رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحث النمساوي فلوريان ماركل: «الإرهابية» تخدع الأوروبيين بشعارات «اضطهاد الأقلية المسلمة»

فلوريان ماركل
فلوريان ماركل


ضاقت الأرض على أبناء حسن البنا فباتوا يبحثون عن الملاجئ الآمنة فى شتى بقاع الأرض شرقًا وغربًا، ويبدو أنهم وجدوا ضالتهم فى النمسا، الدولة الأوروبية المهمة المسيطرة على شرق أوروبا كله، مستغلين البيئة الودية ومناخ الحرية والأنظمة البنكية المتطورة فى توسيع أنشطتهم، ليس فى النمسا فحسب، لكن فى جميع دول الاتحاد الأوروبى، وفق ما ذكره الباحث الأمريكى الإيطالى الشهير، لورينزو فيدينو، المتخصص فى شئون «الإخوان». لكن النمسا استفاقت وأدركت خطر «السرطان الإخوانى»، الذى ينشر خلاياه فى جسدها بسرعة هائلة، فانتفضت وأقرت عدة إجراءات للحد من الخطر الإخوانى، لعل أبرزها استحداث جريمة الانتماء إلى تنظيمات ما يعرف بـ«الإسلام السياسى»، إلى جانب إجراءات أخرى لوقف التمويلات الخارجية التى تتلقاها الجماعة على أراضيها. «الدستور» تحاور فى السطور التالية فلوريان ماركل، الخبير والمحاضر فى جامعة فيينا، المدير فى مركز الأبحاث النمساوى «مينا ووتش»، المتخصص فى شئون جماعات الإسلام السياسى، لمعرفة أساليب تحركات «الإخوان»، وإجراءات النمسا لمواجهة خطرها الكبير.

■ صادرت النمسا مؤخرًا ٢٠ مليون يورو من أموال جماعة الإخوان.. من أين تأتى تلك التمويلات التى تصل إلى عناصر الإرهابية والجماعات المرتبطة بها فى أوروبا؟
- وثّق الصحفيان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو، فى كتابهما «أوراق قطر»، كيف تستخدم الدوحة منظمة إنسانية تدعى «مؤسسة قطر الخيرية» لضخ مبالغ ضخمة من الأموال فى المشاريع داخل أوروبا.
ويُركز هذا التمويل القطرى على إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا والنمسا، التى تعد ملاذًا للعديد من قيادات جماعة الإخوان، منذ هروب عناصرها من مصر وسوريا فى الستينيات، ويأتى ضمن محاولات الدوحة لملء الفراغ الذى خلفه قطع عدة دول عربية دعمها المالى لكيانات «الإخوان»، فى أعقاب «الربيع العربى».
ومنذ أن تأسست «مؤسسة قطر الخيرية»، فى عام ١٩٩٢، أنفقت مليارات الدولارات لدعم كيانات «الإخوان» وتنظيماتها فى عشرات البلدان فى جميع أنحاء العالم، ففى ٢٠١٤ مثلًا، موّلت المؤسسة ١١٣ مشروعًا، مثل بناء المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس والمنظمات الإسلامية، بقيمة ٧٢ مليون يورو، وذلك فى داخل ١٤ دولة أوروبية.
■ ماذا عن تركيا ودورها فى دعم الجماعة والتنظيمات التابعة لها؟
- تُعد تركيا لاعبًا مهمًا، وتدعم شبكتها من المساجد والجمعيات، التى تقودها مؤسسة الشئون الدينية «ديانت»، والمئات منها فى ألمانيا وحدها، جماعة الإخوان وعناصرها.
ولا يخفى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان علاقته بجماعة الإخوان، وباتت أنقرة مأوى للعديد من قادة الجماعة، وقادة حركة «حماس» أيضًا، وكما ورد مؤخرًا، حصلوا على الجنسية التركية، وبالتالى، فإن تركيا، العضو فى حلف شمال الأطلسى «ناتو» تدعم بشكل أو بآخر جماعة إسلامية تم تصنيفها على أنها منظمة إرهابية فى أوروبا.
وكان الدعم المالى لـ«حماس» أحد الأسباب التى دفعت وكالات الأمن النمساوية، مؤخرًا، لمداهمة عشرات الأماكن فى جميع أنحاء البلاد، واستجواب ٣٠ عضوًا من جماعة الإخوان، فيما يعد، إلى حد بعيد، أكبر ضربة لكيانات ونشطاء الإخوان فى النمسا.
■ ما الأساليب التى يستخدمها «الإخوان» فى تجنيد النمساويين أو الأوروبيين؟
- أولًا وقبل كل شىء، عادة ما ينكر أعضاء «الإخوان» والمنظمات المتأثرة بها أى صلة بالجماعة، لأنهم يعلمون أن النظر إليهم على أنهم ينتمون إلى تلك الجماعة، أو الاقتراب منها إلى حد ما، سيكون ضارًا لهم، لذلك يدعون أنهم ليسوا أعضاء بها.
ومن الناحية الرسمية، هذا صحيح بالنسبة لكثير من الذين لا يعرفون تكتيكات الجماعة، حيث لا توجد منظمة تسمى رسميًا «الإخوان المسلمون» فى أوروبا. لكن سيكون الفرد مخطئًا جدًا إذا نظر إلى جماعة «الإخوان» على أنها منظمة رسمية فقط، فلا بد أن ينظر إليها كحركة أيديولوجية تستخدم الدين كوسيلة للتأثير، وأنها تتجلى فى شبكة من العديد من المنظمات المستقلة رسميًا المتأثرة والمرتبطة بها.
تلك الجماعات تشترك فى رؤية عالمية تستند إلى وجهة نظر جماعة «الإخوان»، لكن أعيدت صياغتها من أجل التكيف مع الظروف الخاصة فى كل دولة أوروبية، وغالبًا ما تكون مغلفة بلغة حقوق الإنسان، ومصطلحات مثل «الاضطهاد» لجذب الاهتمام والتعاطف.
وهى تحاول تجنيد الأعضاء فى النمسا، أو دول أوروبا، عن طريق التفريق وغرس الكراهية، حيث يمكن القول إن تكتيكها الأكثر أهمية هو نشر رواية معيبة للغاية عن «إيذاء المسلمين الأوروبيين»، وغرس فكرة الانتماء إلى مجتمع «الأقلية المسلمة المضطهدة» التى تقع تحت الحصار.
إنها تحاول تعريف المجتمعات الأوروبية على أنها «معادية للإسلام» بشدة، وإن المجتمع الإسلامى بحاجة إلى اتخاذ موقف دفاعى ضد «الاعتداءات» التى تُزعم أنها تواجهها يوميًا. إنها تحاول دق «إسفين» بين المسلمين والمجتمع الأوسع الذين يعيشون فيه بالنمسا والدول الغربية، وبالتالى إضعاف التماسك الاجتماعى والاستفادة من التظاهر بأنها مدافعة عن المسلمين المضطهدين.
■ كيف انطلت هذه الحيلة على الغرب الذى سمح لـ«الإخوان» بالتسلل إلى مجتمعاته؟
- يحاول عناصر «الإخوان»، والمنظمات المتأثرة بها، تقديم أنفسهم فى النمسا وفى كل بلد على أنهم معتدلون و«ممثلو المجتمع الإسلامى»، على الرغم من حقيقة أن الغالبية العظمى من المسلمين فى أوروبا لا يدعمون أجندتهم.
لكن هؤلاء العناصر ومنظماتهم عادة ما يتفوقون بفارق كبير على منافسيهم داخل المجتمعات المسلمة الأوروبية، بسبب مهاراتهم التنظيمية ومواردهم المالية وطاقاتهم النشطة.
وهم يسعون إلى كسب ثقة الأوروبيين وقبولهم كشركاء مسلمين أساسيين للحكومات الأوروبية، وداخل النخبة الإعلامية، وبالتالى تلك العلاقة تعطى فوائد هائلة للإخوان والمنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين.
فهم يهدفون إلى تكليفهم بإدارة جميع جوانب الحياة الإسلامية فى أوروبا، خاصة فى قطاع التعليم، وأن يكونوا مؤثرين على السياسات وسن القوانين، وفى الوقت نفسه، يريدون استخدام هذا الموقف لتعزيز نفوذهم داخل المجتمعات الإسلامية وتعزيز إنشاء «هوية إسلامية» تتوافق مع فهمهم المشوه للإسلام.
■ هل توجد فى النمسا منظمات يمكن تصنيفها على أنها إخوانية؟
تحاول جماعات «الإخوان» فى النمسا وأوروبا إخفاء انتماءاتها، لكن هناك تنظيمًا تركيًا أصبح أكثر خطورة من جماعة الإخوان هو «ميللى جورش»، وهو وذراع قوية لـ«تركيا» ولديه رؤية عالمية متشابهة تماما مع الإخوان وميللي جوروش من الجماعات القليلة التي يمكن أن تضاهي خطورة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، يقود المجتمع الإسلامي في النمسا حاليا عضو سابق من جماعة ميللي جوروش التركية.

وهناك أيضًا المنظمات الخاضعة لسيطرة مديرية الشئون الدينية التركية «ديانت»، التى أصبحت فى عهد الرئيس، رجب طيب أردوغان، تقترب أكثر من الإسلام السياسي وتدير ديانت معظم المساجد في ألمانيا وتتبع توجيهات تركيا وتخدم مصلحة القيادة التركية وأجندتها.
■ خلال العمليات الأخيرة فى النمسا تم القبض على عناصر من «الإخوان».. فلماذا تسمح النمسا وأوروبا بدخول واستقبال أشخاص معروفين بانتمائهم للإخوان المسلمين؟
- معظم نشطاء «الإخوان» اليوم لم يدخلوا النمسا وأوروبا، لكنهم ولدوا هنا، فهم من نسل مهاجرين سابقين أو سريين. وبصرف النظر عن ذلك، فإن جماعة «الإخوان» ليست منظمة محظورة فى أوروبا، طالما أن أعضاءها لا يرتكبون جرائم، مثل دعم المنظمات الإرهابية كـ«حماس»، والمقاتلين الجهاديين فى سوريا، أو غسل الأموال لدعم هذه الجماعات، ولو لم يتم إثبات ذلك أو وجود شبهات حول أنشطتهم فسيظل وضعهم قانونيًا.
وفيما يتعلق بالمهاجرين الجدد، لا توجد عادة طريقة للتحقق من عضويتهم فى فروع جماعة «الإخوان» فى بلدانهم الأصلية، لأن «الإخوان» منظمة سرية للغاية، لا يرتدى أعضاؤها شارات عضويتهم على سواعدهم، عند التقدم بطلب اللجوء أو الجنسية فى الدول الأوروبية.
والأجهزة الأمنية الأوروبية مهتمة بالجهاديين ومنع الهجمات الإرهابية أكثر من اهتمامها بجماعة «الإخوان»، التى لا تعتبرها تهديدًا إرهابيًا.
■ كيف خدع رموز الإخوان مثل طارق رمضان ويوسف القرضاوى الغرب إذن؟
- نظرًا لأن السياسيين الأوروبيين يركزون فى الغالب على التهديد الذى يمثله الإرهاب والتطرف، فإنهم يفشلون فى رؤية التهديد الذى يمثله «الإسلاموية» التى تنشرها جماعة «الإخوان».
وبمجرد أن يدين شخص ما الهجمات الإرهابية وينأى بنفسه بصوت عالٍ عن تنظيمات إرهابية، مثل «القاعدة» أو «داعش»، فإنه غالبًا ما يكون المسئولون الأوروبيون على استعداد لرؤيته على أنه صوت «معتدل»، شخص قد يكون حتى «شريكًا فى النضال ضد التطرف»، على الرغم من أن معظم وكالات الاستخبارات الأوروبية تعتبر جماعة «الإخوان» تتعارض مع قيمنا الليبرالية وتشكل تهديدًا محتملًا لأنظمتنا الديمقراطية.
ومن أجل العثور على أصوات إسلامية «معتدلة» بارزة للتعاون معها، فإن بعض السياسيين الأوروبيين على استعداد تام للتعامل مع أشخاص مثل «رمضان» أو حتى «القرضاوى»، على الرغم من الاتجاه الآخر عندما نواجه باقتباسات توثق الجوانب الأكثر إشكالية فى نظرتهم الازدواجية للعالم.
■ ما اقتراحاتك كباحث ومسئول فى مركز أبحاث شهير متخصص.. وتوصياتك للتصدى لنفوذ «الإخوان» المتصاعد فى النمسا وأوروبا والشرق الأوسط؟
- يتعين على البلدان الأوروبية فهم التأثير السلبى لأنشطة «الإخوان» وتوسيع جهودها لتحديد شبكاتها وتنظيماتها على أراضيها، وعلى الدول التصرف بناءً على المعلومات الاستخباراتية التى تم جمعها والامتناع عن أى نوع من أنواع المشاركة مع الجماعة الإرهابية.
حيث لا ينبغى قبول المنظمات المرتبطة أو المتأثرة بجماعة «الإخوان» كمحاورة مع الجاليات المسلمة فى أوروبا، ولا ينبغى تكليفها بمهام مثل التدريب المهنى لمعلمى الإسلام فى المدارس العامة أو تعيين أئمة فى المؤسسات العامة، ولا ينبغى دعمها فى محاولاتها نشر نسختها من الإسلام داخل المجتمعات المسلمة.
علاوة على ذلك، لا ينبغى أن يُنظر إليها على أنها شركاء فى الكفاح ضد الإرهاب، فبدلًا من إطفاء نيران التطرف، تسهم فى تعميم سردية الضحية داخل المجتمعات الإسلامية التى تمهد الطريق لمزيد من التطرف.
ويجب التوقف فورًا عن توظيف «الإخوان» فى أنشطة «نزع التطرف»، هذا أمر مثير للسخرية.
وأيضًا يمكن وقف نفوذ «الإخوان» عن طريق مراقبتها وتتبع أنشطتها، كما حدث فى النمسا مؤخرًا، حيث كانت هناك خطوة جديدة لمراقبة جماعة «الإخوان»، وجماعات الإسلام السياسى بشكل عام فى النمسا، من خلال تأسيس مركز جديد لتوثيق ما يطلق عليه جماعات «الإسلام السياسى»، لمحاربة الفكر الخطير الذى تنشره مثل تلك الجماعات، ووقع الاختيار على الخبيرين مهند خورشيد، أستاذ علم الاجتماع والدين الإسلامى، ولورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن، لإدارة هذا المركز.