رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب العالمية النفسية


رغم أن مؤسسهم اتخذ لنفسه لقب «البنا»، فإنهم لا يعرفون إلا الهدم، لذلك برعوا فى المؤامرات والمكائد والدسائس، وأصبحوا عباقرة فى الخيانة والتدمير، وإذا كنت لا تعرفهم بعد حق المعرفة، فلا تظن أن العبارات السابقة تحتوى على أى قدر من المبالغة، إذ إن هناك حقيقة إنسانية لا ينبغى أن تغيب عنا أبدًا، وهى أن الجماعة التى تفرح لأحزانك، وتشمت فيك عند انكسارك، ثم تكاد تموت كمدًا عند أفراحك، وتسعى بكل الطرق إلى تدميرك، يجب أن تعلم أنها جماعة الشيطان لأن إبليس لا يعرف إلا الهدم.

وفى أيامنا هذه نمر بجائحة لم نشهدها من قبل، وفيروس هو الأخطر إن لم نتخذ فى مواجهته التدابير اللازمة، وأشهد أن الدولة المصرية تقدم نموذجًا مثاليًا فى هذه المواجهة، الكل على قلب رجل واحد، فدائمًا الآلام تُجمِّع كما قال أمير الشعراء شوقى فى أندلسيته: «إن المصائب يجمعن المصابينا»، ولكن وحده الشيطان الذى يسعى باستغلال المصائب للنكاية والتدمير، ووحدها جماعة الإخوان الإرهابية التى اعتبرت أن فيروس «كورونا» هو جندى من جنود الله، أرسله الله لينصرها على العالمين، ويدمر كل خلق الله.

نرى الآن أفراد الجماعة فى دروسهم التى يلقونها على شبابهم المُضلل يتلون آيات العذاب، ويستشهدون بقول الله: «حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرُنا فنُجى من نشاء ولا يرد بأسُنا عن القوم المجرمين»، ولأنهم اعتبروا أن المسألة هى حرب بين المسلمين والكفار، لذلك يظنون أن الله سينجيهم وحدهم، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لهان الخطب، ولكنهم وضعوا تدبيرهم لاستغلال الفيروس فى هدم الدولة المصرية بالكامل، وقد رتبوا لهذا الأمر منذ سنوات، ولكن كيف؟ هذا ما سنعرفه فى السطور القادمة.

فى بداية الألفية الحالية كانت المنظومة المخابراتية الغربية تستهدف إعادة تقسيم الشرق، ولم يكن ساسة الأنظمة الغربية يخفون هذا التوجه، أو يديرونه سرًا، ولكن كل أوراقهم كانت مكشوفة وعلنية بلا أى قدر من الخفاء، فإعادة التقسيم ستترتب عليها إعادة تقسيم الثروة، ولا يمكن تقسيم الثروات إلا عن طريق الثورات.

وبما أن العالم كله أصبح مزدحمًا بالبشر، بحيث أصبح مثل سفينة كادت أن تغرق بسبب زيادة الركاب فيها فوق الحد المحتمل، فعدد السكان يتزايد بشكل مضطرد وسريع، حتى إن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد سكان العالم سيزيد بمقدار مليارى نسمة خلال الثلاثين عامًا القادمة، ليصبح ٩٫٧ مليار نسمة، وهو أمر لن تتحمله الكرة الأرضية.

ولم يكن للحروب، حتى الآن، أثر عظيم فى الحد من هذه الزيادة، لذلك وضعت «كتلة المخابرات الغربية» مخططات حروب الجيلين الرابع والخامس، ثم أخيرًا حروب الجيل السادس التى تدخل من ضمن أسلحتها «الحروب البيولوجية»، التى تُستخدم فيها الفيروسات المخلقة، وهى، وفقًا لتعريفهم، حروب «القتل الصامت»، ومن الطبيعى أن يمتد أثر حرب الفيروسات على مجتمعاتهم الغربية، إذ إن هذا من الآثار المتوقعة والطبيعية.

ولكن هذا التأثير لا يعنيهم فى كثير أو قليل، فالأثر الذى سيترتب عليه انتشار الفيروسات هو الحد من عدد سكان العالم، أما المنطقة الجغرافية التى يظنون أنها ستكون أكثر عرضة من غيرها بالتأثر من حرب الفيروسات فهى مناطق العالم الثالث، فهم يعملون منذ أمد على الحد من قدرات المؤسسات الصحية لدول العالم الثالث، والاتهامات التى تم توجيهها لمنظمة الصحة العالمية فى الفترة الأخيرة لها قدر كبير من المصداقية، حينئذ سيكون من السهل تفكيك الدول الكبرى فى الشرق الأوسط وإفريقيا.

فحروب الجيل الخامس وفقًا لتخطيطهم، ستكون قد أعملت أثرها من حيث تقسيم الدولة الواحدة إلى عدة دويلات، أو إمارات، وحينما تحدث اشتباكات أهلية فيها على خلفية دينية، أو بسبب الدين سيكون من السهل أن يتدخل حلف «ناتو» لتوجيه ضربات عسكرية للأطراف المتصارعة أو لصالح طرف ضد باقى الأطراف، وقد حدث هذا بالفعل، وقد ترتب عليها القضاء على نحو أربعة ملايين من السكان فى سوريا وليبيا والعراق، فضلًا عن ضحايا اليمن الذين مات معظمهم من وباء «الكوليرا»، ومن استحواذ الحوثيين الشيعة على مناطق كثيرة فيها.

ثم دخلنا بعد ذلك فى حرب فيروس «كورونا»، والآثار التى سيترتب عليها نشر هذا الفيروس، وفقًا لتقديراتهم، أنه سيتحول جزء كبير من العالم إلى قطعان من الفلاحين والعمال يماثلون جدودهم فى الإقطاعيات القديمة، ويكون من السهل على الدول الصناعية الكبرى أن تقود العالم، ومن أجل ذلك يجب أن يتحوّل البشر فى معظم العالم إلى قطيع من الفلاحين الأجراء، أو العبيد، كل عملهم هو إعداد «مائدة الطعام» للسيد الصناعى الكبير، بعد أن يتم دفن أو حرق أعداد كبيرة من الجثامين التى سقطت صرعى من وطأة هذا الوباء وتلك الحروب.

هذا هو المخطط، وهو من الأمور المكشوفة والمعروفة التى أصبحت كتلة حلف الأطلنطى «ناتو» لا تتجشم عناء إخفائها، ولأن منطقتنا هى المستهدفة الأولى من تلك الحروب، ولأن مصر هى سيدة الشرق بلا منازع، لذلك كان يجب أن تسقط، ولكى تسقط يجب أن تتم تولية تنظيم ممنهج براجماتى لا يبحث إلا عن مصالحه الخاصة، تغيب عنه فكرة الوطن، ويُعادى مشروع الدولة الحديثة، ويعتبر أن وطنه يجب أن يتسع ليشمل أكثر الدول فى العالم.

هذا التنظيم لن يأبه أو يهتم بتقويض أركان الدولة التى ينتمى لها، لأنه لا يؤمن إلا بوطن التنظيم، وقد كانت فكرة الخلافة هى الفكرة التى استدعتها للوجود المخابرات البريطانية وهى تؤسس لحسن البنا تنظيمه فى نهايات العشرينيات من القرن الماضى، وفى عهد أكثر حداثة وفى ظل الرئيس الأسبق مبارك وتحديدًا فى عام ٢٠٠٣ طلب البيت الأبيض من باحثة نمساوية اسمها «شيرال بيرنارد»، تعمل فى مركز بحثى تابع للخارجية الأمريكية، أن تضع تصورًا عن الجماعات الأصولية فى مصر، وعن أى جماعة تستطيع أمريكا التعامل معها، فكان أن انتهت «بيرنارد» فى بحثها إلى أن جماعة الإخوان براجماتية للغاية، وأنها فى سبيل مصالحها الخاصة من الممكن أن تضحى حتى بثوابت الدين والوطن.

ووضح أن الرهان أصبح على هذه الجماعة لكى تقوم بتنفيذ مخطط هدم الدولة المصرية، فتنظيمها الدولى مقره فى إنجلترا، وتنظيمها الأقوى والأغنى والأكثر تأثيرًا مقره فى أمريكا، والبيت الأبيض بات يخطب ودها، وأخذ يستعين بها فى حملات أوباما الانتخابية، بل يضع بعض قادتها فى الكادر الوظيفى بالبيت الأبيض.

وكان أكثر هؤلاء تأثيرًا الدكتور «سلام المراياتى»، القيادى الكبير فى التنظيم الدولى للإخوان، وهو أمريكى من أصول عراقية، وزوجته ابنة أحد مؤسسى تنظيمات الإخوان فى أمريكا، وفى ذات الوقت كان هناك طبيب إخوانى شاب تتلمذ إخوانيًا على يد إبراهيم منير، القيادى الإخوانى الدولى، وكان هذا الطبيب يعيش فى لندن ويعمل بأحد مستشفياتها اسمه «هشام المرسى»، ودون مقدمات يترك هذا الشاب الطب ويؤسس جمعية يطلق عليها «أكاديمية التغيير» سيكون لها التأثير الأكبر فيما حدث بمنطقتنا فيما بعد.

ظهرت أكاديمة التغيير فى لندن عام ٢٠٠٦ فى الأيام التى أعقبت تصريحات كونداليزا رايس، وزيرة خارجية أمريكا وقتئذ، بأن العالم ينتظر «الشرق الأوسط الجديد» وأن هذا سيتم عن طريق فوضى منظمة.
وفى شهر أبريل من عام ٢٠٠٧ نشأت فى مصر حركة جماهيرية كروية اسمها «ألتراس النادى الأهلى» ستصبح لها فيما بعد دور كبير فى الأحداث الثورية، وفى شهر أبريل أيضًا من عام ٢٠٠٨ يتم فى مصر تأسيس حركة ٦ أبريل، التى ظهرت فى البداية بشكل ليبرالى يعتمد على الشباب، وفى حقيقة الأمر كانت هذه الحركة هى الجناح الثورى لجماعة الإخوان.

وحينما تزوج هشام المرسى، مدير أكاديمية التغيير، من السيدة سهام القرضاوى، ابنة الشيخ يوسف القرضاوى، المنظر الأكبر لجماعة الإخوان، كان أن انتقل عام ٢٠٠٩ إلى قطر لينشئ هناك فرعًا للأكاديمية، إلا أنه فى الفترة من عام ٢٠٠٦ إلى عام ٢٠٠٩ كانت تلك الأكاديمية قد نظمت الكثير من الفعاليات والتدريبات للأعضاء المنخرطين فيها، وكان أكثرهم من إخوان العالم العربى، وكان أكثرهم بطبيعة الحال من إخوان مصر مثل الدكتور مصطفى النجار، الذى كان قد أنشأ مؤسسة أطلق عليها «أمواج فى بحر التغيير»، ومن اليمن كانت توكل كرمان الإخوانية أبًا عن جد، وبعض رموز من شباب الإخوان أصبحوا فيما بعد من لقطاء ذلك المشروع التدميرى.

ويأتى عام ٢٠١٠ لتظهر فى الحياة السياسية المصرية «الجمعية الوطنية من أجل التغيير» كإحدى فعاليات أكاديمية التغيير، وسنعرف أن هشام المرسى الذى ظهر أنه تلقى تدريبات محترفة من أجهزة مخابرات غربية أخذ يلقى محاضرات وتدريبات عملية تحت عنوان «الدروع الحامية من الخوف» ليضعها فى كتاب بعد ذلك، وهى محاضرات عن كيف يحافظ الشباب المتظاهرون على كتلتهم المتظاهرة فى الشارع بحيث لا يغادرونه، مع تدريبهم على حماية أنفسهم من المواجهات الأمنية، ثم يلقى هشام المرسى بعد ذلك محاضرات متخصصة لبعض القيادات الشابة التى تم تأهيلها، وكانت هذه المحاضرات والتدريبات العملية عن:

صناعة التعاطف، إدارة التعاطف، صناعة الخوف، إدارة الخوف، صناعة الإرباك، إدارة الإرباك، صناعة الفوضى، إدارة الفوضى.

وقد أطلقوا على هذه الفعاليات كلها اسم: حرب اللاعنف، وهى تستهدف أن يقوم المجتمع بتدمير نفسه ذاتيًا، ولكى يتم هذا التدمير يجب أن تُتبع وسائل مختلفة، ومعظم هذه الوسائل إعلامية، سواء عن طريق القنوات الفضائية أم عن طريق السوشيال ميديا.