رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قتلة لن يحاسبهم أحد


وصفته بعض وسائل الإعلام الإيرانية بأنه «عالم صاروخى»، وقالت أخرى إنه «عالم نووى»، وفى البيان، الذى أعلنت فيه عن خبر مقتله، قالت وزارة الدفاع الإيرانية إنه «رئيس منظمة البحث والتطوير» التابعة لها، واتفقت غالبية وسائل الإعلام الدولية على أنه «عقل البرنامج النووى الإيرانى»، أما ما يعنينا وما نراه أكثر أهمية من صفة محسن فخرى زاده، أو وظيفته، فهو أنه عالم، أو مواطن مسالم، تم قتله خارج نطاق القضاء، أو دون محاكمة.
الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، اتهم إسرائيل بارتكاب تلك الجريمة، وتعهد بالرد فى الوقت المناسب، وإلى الآن، لم تعلق السلطات الإسرائيلية، رسميًا، على هذا الاتهام، لكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، ظهر فى مقطع فيديو من بيته، فور إعلان خبر تصفية فخرى زاده، ليقول: «لا أستطيع الإعلان عن كل إنجازاتى هذا الأسبوع، لكنها كثيرة». وبالصمت الرهيب، ردت الأمم المتحدة، هيئاتها، مفوضياتها، مجلس أمنها، أمينها العام ومتحدثها الرسمى، على رسالة مجيد تخت روانجى، المندوب الإيرانى الدائم لدى المنظمة الدولية، التى شدّد فيها على أن بلاده «تحتفظ بحقها فى اتخاذ جميع التدابير اللازمة للدفاع عن شعبها وتأمين مصالحها».
كان اسم محسن فخرى زاده، بين ثمانية إيرانيين فرضت الأمم المتحدة قيودًا على تحركاتهم وأموالهم، سنة ٢٠٠٧، لصلاتهم بأبحاث «الصواريخ النووية والباليستية». ووصفه تقرير أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى ٢٠١١، بأنه شخصية محورية فى أنشطة إيرانية تسعى إلى تطوير تكنولوجيا صناعة القنابل النووية، وفى يونيو الماضى، قالت الخارجية الأمريكية، فى تقرير، إنه يقود مشروعات متعلقة بالتسليح فى إطار ما يسمى بخطة «أماد»، وبحسب تقرير نشرته جريدة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أمس السبت، فإن زاده يتمتع بقدرات إدارية هائلة، ومطلع على كل المعلومات اللازمة لبناء قنبلة نووية.
أمام شاشة عملاقة وخزائن برفوف مغطاة، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى ٣٠ أبريل ٢٠١٨، ليعرض ويستعرض مقاطع فيديو، ووثائق مكتوبة بالفارسية، قال إنها «ملفات إيران النووية السرية»، وأعلن عن أن المخابرات الإسرائيلية استطاعت الاستيلاء على نصف طن من الوثائق، تؤكد استمرار إيران فى تطوير برنامجها النووى، وخلال ذلك الاستعراض، عرض نتنياهو صورة لأحد الأشخاص، وقال: «تذكروا هذا الاسم.. محسن فخرى زاده»، ووقتها، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه يعمل أستاذًا للفيزياء النووية بجامعة الإمام حسين فى طهران، ونقلت عن مصادر مخابراتية أنه المسئول العلمى والإدارى عن المشروع النووى الإيرانى.
فى كتابه «جواسيس غير مثاليين»، ذكر يوسى ميلمان، محرر الشئون الأمنية والمخابراتية فى جريدة «معاريف»، أن المخابرات الإسرائيلية قامت باغتيال عدد من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين، دون أن يتم الإعلان عن ذلك رسميًا، وبعد أن وصف محسن فخرى زاده بأنه «دماغ ومدير البرنامج النووى الإيرانى»، أشار إلى أن المخابرات الإسرائيلية فشلت فى تحديد موقعه.
الاغتيالات، طبقًا لما ذكره ميلمان فى كتابه، الصادر فى مايو الماضى، من أصعب القرارات التى تتخذها المخابرات الإسرائيلية وتخضع لحسابات معقدة تزن تكلفة الاغتيالات بالمنفعة، وبما قد يترتب عليها من أضرار، وكان المثال الذى استشهد به ميلمان هو حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبنانى، الذى زعم أنه كانت هناك أكثر من فرصة للقضاء عليه منذ أن سيطر على الحزب، لكن الحسابات المعقدة حالت دون ذلك!
مسعود على محمدى تم اغتياله بتفجير قنبلة عن بعد، فى ١٢ يناير ٢٠١٠، وأدى انفجار سيارة ملغومة، فى ٢٩ نوفمبر من السنة نفسها إلى مقتل مجيد شهريارى، وفى اليوم نفسه، وبسيارة ملغومة أيضًا، أصيب فريدون عباسى دوانى، وفى ٢٣ يوليو ٢٠١١، قتل مسلحون داريوش رضائى، وبانفجار قنبلة لاصقة وضعها راكب دراجة نارية فى سيارته، لقى مصطفى أحمدى روشن مصرعه، فى يناير ٢٠١٢، و... و... وهناك علماء كثيرون عجزت السلطات الإيرانية عن حمايتهم، واكتفت بتوجيه الاتهامات إلى إسرائيل والولايات المتحدة.
شواهد كثيرة تؤكد أن قرارات إعدام كل هؤلاء، أو تصفيتهم، أصدرتها إسرائيل وصدّقت عليها الولايات المتحدة، وأن المخابرات الإسرائيلية قامت بتنفيذها، ولن نختلف لو اتهمت السلطات الإيرانية بالتقصير أو بالتواطؤ، فقط، سنشير إلى أن الأمم المتحدة لديها «مقرر خاص» تابع للمفوضية «السامية» لحقوق الإنسان، دوره الأساسى هو التصدى لانتهاكات الحق فى الحياة، ومن المفترض أنه يولى عناية خاصة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أو دون محاكمة.
هذا المنصب تتولاه، الآن، أنييس كالامار، وغالبًا لن تلتفت إلى جريمة اغتيال محسن فخرى زاده، وقد لا تلتفت إليها، أيضًا، المفوضة السامية، أو ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمى باسم الأمم المتحدة، لأنهم، كغيرهم من موظفى المنظمة الدولية والمنظمات التى توصف بأنها حقوقية، لا يتحركون إلا بالـ«ريموت كنترول»، ولا ينطقون إلا بما يمليه عليهم أولياء نعمتهم.