رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المصري للدراسات» ينشر دراسة حول مهام مجلس النواب الجديد

 المركز المصري للفكر
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية،

نشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تقرير عن أبرز مهام مجلس النواب 2021 المقبل، والعمل على تفعيل الحياة السياسية.

وجاء التقرير كالتالي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب (1 نوفمبر 2020)، التي أُجريت في 14 محافظة خلال يومي 24 و25 أكتوبر، وتتبقى نتائج المرحلة الثانية التي تضم 13 محافظة والتي تجري خلال يومي 7 و8 نوفمبر 2020.

و جاءت تلك الانتخابات بعد انتهاء انتخابات مجلس الشيوخ ممثلًا للغرفة البرلمانية الثانية، الأمر الذي دفع كثيرين لإثارة التساؤل حول الفارق الذي سيُحدثه هذا الزخم على الحياة السياسية في مصر.

ملاحظات أوّلية

تتخلل الحملة الانتخابية لمجلس النواب هذا العام، جملة من المتغيرات والتغييرات على الصعيد الميداني أو القانوني، يمكن حصرها في عدد من الملاحظات، أبرزها ما يلي:

على الصعيد الميداني، زيادة عدد المتنافسين في الانتخابات: قبلت الهيئة الوطنية للانتخابات أوراق أربعة آلاف وستة مترشحين في دوائر النظام الفردي، وثماني قوائم في الدوائر المخصصة لنظام القائمة، ضمت 568 مترشحًا.

زيادة عدد المرشحين المسيحيين: تقدّم للانتخابات العامة 19 مرشحًا مسيحيًّا، من بينهم كاهن كنسي، وهو ما يمكن عدّه انعكاسًا للإصلاح الذي تقدّمت به القيادة السياسية لإصلاح العلاقة بين المسيحيين والسياسة في مصر.

• المناظرات السياسية:

تقدّم عدد من المرشحين في الانتخابات بمبادرة عقد مناظرات سياسية مع المنافسين على نفس الدائرة من أجل عرض آفاق سياسية يمكن أن تجذب أصوات الناخبين، كان أغلب هذه المبادرات في دائرة المطرية، ولكن هذه الظاهرة لم تنصرف إلى عدد أكبر من الدوائر الانتخابية. 

دورات تدريبية: لم تنعزل اتحادات الشباب النوعية عن المشهد الانتخابي، بل بادرت بتقديم مبادرات تدريبية للشباب من أجل التوعية بكيفية المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية، وكذلك كيف يصبح الشباب أعضاء نقابة فعالين في نقاباتهم، وأبرز هذه الاتحادات كان الاتحاد العام لعمال الشباب التابع لوزارة الشباب والرياضة، ولكن هذه الظاهرة لم تنصرف إلى جميع الاتحادات النوعية المختلفة.

على الصعيد القانوني، مناصفة مجلس النواب بين القائمة والفردي: في قانون انتخابات المجلس النواب لعام 2014، كان المخصص لمقاعد الفردي 448، بالإضافة إلى 120 مقعدًا للقوائم، بالإضافة إلى 28 يتم تعيينهم من رئيس الجمهورية. لكن في التعديل الجديد للقانون تم تقسيم المجلس إلى نصفين متماثلين (248 مقعدًا للفردي، ومثلهم لمقاعد القائمة).

• زيادة نسبة "كوتة" المرأة: 

حصلت المرأة على نسبة 25% من البرلمان في التعديلات الدستورية الجديدة في 2019

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات كانت نسبة النساء في البرلمان المصري في عام 2012 هي 2%، ووصلت إلى 15% في برلمان عام 2015، والتي مثلت حينها أعلى نسبة تمثيل للمرأة على الإطلاق في تاريخ البرلمان المصري.

ومن الملاحظ أيضًا ترشيح زوجات الشهداء داخل القوائم المطلقة مما منح اعتبارًا لهذه الشريحة الجديدة من المجتمع المصري (أسر الشهداء).

• القائمة المُطلقَة: اتجهت الانتقادات من النخب القانونية في مصر لتفعيل نظام القائمة المطلقة في الانتخابات رغم وجود نظام "الكوتة" للفئات الاجتماعية مثل الشباب والمرأة.

ويبدو أن هناك حاجة لدى المجال العام في مصر لفهم مدى أهمية نظام القائمة المطلقة بالشكل الذي يبرر إقراره رغم الانتقادات التي وُجهت إليه.

• لماذا القائمة المُطلقَة؟

رغم الانتقادات التي وُجهت للإبقاء على نظام القائمة، يمكن عرض أبرز الأهداف التي تبرر الأمر وتدفعه باتجاه العمل على بناء حياة سياسية رشيدة في مصر، فيما يلي:

تقليل هوامش الخطأ في نسب التمثيل: لا تضمن القوائم النسبية تمثيلًا ملائمًا وعادلًا لجميع الفئات الاجتماعية المصرية، خاصة بالنسبة لفئة الشباب، حيث تلعب عوامل أخرى في تحديد اختيارات الناخبين مثل السمعة السياسية للمرشح التي تضعف بالنسبة للشباب بسبب حداثة عهدهم بالعمل السياسي؛ كما أنه ليس من الضروري أن يضمن الحزب أو نظام الكوتة وحده هذا التمثيل. 

ولذلك يستهدف نظام القائمة المطلقة تقليل هوامش الخطأ التي قد تحدث في تمثيل الفئات الاجتماعية الأهم تقريبًا في الحياة السياسية وهي فئة الشباب، الذين يمثلون بين سن 25 إلى 40 مجموع 26% من المجتمع المصري.

توحيد التيارات السياسية المختلفة: تشجع القائمة المطلقة على دمج مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية والأيديولوجيات المختلفة ضمن مظلة ائتلافية واحدة، فتدفع الأحزاب للمواءمة والاتفاق فيما بينهم من خلال المباحثات والتفاوض على تدشين قائمة واحدة تضمن لهم فوزًا انتخابيًا.

• محاولة لاختبار فكرة دمج الأحزاب:

طالما عانت الحياة الحزبية في مصر منذ 2011 من تضخم حزبي ملحوظ، أي زيادة عدد الأحزاب السياسية دون تقديم أدوار مجتمعية وسياسية تبرر هذا العدد الضخم. يُفسر ذلك الدعوات الصادرة عن رئيس الجمهورية لتعزيز ظاهرة الدمج الحزبي، أي ضم أحزاب متعددة في كيان سياسي واحد.

ربما يبرر ذلك وجود كيان سياسي صاعد، مثل تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التي تقدم هذا النموذج.

• خلق جبهة وطنية:

يأتي في آخر الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية في مسعاها لبناء الحياة السياسية هو خلق جبهة وطنية (أو صف وطني) يعمل على تحقيق مستهدفين اثنين:

(1) هو تعزيز التماسك المجتمعي للشعب المصري الذي يحول دون إحداث أي اختراقات ترمي إلى تشويش الوعي السياسي للمصريين.

(2) دفع المشروعات القومية قدمًا، وتحييد كافة العراقيل التي يمكن أن تجابهها لعوامل أيديولوجية متناحرة؛ ومن ثم الوصول إلى الهدف النهائي وهو بناء “الدولة الوطنية”، أي الانتقال إلى عمليتي التحديث والتنمية.مستقبل أداء مجلس النواب القادم.

يُنتظر من البرلمان القادم فتح ملفات عالقة، ومشاريع قوانين تم إرجاؤها، واستكمال بنية تشريعية والتزامات دستورية، وغيرها من نقاط التماس بين الحكومة والبرلمان.

هناك ما يقرب من خمسين قانونًا تنتظر مناقشة نيابية من أجل سنها (مثل: قانون الأحوال الشخصية، وتنظيم الإفتاء، وقانون الإيجار القديم، والإجراءات الجنائية، والهيئات القضائية، وإنشاء مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية، يقوم على شئونها المشتركة). وربما من أهم هذه القوانين، هو قانون المحليات، أو قانون الإدارة المحلية.

• ما هي أهمية قانون المحليات؟

يُرجح ترتيب قانون المحليات ضمن الأولويات الأولى في أجندة البرلمان، كون انتخابات الإدارات المحلية هو الاستحقاق الدستوري الثالث والأخير ضمن مشهد الحياة السياسية في مصر.

كما تعد الإدارات المحلية هي الضلع الثالث في مثلث السلطة التنفيذية بعد الرئيس، والحكومة، بخلاف أنّ الدولة المصرية وجّهت بتضمين الإدارات المحلية سلطة لا مركزية، أي لها استقلالية نسبية في سلطة اتخاذ القرار. بخلاف أن وجّه رئيس الجمهورية بأنها ستكون منصة مهمة للمشاركة الشبابية فيها.

لم ينجح البرلمان المنتهية ولايته في سن قانون الإدارة المحلية، بسبب رفض الأحزاب والائتلافات مناقشته لتضمنه مواد غير منطقية، حسب روايتهم، وكانت أبرز ملاحظات الأحزاب على القانون:

أن الأحزاب لن تستطيع خوض انتخابات برلمانية ومحلية في عام واحد.

أن المدن الجديدة لا تخضع للإدارات المحلية بل لوزارة الإسكان، وبالتالي يتعين لها مجلس أمناء وليس مجلس محلي، ويكون بالتعيين. ولكن عالج ذلك وزير الإسكان بإقراره تشكيل مجلس الأمناء بالانتخابات وليس بالتعيين، على أن تحتفظ الوزارة بتبعية المجتمعات العمرانية الجديدة لها.

أن القانون يمنع وصول من هم أقل من 35 سنة إلى منصب المحافظين والنواب، وهو ما يتنافى مع توجه الدولة.

الاعتراض على تعريف مشروع المحليات بفئة الفلاحين والعمال فقط، وحملة المؤهلات الدنيا.

وهو ما يتعارض مع توجه الدولة بتمكين حملة المؤهلات العليا.كان الاعتراض أيضًا على نظام الانتخاب، حيث ترغب الأحزاب أن تكون بالقائمة المطلقة بنسبة 100% للمقاعد، وليس كما ذكر القانون بأن تنقسم المجالس بين 25% للفردي، و75% للقائمة. وكان مبرر النظام المذكور في القانون أنه قد يفتح لعودة تيار الإسلام السياسي.

إجمالًا، يمكن القول إن التفاعلات الملحقة بالمشهد الانتخابي لمجلس النواب ستسهم في استكمال مشروع الدولة المصرية في بناء حياة سياسية رشيدة من أجل تحقيق مستهدفها الاستراتيجي وهو بناء الدولة الوطنية، أي الانتقال إلى مرحلة التحديث والتنمية.