رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مذكرات شمس بدران»: عبدالناصر دخل الحرب وهو غير مستعد

بدران وعبدالناصر
بدران وعبدالناصر

حكى شمس بدران، وزير حربية جمال عبد الناصر، الكثير من الأمور الشائكة، وذلك في مذكراته التي صدرت عن دار النخبة تحت عنوان "مذكرات شمس بدران" للكاتب الصحفي حمدي الحسيني.

يقول بدران: "كان المشير عامر مسالمًا قانعًا بملف القوات المسلحة، ويتمتع بشعبية جارفة في مختلف المواقع، بسبب بساطته وإنسانيته الطاغية في إدارة هذا الملف الشائك، لكن الرئيس عبدالناصر بدأ يشعر بأنه معزول عن جيشه، لا يعلم ما يجري في صفوفه سوى ما يخطره به المشير".

ويضيف: "ذلك الإحساس بدأ يتعمق تدريجيا، ثم حاول استقطاب واستدعاء بعض القادة إلى مكتبه، بعضهم بحضور ومعرفة المشير وبعضهم من دون علمه، كما بدأ يكلف بعض العاملين في مكتبه بتكوين ما يشبه الخلايا الاستخباراتية لكسر حالة العزلة والاطلاع على ما يجري في القوات المسلحة، والدخول في تفاصيل الترقيات والتعيينات وغيرها من القضايا اليومية المعقدة، في تلك الأثناء أيضا، كانت مشكلة قواتنا في اليمن تتأزم أكثر فأكثر، وبعد أن وصلت الخسائر البشرية والعسكرية إلى حدود لم تكن متوقعة، وتناثر الحديث حول الرشاوى والهدايا والمحسوبية لقادة وضباط مقربين من المشير".

ويكمل: "ومن هنا بدأت الفجوة تتسع بين الصديقين عامر وناصر يوما بعد يوم، حتى قرر عبدالناصر إبعاد المشير تماما عن القوات المسلحة، لكي يتمكن من السيطرة الكاملة على كل مناحي الحياة، ويبني دولة عبدالناصر التي كان يتخيلها، ومن فرط طيبة المشير وثقته الزائدة في صديق عمره وفي نفسه، لم يبال بمثل تلك التحركات أو التحولات في العلاقة الأزلية التي تربطهما، وقد جرى نقاش واسع بينهما حول تلك النقطة، فكان رد المشير أنه يرغب في التقاعد والعودة إلى حياته الأولى في قريته في المنيا، ثم سافر غاضبا إلى مرسى مطروح، ثم تعود مرة أخرى العلاقة بعد أن يرسل له عبدالناصر من يقنعه بالعودة والتعاون معه من جديد، وهكذا تكررت هذه الأحداث كثيرا، حتى وصلنا إلى مرحلة الاستعداد للدخول في حرب العام 1967 فكانت الثقة ضعيفة ومعنويات كل منهما متدنية للغاية".

ويستطرد: "هذه الأمور كنت ألمسها بقوة، لأنني كنت محل ثقة الاثنين، وحاولت كثيرا التقريب بينهما، لكن العلاقة التي كانت تربطهما كانت أقوى من أن يؤثر فيها الآخرون، مهما كانت درجة قربه منهما، إذن كنا مقبلين على حرب كبيرة وظروف خطيرة، وهناك فتور بين رباني السفينة، لكن كل هذا لا يظهر على السطح، ويحاول كل طرف إظهار عكس ما يدور في داخله، المهم أنا كوزير للحربية ركزت على ضرورة توفير الميزانية المطلوبة لبناء دشم للطائرات، لأنها كانت شكوى عامة من جميع قادة الطيران، مفادها أن ترك الطائرات مكشوفة في العراء على أرض المطارات بهذه الطريقة سوف يعرضها للتدمير، وتصبح هدفًا سهلا لقصف طائرات العدو في أي لحظة".

ويتابع: "لكن للأسف الحكومة لم تستجب لطلباتنا، وظلت ميزانية عام 1966 هي نفسها ميزانية عام 1967، وجاء بند الإنشاءات في الترتيب الرابع في الميزانية، فتم حذف هذا البند بمعرفة الفريق محمد فوزي باعتباره رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وبحكم التنظيم هو الذي يستمع إلى قادة الجيوش، ورصد مطالبهم، ويبلغها بدوره إلى الوزارة ومن ثم الحكومة".

ويكمل: "لم يسأل أحد الفريق فوزي عن سبب حذف بند الإنشاءات الذي يعلم تماما أن حذفه يعني عدم بناء الدشم، ومن ثم يكرر سيناريو حرب العام 1956 التي جرى خلالها تدمير طائراتنا وهي على الأرض أيضا، كانت المبالغ المطلوبة محدودة، لكن ميزانية الدولة في ذلك الوقت كانت تعاني من العجز المالي الشديد، لدرجة أن الدولة كانت على وشك الإفلاس بسبب فشل السياسة الخارجية في رفع الحصار الدولي، وإقناع مؤسسات التمويل بتوفير الاعتمادات التي تنعش الاقتصاد القومي".

ويواصل: "الصورة كانت معقدة للغاية، وعبد الناصر نجح في ذلك الوقت في التخلص من كل منافسيه، وتمت تصفية وإبعاد معظم الضباط الأحرار والكفاءات وانفرد بالقرار، ولم يبق أمامه سوى عبدالحكيم عامر الذي يعتبره العقبة الوحيدة ليصبح الحاكم بأمره، وفي تلك الأجواء كان بعض المقربين منه يحاولون إقناعه بأنه زعيم يحسب له العالم ألف حساب، ويسعى كل القادة إلى التقرب إليه أو تجنب خطره، تلك الصورة كان يمكن توظيفها بطريقتين، واحدة منها تصب في مصلحة مصر، وتحسن من صورتها العالمية، وترفع الحصار عنها، وتجلب لها المنافع".

ويضيف: "لكن الجانب الآخر السلبي كان الفائز بحيث سعى هيكل وغيره من الحواريين إلى أن يركز الضوء على شخص عبدالناصر، ويؤلهه، ويطلق عليه الألقاب التي كان أقلها الزعيم الأوحد، تلك الزعامة والصورة البراقة تم توظيفها واستثمارها بحيث تصب في مصلحته الشخصية على حساب المصالح العليا للوطن، بالفعل ذلك ما حدث في الأشهر والأيام التي سبقت حرب يونيو 1967 فكانت النتيجة تلك الصدمة والهزيمة المدوية التي لم يكن جيشنا ولا بلادنا تستحقها".

وفي الأخير قال: "رغم كل تلك الظروف القاسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة، كانت معنويات غالبية قادة الجيش مرتفعة، وكانت توجد خطط وتدريبات كافية لحسم أي مواجهة قد تحدث مع العدو بصرف النظر عن مشكلة الطيران، لأنها تحتاج إلى شرح وتفصيل في موضع آخر، لهذا أُحَمِّل عبدالناصر وهيكل مسئولية هذه الهزيمة بكل تبعاتها، لأنه دخل الحرب وهو غير مستعد لها، وفي المقابل العدو كان مستعدًا لهذه اللحظة، وينتظر فقط الوقت المناسب لشنها".