رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الاعتراف للمحاكمة.. كيف تعاملت الدوحة مع فضيحة المطار الكبرى؟

 فضيحة المطار الكبرى
فضيحة المطار الكبرى

"فضيحة مطار حمد".. عنوانًا شهيرًا تصدر كافة الصحف الغربية طيلة الشهر الماضي، بعد أن تعرضت مسافرات أجنبيات عبر الخطوط الجوية القطرية، إلى عمليات الفحص القسري في الثاني من أكتوبر الماضي، بعد العثور على طفل حديث الولادة داخل حمام المطار، حيث أجبرتهن السلطات القطرية على خلع ثيابهن بالكامل لإجراء فحوصات طبية للتعرف على هوية الأم، ما أثار استياء الحكومتين الاسترالية والبريطانية، كما اعتبرته بمثابة اعتداء جنسي وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان.

وفي آخر إجراءٍ لها، أصدرت النيابة العامة، في قطر، أمس، بيانًا جديدًا بشأن واقعة مطار حمد، حيث أمر النائب العام في قطر، بتقديم المتهمين إلى المحكمة الجنائية، سواء من قام بإلقاء الطفلة حديثة الولادة في سلة المهملات أو من خالفوا القوانين واللوائح من موظفي الضبط القضائي.

وكشفت التحقيقات القطرية، عن أن والدة الطفلة هي من جنسية إحدى الدول الآسيوية، وقد ارتبطت بعلاقة مع شخص آخر من جنسية إحدى الدول الآسيوية كذلك، نجم عن هذه العلاقة الطفلة المعثور عليها، فبادرت الأم أثناء مغادرتها البلاد بإلقاء الطفلة حديثة الولادة في سلة المهملات داخل إحدى دورات المياه بصالة المغادرة بالمطار، واستقلت الطائرة إلى وجهتها.

وأكد البيان القطري، أنه باستجواب المتهم والد الطفلة، اعترف بعلاقته مع والدة الطفلة، وأنها أرسلت إليه رسالة وصورة للطفلة فور ولادتها، وتضمنت الرسالة أنها قامت بإلقاء الطفلة التي أنجبتها منه وفرت إلى بلادها، كما تطابقت نتيجة فحص البصمة الوراثية (DNA) للمتهمين مع البصمة الوراثية للطفلة.

وأشار البيان، إلى أنه تم استدعاء كل من له صلة من أجهزة، أو موظفين معنيين بالعمل في منطقة مسرح الجريمة داخل المطار، حيث تم سؤال واستجواب بعض القيادات المختصة بإدارة أمن المطار، وبرج مراقبة الطيران المدني، وإدارة المطار، وفحص البصمة الوراثية لأحد الأشخاص المشتبه بهم.

وفجَّر الحادث الأخير، أزمة دبلوماسية حادة بين قطر وعدد من الدول الأوروبية، فيما انهالت المنظمات الحقوقية بتوجيه التهم للدوحة، بانتهاك حقوق الإنسان والتعدي على حرية النساء، الأمر الذي وضع الحكومة القطرية في مأزق دبلوماسي لازالت تدفع ثمنه حتى الآن، فيما أشارت التقارير الغربية إلى أن هذه الكارثة تهدد سمعة قطر قبل استضافتها فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022.

ومنذ اندلاع الأزمة، حاولت قطر التقليل من حدة الغضب الدولي إزاء انتهاكاتها الأخيرة بحقوق النساء المسافرات، ما بين اعتراف بجريمتها تارة، وتقديم الاعتذار تارة أخرى، وإحالة المتهمين للمحاكمة تارة ثالثة، ومع ذلك، لازالت ترزح تحت وطأة الانتقاد الدولي وسط تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة القطرية ستقدم تعويضات للمسافرات الأجنبيات، أم ستكتفي بمجرد بيانات؟

"أول رد قطري"
وفي أول تعليق لها بعد موجة عارمة من الغضب الدولي، قالت الخطوط الجوية القطرية في بيان لها: "نحن نقدر المخاوف والضيق الذي أعرب عنه كل المسافرين الأستراليين الذين تحدثت إليهم، وسوف نحقق في هذه الأمور مع السلطات والمسئولين المعنيين".

وردًا على الانتقادات الحادة التي تم توجيهها إلى الدوحة، قالت السلطات القطرية في بيان سابق: "عُثر في الثاني من أكتوبر الجاري على طفلة حديثة الولادة داخل كيس بلاستيك مربوط تم وضعه تحت القمامة في سلة للمهملات داخل مطار حمد الدولي. وتم إنقاذ حياة الطفلة مما بدا أنه محاولة لقتلها، حيث تم توفير الرعاية الطبية لها هنا في الدوحة وهي تتمتع الآن بحالة صحية جيدة".

وأضافت: "تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها في مطار حمد الدولي، وإذ تؤكد دولة قطر أن الإجراءات التي تم اتخاذها على وجه السرعة - مع بعض المسافرين المتواجدين وقت كشف تلك الجريمة المروعة- كان الهدف منها الحيلولة دون فرار الجناة والمتورطين فيها ومغادرتهم الدولة، فإنها تعبر عن أسفها إزاء أي مضايقات أو مساس غير مقصود بالحرية الشخصية لأي مسافر ربما تكون قد وقعت أثناء مباشرة هذه الإجراءات".

"اعتراف الدوحة"
ومع تزايد موجة الغضب الأوروبية والدولية، أقرت قطر بالتجاوزات الأخيرة فيما يخص عملية الفحص القسري ضد المسافرات عبر الخطوط الجوية القطرية، وأعلنت السلطات القطرية، إحالة المتورطين بتعرية المسافرات وإخضاعهن لكشف مهين، إلى النيابة العامة للتحقيق.

وقال مكتب الاتصال الحكومي القطري في نص البيان بتاريخ 30 أكتوبر: "عطفًا على البيان السابق لمكتب الاتصال الحكومي، أسفرت التحقيقات الأولية التي تقوم عليها اللجنة المشكلة للتحقيق في حادثة محاولة قتل الرضيعة التي وجدت في حالة شديدة الخطورة في مطار حمد الدولي، والإجراءات التي اتبعتها السلطات المعنية في المطار من بحث وتفتيش لعدد من المسافرات عن وجود تجاوزات في الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات، وعليه، تمت إحالة الواقعة والمسؤولين عن هذه التجاوزات والإجراءات غير القانونية إلى النيابة العامة المختصة بحسب الإجراءات المتبعة".

"اعتذار رسمي"
وفي محاولة لحفظ ماء وجهها بعد تلك الواقعة المشينة التي تورطت فيها الدوحة، قال رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية القطري خالد بن خليفة آل ثاني، في تغريدة عبر صفحته الرسمية بموقع "تويتر": "نأسف لما حدث لأخواتنا اللاتي تعرضن لمعاملة مرفوضة في مطار حمد الدولي، والتي لم نعرفها سابقا ولا نقبل بها أبدًا، وأؤكد أننا في دولة قطر حريصون على محاسبة المسئولين عن هذا التصرف الذي لا يمثل قوانين الدولة ومبادئها وسنتخذ جميع الإجراءات لمنع تكرار مثل هذا التصرف".

بدورها، قالت المتحدثة باسم الخارجية القطرية لولوة الخاطر، في تغريدة ثانية: "تعبر دولة قطر عن أسفها العميق واعتذارها عما تعرضت له بعض المسافرات من تجربة مؤلمة جرّاء الإجراءات المتخذة أثناء البحث في حادثة الشروع في قتل رضيعة في المطار".

وأضافت: "نؤكد أن هذه التجاوزات الأولى من نوعها تتعارض مع القوانين والقيم القطرية، وقد تمت إحالة المسئولين عنها للنيابة العامة".

فيما أجرى وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اتصالًا هاتفيًا مع نظيرته الأسترالية، ماريس باين، لمناقشة حادثة مطار حمد الدولي.

وقالت وزارة الخارجية القطرية في بيانها آنذاك، إن الوزير القطري أعرب عن تعاطفه العميق مع المسافرات المتأثرات بالتفتيش في المطار، وجدد اعتذار قطر لهن، موضحًا أن الحادثة تعد انتهاكًا لقوانين وقيم دولة قطر، وأنه تم إحالة المسؤولين المعنيين إلى النيابة العامة.

"مطالب بالتعويض"
وفي وقت سابق، طالب المدافعون عن حقوق الإنسان في أستراليا بالحصول على تعويضات للنساء اللائي تعرضن لعمليات الفحص الصادمة أثناء سفرهن عبر الخطوط الجوية القطرية.

وقالت السيناتور سارة هندرسون، رئيسة اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان: "كان هذا حادثًا مروّعًا، وانتهاكًا جسيمًا، وربما عملًا إجراميًا خطيرًا للغاية أيضًا"، وفقًا لما ذكرته إذاعة "2GB" الأسترالية في سيدني.

وأضافت: "ما كان يجب أن يحدث هذا على الإطلاق.. كانت النساء مرعوبات لأنهن تم نقلهن إلى انتظار سيارات الإسعاف.. لقد اعتقدوا أن الأمر يتعلق بوباء كورونا".

وشددت "هندرسون" على أن ما حدث يعد "انتهاكا فظيعا وصادمًا لحقوق الإنسان"، مضيفة: "آمل حقًا أن تقدم الحكومة القطرية تعويضات عما حدث".

ولدى سؤالها عن تعويض مالي محتمل للنساء اللائي تعرضن للاعتداء، قالت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريس باين، في تصريحات سابقة للصحفيين في سيدني، إن ذلك أمر يخص الحكومة القطرية، مشيرة إلى أنها تحدثت سابقًا إلى نظيرها القطري محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي نقل خالص اعتذاره وطمأنها على اتخاذ الإجراءات القانونية، وأن مثل هذا الحادث لن يتكرر أبدًا.

"تلويح بإجراء قانوني"
وفي تقرير سابق، قالت صحيفة الجارديان البريطانية، إن بعض الراكبات الأستراليات أكدن أن المسؤولين القطريين لم يتصلوا بهن أو يقدموا حتى اعتذار مباشر عما لحق بهن من ضرر معنوي ومضايقات، مشيرة إلى أنهن يفكرن بالتحرك القانوني.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من مرور أسابيع على الحادث، وعلى الرغم من تقديمهن شكوى رسمية إلى وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية والشرطة الفيدرالية الأسترالية بعد 24 ساعة من وصولهن إلى سيدني، إلا أنهن لم يتلقوا أي تعويضات عن الضرر الذي لحق بهن.

كما أوضحت بعض النساء اللواتي كن على متن تلك الرحلة للصحيفة، أنهن ينتظرن تلقي اعتذارات مكتوبة، كما يفكرن في إمكانية اتخاذ إجراء قانوني.