصل، ولم يسلم من الجلد تلميذ مصاب فى يده، وبضرب المعلم له قطعت شرايينه وصدرت بعد ذلك فتوى دار الإفتاء المصرية، تقول الفتوى «إن الضرب المبرح للتلاميذ فى المدرسة، والذى قد يؤدى إلى ضرر جسدى أو نفسى محرم بلا خلاف وفاعله آثم شرعًا».
وخلاصة القول إن الضرب فى المدارس العربية إلى اليوم ظاهرة تفشت وتأصلت فى البيت العربى إذ لا تربية فى المفهوم العام دون ضرب إلا من رحم ربى، ولماذا ندين المعلمين والآباء فى الغالب الأعم لا سيما وهم فى الريف يوصون المعلمين بكسر العظام، والمثل «اكسر ضلعه والباقى يكفى».
والسؤال لماذا الضرب شبه منتشر فى المنطقة العربية، سواء فى المدرسة أو فى البيت أو فى تدريب الصبية لدى بعض أصحاب الأعمال، حتى نسمع لغة الضرب بين الأزواج، وفى الغالب هو من نصيب المرأة كطرف أضعف، وإن كنّا لا نستبعد أن بعض النساء القويات يضربن أزواجهن. أما المقولة الخاطئة تمامًا فهى لا تعليم دون ضرب، وكذلك التربية، كما أن هناك استخدامًا خاطئًا لبعض المواقع الدينية.
قول الحكيم سليمان «أدِّب ابنك فيريحك وقوله العصا والتوبيخ يعطيان حكمة ومن يمنع عصاه يمقت ابنه»، وهذه تأتى فى مراحل والهدف هو الالتزام بآداب السلوك لا عن كراهية، ولكن عن محبة بهدف الالتزام بالأدب والبعد عن المعصية بمعناها الواسع كقول الحكيم «أدِّب ابنك لأن فيه رجاء».
أما ضمان الحماية وآداب السلوك والتعلم فتحتاج إلى تركيبة علاجية فيها الحب والرعاية والاهتمام والعطاء والتوجيه لا بالكلام، ولكن بالعمل والقدوة الحسنة، فليس من المقبول ولا المعقول أن ننهى أولادنا عن عمل أو سلوك وهم يَرَوْن الآباء يفعلون ذات السلوك، وكما يقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتى مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ختامًا.. فالتعليم يهدف إلى سمو المشاعر وحسن اختيار اللفظ، والترفع عن الكره والحقد وبذل الجهد فى البناء لا الهدم، فى العطاء قبل الأخذ، كل هذا طريقة التعليم والخلق القويم.