رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا




كان للتجارة وطرقها دور أساسى فى نشر الإسلام.. فقد حمل التجار المسلمون الإسلام معهم، فكانت سفنهم مليئة بالبضائع الثمينة، وقلوبهم عامرة بمبادئ الإسلام التليدة.. فعرضوا على شعوب جنوب شرق آسيا وإفريقيا، وغيرها، بضائعهم بألسنتهم وعرضوا عليهم الإسلام بسلوكهم وأخلاقهم.
وقد أثرت أخلاقيات التجار المسلمين فى نفوس أهالى هذه البلاد، أيما أثر، فعلموا بأن وراء هذا الخلق الكريم فى العبادات والمعاملات دينًا عظيمًا، هو الإسلام.. فبادل أهالى جنوب هذه المناطق التجار المسلمين بضائعهم، وأخذوا من هؤلاء التجار بضائعهم وإسلامهم.. فأقبلوا على الإسلام أفرادًا وجماعات، حتى اشتد ساعد الإسلام فى هذه البقاع، وتكونت ممالك وسلطنات إسلامية، كان حكامها هم أهل البلاد من السكان الأصليين، ثم تولت هذه الممالك مهمة نشر الإسلام فى الأماكن المجاورة، التى لم يكن قد دخلها الإسلام بعد.. وهكذا، ينتشر الإسلام بين الناس.
(كان خُلقُه القرآن).. هذا ما وصفت به السيدة عائشة، رضى الله عنها، نبينا الكريم.. فقد عَمل بكل ما كان يدعو إليه، بل كان، صلى الله عليه وسلم، تجسيدًا للرسالة نفسها.. فكل آيات النعم، والأخلاق، والجمال تجسدت فى صورته.. فعندما يقول الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [سورة فصلت، الآية رقم ٣٤]، فإنه فى مثاله نجد كيف نتسامى عن كل شرٍ قد نواجهه، لا سيما تجاه مُظهرى العداوة لنا.. والشر هنا أمر نسبى.. وكذلك ردة فعلنا تجاهه.. وتأسيسًا على ذلك، فكل حادث فريد مر به النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يتطلب ردة فعل أيضًا.. لكن الثبات الذى اتخذه النبى، كان هو الأنبل والأرقى تجاه كل حادثة.. وهو ما جعله، عليه الصلاة والسلام، مُستحقًا لكل توقير ومهابة وإجلال.
أقول هذا، لمن أراد خلط الأوراق بشكل مقصود.. متطرف أساء لرسولنا الكريم، فى رسم كاريكاتورى وعرضه متطرف آخر، فقام متطرف على الجانب الآخر بذبحه.. كل ذلك، داخل منظومة تحمى حق التعبير، وبناء قيمى، قد نختلف معه، ولكنا لن نستطيع تغييره، بمزيد من التطرف المضاد والصدام.. لكن الأولى بالانتباه، ألا يُنسينا كل هذا جرائم أردوغان والإخوان، فى حق كل ما هو مسلم عقيدة، والرسول والمسلمين.
لقد أراد الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أن يضرب عصفورين بحجر واحد.. العصفور الأول أن يثأر من الرئيس الفرنسى، ماكرون، بعد أن صوب سهام النقد للمتأسلمين من الإخوان والإرهابيين، ويقف لتركيا بالمرصاد فى شرق المتوسط وضد تهديداته لليونان وقبرص، ونشر أردوغان المرتزقة فى ليبيا.. ولم ينس الخليفة الواهم، وقفة فرنسا إلى جانب مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو، وما قدمته لها من تسهيلات، وما أمدتها به من السلاح المتقدم، من حاملات الطائرات، وطائرات الجيل الرابع والفرقاطات والذخائر، وأسلحة مقاومة الإرهاب، فضلًا عن الدعم السياسى اللامحدود فى مختلف القضايا، التى تكون مصر طرفًا فيها.. أما العصفور الثانى فهو تخفيف الضغط الاقتصادى الواقع على تركيا، جراء حملة المقاطعة العربية، وبخاصة فى المملكة العربية السعودية، لبضائعها، وما شهدته عملتها من انهيار حاد.. فإذا أردت لقوم أن ينسوا أمرًا، فأشغلهم بأمرٍ جديد.. وهكذا، خفت صوت الدعوات العربية لمقاطعة المنتجات التركية، أمام حملة مقاطعة البضائع الفرنسية.
علينا أن نعى أن المسلمين يعيشون فى العالم الغربى على إيقاع تنامى الإسلاموفوبيا (رُهاب المسلمين).. وتعود جذور الأزمة إلى جملة عوامل، منها ظهور داعش، ومنها سلوكيات المسلمين أنفسهم، دون أن ننسى الاستغلال السياسى لهذه الظاهرة.. فقد لاحظ الأستاذ فى الجامعة الأمريكية بواشنطن، إدمون غريب، أن (المشاعر العدائية تجاه العرب والمسلمين لم تبدأ بعد ظهور داعش، بل بدأت بعد اعتداءات ١١ سبتمبر فى نيويورك، التى ولّدت نوعًا من ردة الفعل ضد العرب والمسلمين، حتى إن أشخاصًا قُتلوا بسبب أشكالهم، وكان أول ضحية مصرى قبطى).. هذه المشاعر ازدادت بعد صعود تنظيم داعش، الذى ولّدت ممارساته انطباعًا لدى كثيرين، بأن المسلم غير متسامح ويرفض الآخر، صار كثيرون ينظرون إلى الإسلام كمعتقد يدعو إلى الوحشية، إلى جانب حب المسلم لسفك الدماء، على أساس الهوية، حتى ولو كانت إسلامية، لكنها تختلف مع جماعته، فى كيفية المُعتقد.. إذن، فإن داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة، شوهت صورة المسلمين، وتتحمل المسئولية الأساسية عن تنامى التيار الإسلاموفوبى، الذى يعبر عن نفسه بأشكال من الممارسات، مثل استهداف المساجد بزجاجات حارقة، أو بالكتابات المسيئة على جدرانها، أو بوضع رءوس خنازير على أبوابها.
هنا.. يبرز دور بعض الجماعات الغربية، مستفيدة من هذه الحالة، وتسعى إلى زيادة الاحتقان القائم بين الشرق والغرب.. وهنالك جماعات يمينية مسيحية، لا تتكلم باسم المسيح والإنجيل اللذين يدعوان إلى حب غير مشروط، بل تستخدم كليهما فى بث الحقد ورفض الآخر.. بالإضافة إلى أن الإعلام الغربى جزء من المشكلة.. فهو يتحدث فقط عن الأحداث التى تؤدى إلى رسم صورة سلبية للمسلمين، ولا يتحدث عن الإيجابيات. كما لا يعطى فسحة للأشخاص المعتدلين، للحديث عن القيم الجميلة، التى يُنادى بها الإسلام.
إذن هى تقاطعات متشابكة، لا نتعامل معها بالعقل، لكن تقودنا فيها.. عاطفة القطيع!
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.