رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بنات من ذهب


النجاح لا يأتى صدفة أبدًا.. إنه يحتاج لجهد كبير وكفاءة وجدية ومثابرة وإرادة قوية وعمل مستمر، وتنمية للذات وذكاء حاد وقدرة على تحدى الصعاب وبيئة حاضنة للنجاح. أما النجاح على مستوى العالم، فهو قصة أخرى تتطلب ما هو أكثر من ذلك كثيرًا، فيحتاج لقدرات استثنائية وعزيمة وذكاء وكفاءة ومثابرة وإبداع وابتكار وعمل وجهد متواصل ودءوب ورعاية ودعم كبير من البيئة المحيطة بالإنسان الناجح، وقوة شخصية وقدرة على مواجهة الصعاب المجهولة والتحديات غير المعلومة، أضف إلى ذلك الموهبة والذكاء المتقد.
أما الوصول للقمة، فإنه أصعب وأكثر مشقة، والبقاء على القمة يحتاج إلى شخصية استثنائية بكل المقاييس.. والنجاح على المستوى العالمى فى المجال الرياضى، وفى أى نوع من الرياضات، يحتاج إلى قدرات بدنية وذهنية خاصة وتدريب متواصل، ومدربين على كفاءة عالية وخبرة عالمية، وقبل هذا أسرة تدعم وتشجع وتساند وتنفق على ابنها أو ابنتها لبلوغ مستوى عالٍ من التدريب والتفوق الرياضى.
لهذا فإننى اليوم أجد أن فرحتى بفوز فتاتين مصريتين ببطولات دولية، هى فرحة مضاعفة للآتى:
■ أولًا: لأنهما فتاتان مصريتان قد حصلتا على بطولات دولية.
■ ثانيًا: لأنهما قد حصلتا على بطولات فى رياضتين قد أهملناهما طويلًا، وليس لهاتين الرياضتين اهتمام كبير على مستوى الدولة، أو على مستوى المدارس أو الجامعات، بل إن كلتا الفتاتين كان نجاحهما يعكس حالات استثنائية بسبب إرادة كل منهما للحصول على البطولة، واعتلاء كل منهما قمة البطولة الدولية، ولأن وراءهما أسرة «أمًا وأبًا» قاما بدعم قدرة كل منهما، وإيمانًا راسخًا بضرورة دعم موهبتهما الرياضية.
وانطلاقًا من هذا، فإننى أعتقد أنه من الضرورى أن تقوم الدولة بدعم ومساندة الرياضات المختلفة، المهمشة.. لأنه اتضح أن لدينا أبطالًا فيها استطاعوا أن يحققوا فوزًا مشرفًا ومبهرًا فى السباحة والتنس.. ولا يصح أن يكون ذلك حالات فردية فقط، أو لأسباب خاصة تعود لاهتمام الفتاة المصرية، وأسرة كل فتاة منهما فقط.
لا بد أن يكون هناك اهتمام من الدولة بالألعاب الرياضية بمختلف أنواعها بشكل عام فى المدارس والجامعات والأندية بكل المحافظات، وأن يكون ضمن خطة متكاملة ومدروسة لاكتشاف الكفاءات الرياضية ودعمها ورعايتها ومساعدتها فى الإنفاق على المتفوقين والمتفوقات رياضيًا.
إن أى بطلة مصرية دولية تتخطى كونها بطلة رياضية فقط، وإنما هى بمثابة سفيرة لمصر المتحضرة المستنيرة التى تؤكد أمام العالم أن مصر دولة متحضرة ومستنيرة، ترعى بناتها وتهتم بهن، وتدعم تفوقهن، إنها فى حد ذاتها بمثابة دعاية متنقلة لمصر المتقدمة فى العالم.
لكل ذلك وغيره، يجب أن نعى أن بطلاتنا جواهر ثمينة لا بد من الحفاظ عليهن وتقديرهن، وإعطائهن الدعم المعنوى والتحفيز والتشجيع والغريب المطلوب للمزيد من التفوق، كما أننى أعتقد أنه على الدولة وضع تخطيط لدعم واكتشاف البراعم الرياضية «بنين وبنات» منذ المدرسة الابتدائية.. وأن تكون لدينا أهداف واضحة توضع وتنفذ من أجل تمكين البنات من الرياضة وتدريبهن بشكل لائق ومناسب لميولهن الرياضية، فالرياضة ليست فقط هواية لتمضية وقت فراغ، إنما أيضًا حماية من آفات كثيرة ووقاية من أخطار التطرف والتشدد ومحاولات غسل مخ الشباب والشابات بأفكار عنيفة ومضللة تغيبهم عن الواقع، وتبعدهم عما يصون ويبنى أجسامهم وعقولهم.
أقول هذا لأنه أسعدنى كما أسعد المصريين وعشنا لحظات فرح بفوز بنتين مصريتين ببطولات دولية، الأولى هى فريدة عثمان، السباحة المصرية التى توجت بالميدالية الذهبية لبطولة أمريكا المفتوحة للسباحة فى سباق متر حرة بزمن قياسى هو «٢٥.١٠» ثانية، ما يعتبر إنجازًا تاريخيًا للسباحة المصرية رغم أزمة كورونا التى تجتاح العالم، التى أثرت على جميع الألعاب الرياضية.
وبعد الفوز قدم د. أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، التهنئة بعد التتويج للسباحة فريدة، كما قدم التهنئة أيضًا للاعب مروان القماش للتأهل للأوليمبياد، وهى ليست أول بطولة تحصل عليها فريدة التى سبق أن حصلت على عدة ألقاب منها:
«الفراشة الذهبية» لأنها حصلت على الذهبية من قبل، حيث تخصصت فى سباحة «الحرة والفراشة»، وحققت فيهما أرقامًا قياسية.. وهى أسرع سباحة فى مصر وإفريقيا، وتبلغ من العمر ٢٥عامًا، وفى عام ٢٠١٥ أحرزت الميدالية الذهبية فى ١٠٠ متر فراشة فى دورة الألعاب الإفريقية، وفى ٢٠١٨ فازت بالذهبية فى ١٠٠ متر فراشة فى ألعاب البحر المتوسط، كما حصدت لمصر إنجازًا رياضيًا فى ٢٥ أبريل ٢٠١٨، حيث حصلت على الميدالية الذهبية للبعثة الرياضية بدورة الألعاب الإفريقية المقامة بالمغرب فى سباق ١٠٠ متر فراشة فى زمن قدره ٧٩٫٥٨ ثانية فقط، وهى عضو بنادى الجزيرة الرياضى، كما سبق وفازت ولأول مرة بأول ميدالية فى تاريخها فى بطولات العالم للناشئين للسباحة، وهى حاملة الرقم القياسى فى الـ٥٠ متر فراشة.
ولابد قبل كل هذا أن أؤكد أن أول من دعمها هما والدتها ووالدها، بينما يدربها المدرب الأوكرانى فلاديمير هوستون، إنها تمتلك الإصرار والعزيمة لتحقيق حلمها ومعها أسرة تساندها وتدعم نجاحها وتواصل تحقيق حلمها، ومنذ بطولة لينا ببيرو ومنذ عام ٢٠١١حققت ٧ ميداليات ذهبية.
وعلى عكس ما يشاع من الرياضيات ليس لديهن اهتمام بمظهرهن فإن فريدة تهتم بالتسوق وشراء أدوات المكياج ونشرت صورًا لها لتؤكد مظهرها كفتاة مصرية جذابة وعصرية وأنيقة. أما البطلة الثانية، فهى أيضًا قد حصلت فى نفس الأسبوع على بطولة عالمية فى رياضة التنس، وهى ميار شريف التى حصلت على بطولة «تشارلستون للتنس فى أمريكا» بعد فوزها على اللاعبة البولندية كاترينا ديناران، المصنفة ١٢٥عالميًا، وهكذا كتبت ميار شريف التاريخ فى إنجاز تاريخى غير مسبوق للتنس النسائى فى مصر، الذى يُعد من الرياضات المهمشة التى لا تلقى اهتمامًا من الدولة، وكان قد سبق لها الفوز ببطولة إيطاليا فى مارس الماضى.. وقد أقيمت بطولة تشارلستون فى ولاية كاليفورنيا، وفازت ميار فى ٨ مباريات متتالية.
وهنا لا بد أن أتوقف لأقول إن رياضة التنس من الضرورى أن تلقى الاهتمام الكافى فى مصر، خاصة بعد أن تفوقت فيها بطلة مصرية مما سوف يشجع فتيات كثيرات على الاقتداء بها، فقد فتحت الطريق لتحقيق حلم التفوق العالمى لكل من تهتم برياضة التنس من بنات مصر.
كما أنها رياضة تحظى باهتمام دولى من الملايين من الجماهير والمشاهدين من الشباب والكبار، وتقام فيها بطولات دولية شهيرة تبث على أشهر القنوات الفضائية العالمية ليشاهدها الملايين من عشاق هذه الرياضة المتميزة دوليًا، كما يقبل آلاف من الناشئين عليها على المستوى الدولى.
إن اهتمامنا برياضة السباحة أو التنس، لا ينبغى أن يكون بعد فوز بطل لنا بجهد وإصرار وعزيمة منه ومن أسرته.. إنما ينبغى أن يكون لدينا اهتمام واسع بمختلف الرياضات التى هى مهمة فى بناء العقل والجسد للشباب والشابات منذ الصغر.
وأعود هنا إلى توجيه قام به الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث وجه بضرورة بناء الإنسان المصرى، وما الرياضة إلا أول دعامة فى بناء إنسان سليم جسديًا وعقليًا، قادر على المشاركة بكفاءة فى بناء مستقبل أفضل لبلدنا.