رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا انصرف الشعراء إلى كتابة الرواية؟

 عبد الرحيم جيران
عبد الرحيم جيران

◄ الناقد المغربي عبد الرحيم جيران: انصراف الشعراء إلى كتابة الرواية يرجع إلى غياب جمهوره.

◄ الروائي طارق الطيب: كتبت الرواية قبل الشعر




لا شك في أن مايعيشه المشهد الثقافي العربي يشير إلى وجود انفجار روائي، وترسيخ لوجود جنس الرواية، والذي يأتي في الغالب على حساب الأجناس الإبداعية الأخرى من شعر وقصة، ويبدو أن الجوائز الإبداعية لعبت دورا كبيرا في ترسيخ "زمن الرواية"، ذلك رغم لأسبقية وجود الشعر تاريخيا.

إلى جانب كل مافات كان للشعراء رأي آخر، وهناك من قفز من بيت الشعر إلى زمن الرواية، ليصبح اللجوء للرواية أحد أبرز روافد التعبير.

في هذا التحقيق نرصد الإجابة عن أحد أبرز الأسئلة المعلنة حول لماذا انصرف الشعراء إلى كتابة الرواية ؟ وهل للجوائز الإبداعية في مجال الرواية دور في تسييد جنس الرواية على باقي الأجناس الإبداعية.

◄ لماذا انصرف الشعراء إلى كتابة الرواية؟

يقول الناقد والروائي المغربي عبد الرحيم جيران: ما غلب في تفسير المسألة هو أن الجوائز هي العامل الأساس فيها. قد يكون أمرا من هذا القبيل واردا، لكنه في نظري لا يفسر سوى جزء منها غير حاسم. وحتى نفسر المسألة بشكل أكثر فهما ينبغي التمييز بين نوعين من الشعر: الشعر الصافي الذي لا يتلقى إلا قراءة والشعر الغنائي الذي يعتمد في تلقيه على الإلقاء..

ويلفت جيران إلى أن الشعر الأول جمهوره من النخبة وهو قليل، والثاني جمهوره عريض لا يحتاج إلى كد في فهمه.. الشاعر العربي غنائي وتكمن في جبلته غريزة السياسي الذي يتحدد وجوده وقيمته بمدى جماهيريته؛ وبصوته الذي يلعلع في القاعات المكتظة.. حين ضمر جمهور القاعات واضمحل المتلقي الجماهيري وحل محله المتلقي القارئ وهو ضئيل بطبعه وجد الشاعر الغنائي نفسه منبوذا معزولا، وضاعف من عزلته عدم قناعته بالتلقي القرائي الذي هو تلق محدود ومتطلب انصرف إلى الرواية التي من طبيعتها أشد الأجناس رواجا على مستوى القراءة.. وفي ظني أن مثل هذا التحول لا يضر بالشعر.. على العكس من ذلك يفيده، لأنه سيبقي على الشعراء المجيدين الذين الشعر في جيناتهم متأصل.

وعن سؤالنا هل تسببت الجوائز الإبداعية في مجال الرواية في تسيّد جنس الرواية على باقي الأجناس الإبداعية الأخرى؟ وهل انتقلتَ من جنس أدبي آخر نحو الرواية؟

يقول الروائي والشاعر "طارق الطيب " بداياتي كانت في الشعر في عمر صغير نسبيا؛ في السابعة عشرة. كانت محاولات تجريبية وتأثر بحالة حب لم تعمّر طويلا.
ويستطرد صاحب "مدن بلا نخيل" في منتصف الثمانينيات كنت قد انتقلت إلى ضفة أخرى من العالم؛ إلى فيينا. صاحبني السرد والشعر معا، ربما عبر السرد في محاولة للحفاظ على تاريخي الشخصي بعد الانتقال من مصر، وربما عبر الشعر في محاولة لتطييب وجداني في هذه الغربة اللغوية والمناخية والمادية الصعبة والمفاجئة.

يلفت الطيب إلى أن النشر الأول للشعر كان ديوان "حقيبة مملوءة بحمام وهديل" الذي صدر في فيينـّا في عام 1999 بالعربية والألمانية عن دار نشر سيلينة. بعده بثلاث سنوات تبعه ديوان "تخليصات" عن دار ميريت للنشر في القاهرة عام 2002، لكن السرد سبق هذين الديوانين برواية "مدن بلا نخيل" عن دار الجمل في ألمانيا عام 1992 والتي انتهيت من كتابتها في عام 1988. هذا يعني أنني دخلت إلى عالم الرواية منذ زمن بعيد قبل فتوحات الجوائز الروائية في العقد الأخير.

يؤكد الطيب على أنه يمكن القول إن الحافز المادي الكبير نسبيا المخصص لجوائز الرواية كان دافعا لكثيرين نحو المغامرة بالولوج إلى عالمها، فانزاح بعض ممن يكتبون الشعر تجاه الرواية، وبعض آخر لم يكتبوا من قبل في أي جنس آخر، إضافة إلى جاذبية بريقها الإعلامي. نجح البعض في تقديم كتابة جيدة تستحق وفشل آخرون، ولعلنا سنحتاج إلى ثلاثة عقود على الأقل لغربلة كل المتاح مما يتراكم حاليا في سوق الرواية ومهرجانات جوائزها.

ويختم الطيب بأنه "لا غبار ولا عيب أبدا على هذا اختيار الكٌتاب وانتقالهم، فالعبرة بقيمة وجودة المُنتَج الروائي. بيد أن الأمر قد صار عسيرا على النقاد بملاحقة ومتابعة طغيان هذا الكم الوفير من الروايات".


تقول الشاعرة ديمة محمود من المكرر أن أقول أن الشعر هو مفصل في كل الفنون حتى التي لا يبدو الكلام مادتها الأساسية، كالرسم والموسيقى . هذه الارتكازة التي أرى من خلالها أن الرواية في حقيقة الأمر لايمكنها في الواقع إلا أن تكون رافداً شعرياً. ولو في بعض أجزائها وكثيراً ما قرأنا روايات شكلت مقاطع كبيرة منها نصوصاً مكثفة الشعرية وجدير بها بالفعل أن تكون قصائد نثرية بامتياز  .

وتستطرد ديمة محمود: أما عن تحول الشعراء للرواية، بدايةً لا يمكننا التعميم للأديب أن يجرب وينتقل في فنون الأدب التي يجد نفسه قادراً الخوض فيها ويملك أدواتها بعيداً عن أي مقامرات تافهة أو حتى محسوبة أو مشاعة زيفاً من باب أن المزاج العام يميل للرواية أو أن الشعر خامل لا يبيع وليس له جمهور كما يروج المشتغلون في الثقافة ودور النشر وما قد تخصصه بالتالي من نسب مادية مجزية لكتاب الرواية خلافاً لما يحدث بشكل عام مع الدواوين الشعرية أو بسبب انتشار الجوائز المغرية مالياً وتعددها للرواية. 

وتؤكد ديمة محمود: هاتان النقطتان الأخيرتان في الحقيقة هما دافع لايستهان به وراء توجه عمدي من الشعراء حالياً للانتقال للرواية وإذا عرف السبب بطل العجب، فهذا وجه من وجوه الخراب والعوار الكثيرة التي تضرب الآداب عموما في مقتل وتحولها إلى سلعة رخيصة يبيعها ويتلقفها السماسرة والتجار وإن اختلفت صفاتهم الأصلية سواء الكاتب أو الناشر (المقاول) والمتلقي : السطحي وغير السطحي أيضاً. 

هذا لا يعني أن انتقال الأديب للكتابة بين الفنون المختلفة خطأ، لا وقطعاً لكن شتان بين كتابه الموهبة والإبداع الحقيقي المنساب وبين التكلف والصنعة ومايترتب عليها من فساد وإفساد وتخريب واستهتار وركاكة. 

وتختم  الشاعرة ديمة محمود" ومن المهم هنا أن نأخذ بعين الاعتبار أن قصيدة النثر ذاتها ربما تكون مفتاحاً من مفاتيح التوجه لكتابة الرواية بسبب بنيتها المازجة بين السردية والتكثيف والشعرية . ولا شك أن الزخم المعرفي بسبب الرقمنة ساهم أيضا في إذكاء التوجه للكتابة السرديةً من جهه وإضفاء الانبهار والموضات الأدبية من جهة أخرى. حتى بدا الأمر أحياناً بمثابة منافسه أو تحدٍ للأفضلية وكأن الشاعر الروائي ميزة عن الشاعر.

من جهته يقول الشاعر والروائي أسامة حداد إن الجنس الأدبي مؤسسة في ذاته، سلطة ونقاء النوع الأدبي خرافة، فالأنواع تتداخل بحكم طبيعتها، بل أن القصيدة العربية الغنائية كما تم تصنيفها كانت هجينا من خلال الخطابات الحكائية التي تضمنتها.

ويشير صاحب "العشوائي" إلى أن المخيلة لا تخص القصيدة وحدها، فالمحتوى السردي في الرواية هو عالم متخيل والخطاب الروائي يحمل انحيازا جماليا .

ويؤكد "حداد" أن الرواية تقدم خطابها من خلال تضافر التخييل والمعرفي معا وتعد من الشعريات الرئيسية بحسب تقسيم الأنواع الأدبية ولا يوجد تخصص في الكتابة، والسؤال حول كتابة شاعر لرواية  اعتبره خارجا عن العمل الأدبي، فالكثير من الكتاب في العالم قدموا الشعر والرواية، وغيرهما دون أن يواجههم هذا السؤال،  مثل هيرمين هيسه وكازانتزاكس وبيسوا، وغيرهم فالكتاب هو المضمون.

 ويؤكد صاحب "بيتزا" أن عملية التلقي لا علاقة لها بهذه الإشكالية إذا كان هناك من يجدها إشكالية.

وعن تجربته الخاصة والجمع بين كتابة الشعر والانتقال لكتابة الرواية يقول حداد "أعتقد أن الاستمرار في كتابة الشعر يؤدي إلى تكرار التجربة ذاتها ولهذا رأيت الانتقال خطوة نحو الرواية من أجل التغيير، والبحث عن آليات كتابة مغايرة.

وختم حداد بأنه لا يمكن للمرء أن يقوم بالعمل ذاته دون تغيير، مهما أجاده والمسافة بين السرد الشعري والسرد الروائي تكمن في تفتيت الحدث والتعامل مع الزمن كعنصر سردي فالزمن مطلق داخل النص الشعري كونه زمن داخلي يخص الذات الشاعرة أما في الرواية فالزمن تاريخي أي خارجي يخص الحدث والشخصيات وتحولاته لا تصنع منه زمنا داخليا.