رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلطة والفوضى


معظم الرؤساء يعتقدون أنهم وحدهم القادرون على ضبط إيقاع الشعوب، ويهددون شعوبهم بأن الفوضى ستعمّ بعدهم. فى ٦ مايو ٢٠١٠، بعد عودته إلى القاهرة من رحلته العلاجية فى ألمانيا، حذّر الرئيس الأسبق حسنى مبارك قادة المعارضة من مخاطر الفوضى فى محاولاتهم إحداث إصلاحات وتغييرات فى البلاد.
وفى ٢٠١١، كرر مبارك نفس التهديد، وهناك من ينفى أن مبارك قد صرّح بهذا مباشرة، وذلك بعد أن تابعنا اللحظات الأولى من مقدمات تنحى الرئيس مبارك عن السلطة، وسط هدير الملايين فى ميدان التحرير وجميع ميادين العاصمة، لم نكن نتصور أن هذا الرجل يمكن خلعه أو تنحيته، وكان أقرب السيناريوهات المطروحة هو أن يتنحى لصالح ابنه، الذى هيأه وأعده لحكم مصر.
وجاء الرئيس الإخوانى مرسى، ورفض فى حوار خاص وحصرى لصحيفة «الجارديان» البريطانية دعوات المعارضة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، قائلًا: لن أتسامح مع أى انحراف عن النظام الدستورى، وأضاف أن استقالته فى وقت مبكر من شأنها أن تقوض شرعية من يخلفه، كما ستخلق فوضى لا نهاية لها. كما كشفت تسجيلات مسربة لرئيس مكتب الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، عن أن تركيا راهنت على الفوضى فى مصر بعد عزل الرئيس المصرى الأسبق محمد مرسى إثر ثورة شعبية فى ٣ يوليو ٢٠١٣.
ونشر موقع «نورديك مونيتور»، الذى يهتم بقضايا الإرهاب والتطرف، تسجيلات تشير إلى أن أردوغان توقّع عودة تنظيم الإخوان بشكل كبير إلى مصر بعد ٣ أو ٥ سنوات من عزل مرسى.
وهو نفس ما ردده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ردًا على اتهامات الديمقراطيين له بأنه زعيم فوضوى وغير أمين، قائلًا إن الديمقراطيين من سيجلبون الفوضى إلى الولايات المتحدة فى حال أصبح جو بايدن رئيسًا.
ومنذ أيام، قال ترامب إن الديمقراطيين، وليس هو، من سيجلبون الفوضى إلى الولايات المتحدة إذا أوصلت انتخابات نوفمبر جو بايدن إلى مقعد الرئاسة فى البيت الأبيض.
وكان جورج دبليو بوش الابن قد أعلن فى بداية توليه الرئاسة الأمريكية، فى عام ٢٠٠٠، عن أنه سيعمل على نشر الديمقراطية فى العالم، وسيبدأ بمنطقة الشرق الأوسط، وخص العالم العربى بها، وقتها قال إنه يتمنى إزاحة أباطرة الشرق.
الفوضى كانت فكرة خبيثة راودت مفكر أمريكى، بريطانى الأصل، هو برنارد لويس، بضرورة نشر الفوضى فى منطقة الشرق الأوسط، وتبنت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس تنفيذ الفكرة على الأرض فى معظم الدول العربية.. كانت نظرية برنارد لويس تعتمد على فكرة نشر الفوضى بإجبار الزعماء الديكتاتوريين على التنحى عن الحكم دون بديل، وعندما ينهار الزعيم تنهار معه دولته، وتنهار بالتالى سلطاتها ومؤسساتها، ومن توابع تلك الفوضى ستظهر نزاعات عرقية وطائفية، تلك النزاعات هى التى ستتولى تقسيم الدولة التى سقط زعيمها إلى دويلات صغيرة يحكمها متطرفون.
كانت الفكرة التى تبناها المفكرون الغربيون عن الحكام الجدد أنهم سينغمسون فى الأصولية الدينية، وسيفرحون كثيرًا، مع أتباعهم، بتطبيق الشريعة الإسلامية فى الدويلات التى يحكمونها، وسيكون المقاتلون هم الحكام، أما أنصارهم من الشيوخ فستكون مهمتهم مراقبة تطبيق الشريعة.
لقد تم تطبيق تجربة تلك الفكرة فى أفغانستان، وتمت إزاحة الخطر السوفيتى، وتولت جماعات عبدالله عزام، التى عُرفت باسم «القاعدة» فيما بعد، تنفيذ هذا الأمر، وبعده تم تصدير فكرة الأصولية الإسلامية إلى دول البلقان التى استقلت فيما بعد عن الاتحاد السوفيتى، وكانت الثورة الشيشانية والكرواتية من أجل زعزعة استقرار الاتحاد السوفيتى وتفكيكه، وقد كان.
وبعد أن أدركت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب خطورة تلك الجماعات، بدأت تفكر لها فى طريقة لإلهائها عن دول أوروبا وأمريكا، والدول الإفريقية، فكانت فكرة مساعدتها فكريًا وعسكريًا وماليًا على اقتحام الدول الكبرى فى المنطقة، ومنها العراق وسوريا ومصر، وصدّرت لها فكرة الفوضى الخلاقة.