رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قمة العشرين.. بين أزمتين


على خير، انتهت أمس الأحد، أعمال الدورة الخامسة عشرة، لقمة قادة دول مجموعة العشرين، التى انعقدت بشكل افتراضى فى العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، واقتصرت أعمال القمة، التى كانت تشكّل فرصة للحوارات الثنائية بين قادة العالم، على جلسات مختصرة عبر الإنترنت حول القضايا الأكثر إلحاحًا: الرعاية الصحية، الاقتصاد الرقمى، الطاقة، التعليم، التغير المناخى، وتزايد معدلات عدم المساواة.
منذ اثنى عشر عامًا، التقى قادة دول «مجموعة العشرين» للمرة الأولى، لمواجهة الأزمة المالية، بعد أن أعلنت الدول الصناعية الكبرى الثمانى دخول اقتصاداتها مرحلة الركود التى حاولت جاهدة أن تتفاداها، وعليه، تم رفع مستوى المشاركة، فى القمة التى استضافتها واشنطن، فى ٥ نوفمبر ٢٠٠٨، أى فى أواخر أيام إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش، بالضبط، كما جاءت القمة الخامسة عشرة فى الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، ما لم يجد جديد.
جاءت هذه القمة، بعد قمة غير عادية، أو استباقية، انعقدت فى مارس الماضى، واتفقت خلالها دول المجموعة على ضخّ ١١ تريليون دولار «لحماية» الاقتصاد العالمى، والمساهمة بنحو ٢١ مليار دولار فى مكافحة وباء «كورونا المستجد»، الذى حصد أرواح أكثر من ١.٣ مليون شخص، وأصاب حوالى ٥٥ مليونًا. وخلال اجتماعات أمس وأمس الأول، جرى ما يمكن وصفه بأنه محاولة لإعادة تشكيل خريطة الأوزان السياسية والاقتصادية فى العالم.
الأهداف أو العناوين العريضة هى «تمكين الإنسان، الحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاقٍ جديدة»، وفى كلمته الافتتاحية، تحدث خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن الصدمة غير المسبوقة التى طالت العالم أجمع، بسبب وباء «كورونا المستجد». وأشار إلى «مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين للدول منخفضة الدخل». وأعرب عن ثقته فى أن تؤدى الجهود المشتركة خلال قمة الرياض «إلى آثار مهمة وحاسمة وإقرار سياسات اقتصادية واجتماعية من شأنها إعادة الاطمئنان والأمل لشعوب العالم».
البنك الدولى حذَّر، منتصف أكتوبر الماضى، من أن ١٥٠ مليون شخص قد يقعون فى براثن الفقر المدقع بحلول نهاية العام المقبل، وغير خيارات التصدى للوباء، تم إطلاق مجموعة من المبادرات للتخفيف من تداعياته على الدول منخفضة الدخل، وكان وزراء مالية دول المجموعة قد أعلنوا، الأسبوع الماضى، عن «إطار عمل مشترك» لخطة إعادة هيكلة ديون تلك الدول، وفى رسالة إلى زعماء «مجموعة العشرين»، دعا أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، إلى اتخاذ «إجراءات أكثر جرأة»، لتخفيف تلك الديون.
باستثناء الرئيسين الروسى والبرازيلى، قام كل القادة المشاركون فى القمة بتهنئة جو بايدن على «فوزه» المفترض فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعشية افتتاح أعمال القمة، أعربت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن أملها فى أن تجدد الولايات المتحدة التزامها بالنهج التعددى، فى مكافحة الوباء والتغير المناخى، بعد تسلم من وصفته بـ«الرئيس المنتخب» السلطة، غير أن الرئيس ترامب لم يلتفت إلى ذلك كله، وأعرب عن تطلعه إلى العمل مع قادة دول المجموعة «فى المستقبل ولفترة طويلة»، وأكد أنه قام بعمل «مذهل للغاية» منذ تولى الحكم، على الصعيد الاقتصادى وفى مواجهة الوباء.
كانوا يقولون إن أزمة ٢٠٠٨ المالية هى الأسوأ من نوعها منذ أزمة ١٩٢٩ المعروفة باسم «الكساد الكبير»، لكن كارثة هذا العام تفوقت على هذه وتلك فى درجة السوء، وجعلت الدورة الحالية هى الأصعب فى تاريخ قمم مجموعة العشرين منذ تأسيسها، ودفعت كثيرين إلى انتظار نتائجها أو بيانها الختامى، استنادًا إلى ثقل الدول المشاركة، التى تمثل ٨٠٪ من الناتج الاقتصادى العالمى، وثلثى سكان الكرة الأرضية، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية.
فى البيان الختامى للقمة، أعلن قادة الدول عن مد مبادرة تخفيف أعباء الديون عن الدول منخفضة الدخل حتى يونيو ٢٠٢١، وأشاروا إلى أن بعض الدول ربما تحتاج مساعدات أكثر من التجميد المؤقت لمدفوعات الديون الرسمية، وتعهدوا بتمويل التوزيع العادل للقاحات المضادة لفيروس «كورونا المستجد»، وبألا يدخروا جهدًا حتى يضمنوا وصول تلك اللقاحات لكل البشر بسعر يمكن تحمله، كما شددوا على التزامهم بالعمل على تخفيف تداعيات كورونا، وتعجيل الاستعداد لأى وباء، و... و... وإيجاد سبيل لفرض مزيد من الضرائب على شركات التكنولوجيا العملاقة.
المتغيرات فى قوى الإنتاج تؤثر على المدى الطويل، لكن تأثير الأزمات أو الكوارث يكون، عادة، من أسبوع لأسبوع، أو من يوم ليوم. وبين الأزمتين، أزمة ٢٠٠٨ المالية وكارثة ٢٠٢٠ الوبائية، اختلف شكل العالم، اقتصاديًا وسياسيًا، بدرجة كبيرة، وسنشهد بعد نهاية الوباء مزيدًا من التغيرات الخطيرة، حتى فى وجود إجراءات كافية أو قادرة على تجاوز، أو تخفيف، تبعاته.