رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خرافة «الفراعنة السود».. هل جاء المصريون القدماء من قلب أفريقيا؟

الفراعنة
الفراعنة

يزعم أصحاب تيار خرافة «الفراعنة السود» أن المصريين القدماء كانوا من أصحاب البشرة السمراء وأنهم جاءوا من قلب أفريقيا، لما وُجد من تشابه بين أهرام مصر وأهرام السودان؛ بل أنه تم العثور على تماثيل لملوك بملامح زنجية، بالإضافة إلى دراسة ملامح بعض التماثيل وتحديدها بما عرف بالتأثير الزنجي، مثل تماثيل توت عنخ آمون وتمثال أبي الهول الكبير، وهو الادعاء الذي ساقه العديد من المؤرخين الإغريق أمثال سترابون وتيودور الصقلي وهيرودوت، حيث وصفوا المصريين بأنهم ذوي بشرة سمراء وشعر مجعد.

أما الرحالة الفرنسي قسطنطين فولني فقد زار مصر 1787م وادعى أن المصريين كانوا ذوي وجه منتفخ وعينان واسعتان وأنف مفلطح وشفتان سميكتان، وعندما رأى أبي الهول اعتبره نموذج للوجه "الزنجي" وهو العرق الذي جاء منه المصريون، حيث كان يعكس نظرة الأوروبيين العنصرية للمصريين خلال القرن الثامن عشر باعتبارهم أفارقة.

بينما يتبنى تلك الأفكار الخاطئة حاليًا المؤرخ السنغالي الشيخ أنتا ديوب، حيث قام بنشر أبحاث في سبعينيات القرن العشرين يصر فيها على أن العنصر الأساسي المكون لمصر القديمة هم الزنوج قبل اندماجه مع عناصر جديدة على مر الحضارة.

واستخدم ديوب التحليل المجهري لقياس محتوى الميلانين لعينات الجلد من عدة مومياوات مصرية من حفائر مارييت والتي من خلالها قام بتصنيف جميع المصريين القدماء على أنهم "بلا شك بين الأجناس السوداء"، ويظهر اعتقاده دون أي سند علمي لكنه نابع من التعصب للبشرة السمراء ومحاولة مقاومة الفكر الأوروبي الأبيض، فيزعم أن المؤرخين والكتاب البيض قد اخترعوا مصطلحات سياسية مثل "المتوسطي" و"الشرق أوسطي" من أجل طمس الهوية الأفريقية للمصريين!.

والحقيقة أن العنصر الأفريقي لم يحكم مصر سوى خلال الأسرة الخامسة والعشرين أي في 744 ق.م وانتهت في 656 ق.م، حيث زحفت مملكة كوش جنوبي الشلال الأول والنوبة العليا نحو النوبة السفلى ومنها إلى بقية مصر بعدما دب فيها الضعف، وكانت تلك الحضارة قد تأثرت بشدة بالحضارة المصرية القديمة، حيث اعتنقوا تقديس بعض المعبودات المصرية القديمة وبنوا نحو 220 هرمًا صغير الارتفاع ليدفنوا فيها ملوكهم بعد موتهم.

في حين قام حكام الأسرة الخامسة والعشرين بصنع تماثيل لهم على نفس هيئة ملوك مصر ولكنها صنعت من الجرانيت الأسود بملامح زنجية، في حين أن شعب مصر كان متجانسًا من الناحية العرقية، حيث تباينت ألوان البشرة بين أهل مصر السفلى وصعيد مصر والنوبة.

وفي عام 2017، أجريت دراسة وراثية على 83 مومياء من منطقة أبوصير، والتي شكلت أول مجموعة بيانات موثوقة تم الحصول عليها من المصريين القدماء باستخدام تحليل الحمض النووي، وأظهرت الدراسة أن المصريين القدماء كانوا يتمتعون بأكبر قدر من التقارب مع سكان الشرق الأوسط الحديث (العرب والشاميين والأناضول)، وكان لديهم تقارب أكبر بكثير مع جنوب شرق أوروبا مقارنة بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.