رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب ومسئوليته الإنسانية



تكررت أحاديث الإعلام وأصحاب الرأى حول المسئولية المجتمعية لرجال الأعمال وأصحاب المشاريع الاستثمارية الكبرى، وأهمية أن يعوا دورهم الإنسانى التكافلى تجاه أبناء مجتمعاتهم لدعم وإفشاء حالة سلام اجتماعى، وأيضًا للمساهمة فى تحقيق التنمية والشعور بوجود مظلة وطنية واحدة على أرض وطن واحد يجمعنا فى حالة اندماج وطنى.
لقد تذكرت تلك المعانى وأنا أقرأ مقالًا لكاتبة كبيرة على صفحات واحدة من جرائدنا اليومية السيارة، وبنهج وأسلوب لم نعهده منها حول مشاعر الخوف والقلق والتوجس التى تنتابها من كل ما هو متوقع قدومه دون إبداء أسباب أو إعلان مؤشرات دالة.. لأسأل هنا: لماذا لا نتحدث أيضًا عن دور الكاتب والمفكر فى بث الروح والطاقة الإيجابية الداعمة لنشر حالة السلام الإنسانية بين البشر، بل وزرع بساتين الأمل؟، وحتى عندما يمتلك الكاتب مشاعر الضيق والغضب، فأرى أهمية إعلان دوافعه المنطقية، أما مباغتة القارئ بالحديث عن أعراض الاكتئاب ونشرها بشكل مجانى على صفحات الجرائد، ومواطننا المسكين- كما كل البشر فى الدنيا فى تلك الآونة- يعيش مع «كورونا» تفاصيل محزنة، لتضيف إليه الكاتبة ذلك الاستعراض المحبط لتفاصيل أحزانها المرضية المبهمة- فالأمر غريب!
معلوم أن الخوف حالة طبيعيّة فسيولوجية ونفسية لدى الإنسان، ووجوده ثابت فى فطرته منذ مولده، لكن مقدار الخوف وشكل التعبير عنه ومساحته عند وقوع الحدث المثير والمسبب لوجوده، تختلف من شخصٍ إلى آخر، تبعًا لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الشىء الذى سبّب الشعور بالخوف له.
وحول الخوف والخوف من الخوف وسنينه وأيامه، كنا على موعد مع ذلك المقال السوداوى الصعب غير المتوقع أن تصطدم به عيونك عزيزى القارئ (على غيار الريق) بعنوان «يوميات الخوف»، وإليك أقدم اعتذارى لاضطرارى عرض بعض سطور مقدمة المقال لمَن لم تصافح عيونه سطور الاكتئاب وحروف الألم من معاناة الكاتبة من الخوف من «الخوف» ذاته، بكل جرأة عرض (لم أرها على أى كاتب نكدى محترف) ولا أعرف مصدرها ولا كيف تكونت لديها كل تلك الشحنات السلبية، مما جعلها تقرر بكل بساطة فرد أجنحة العكننة وإسدال ستائر اليأس والقنوط، ودون سبب معلن واضح لتقذف بها جميعًا فى وجوهنا!!
كتبت بحروفها الدامعة المحبطة: «أبدأ يومى بإحساس شديد من الثقل، فاليوم فارغ ولا شىء هناك لأفعله.. ساعات طويلة تمضى ثقيلة، أشعر وكأننى أزيح الساعات لتمر وهى تأبى أن تمر، بل هى ثقيلة كالحجر..»، وفى فقرة أخرى «لماذا يبدو الأمس مبهجًا، بينما يبدو الغد مليئًا بالاحتمالات الصعبة؟.. هل هو الخوف من الغد؟ هل هو التحسب منه؟ هل هو خشية أن يأتى بالشر؟ لماذا يبدو الغد دائمًا مليئًا بالاحتمالات السيئة وليس بالاحتمالات الجيدة؟.. لماذا أخاف الغد وأحسب حسابه؟ لماذا يبدو الغد مخيفًا لى؟ لماذا كل هذا الخوف من الغد؟»، وفى مقطع ثالث «أعانى من الخوف من اختطاف الأحباب، هو خوف يطاردنى دومًا، فأنا مطاردَة دائمًا بأن أفقد مَن أحب، وهو خوف يطاردنى بشكل دائم ويتشكل فى شكل أحداث وكأنها تجرى بالفعل..».
وأيضًا قالت: «أنا لا أستطيع أن أستقل سيارة دون أن ينتابنى إحساس شديد بالخوف.. الخوف من أن تصطدم السيارة بسيارة أخرى.. أظل أجلس عند مقدمة السيارة بفعل الإحساس بالخوف الذى ينتابنى، ومهما طال المشوار أظل أشعر بنفس إحساس الخوف..».
وتسترسل الكاتبة فى عرض مخاوفها السيكوباتية الصباحية والمسائية.. أعود وأسأل عن المسئولية الإنسانية التى ننتظرها من جانب الكتّاب وأهل الإبداع الفنى وأدوارهم فى إشاعة الطمأنينة والسكينة لدى المتلقى، لتشيع حالة يمكن أن تكون معادلًا موضوعيًا لأحوالنا بمناسبة جائحة النكد العام، بل وبسط حروف البهجة ومشاعر السعادة فيه بدلًا من سكب كل تلك المعلقات النثرية المحبطة؟!
فاكرين صلاح جاهين لما قال:
سهير ليالى وياما لفيت وطفت
وف ليلة راجع فى الضلام قمت شفت
الخوف.. كأنه كلب سد الطريق
وكنت عاوز أقتله.. بس خفت
لكنه أيضًا مَن قال لنا:
الدنيا بمبى وقَفِل لى على كل المواضيع.