رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما تتفتح مواهب ذوى القدرات الخاصة


مع اقتراب اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة يوم ٣ ديسمبر، الذى يحتفل به العالم، خاصة الدول الموقعة على اتفاقيات منظمة الأمم المتحدة المعنية بحقوقهم- يشهد العالم تزايدًا بمستوى الوعى بقضيتهم فى إطار التنمية.

ومن المؤكد أن الاهتمام بهم بشكل دولى بدأ فى سنة ١٩٩٣، حينما أعلنت منظمة الأمم المتحدة عن أن يوم ٣ ديسمبر من كل عام هو اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة، لزيادة الفهم نحو قضايا الإعاقة، ولضمان حقوقهم واندماجهم فى مجتمعاتهم، أما فى مصر، فبدأنا الاهتمام بهم بشكل فردى، خصوصًا لسيدات تمت رعايتهن بشكل علمى، ودعم احتياجاتهن، وعدم تهميشهن فى المجتمع.

وقد لمست بنفسى، من خلال تواصلى ووجودى داخل العمل الاجتماعى والخيرى فى بلدنا، الذى بدأته منذ سن صغيرة مع أولى خطواتى فى دنيا الإبداع والكتابة- أن هناك جهودًا فردية لافتة للنظر من أجل توفير تعليم ورعاية لهم.

ومن الرائدات فى هذا المجال التربوى الراحلة القديرة ماجدة موسى، التى خصصت لذوى الاحتياجات الخاصة فصولًا ليتعلموا كبقية الأطفال فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، عند تأسيس مدرسة مصر للغات التى كانت تديرها بنجاح، ولينالوا حظهم فى التعليم كبقية الأطفال.
وكنت ألمس اهتمامها بهم وبرعايتهم، لأنها كانت المدرسة التى ألحقت بها ابنى وابنتى للتعليم منذ نشأتها، وحرصت ماجدة موسى على أن تطلعنى على الفصول التى جهزتها للتلاميذ من ذوى الاحتياجات الخاصة، وكانت تفخر بدورها الرائد هذا فى رعايتهم.

ومن وسط جمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلى، رأيت سيدة أخرى من سيدات العمل الاجتماعى هى نانى صالح، تؤسس مدرسة خاصة بذوى الاحتياجات الخاصة من خلال جمعية «الحق فى الحياة» منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضى، التى ترأسها حتى الآن، ومعها فريق عمل يواصل جهده فى هذا المجال.

وهكذا فإن الاهتمام فى مصر بدأ بجهود فردية، ثم بدأ يتسع قليلًا قليلًا مع تزايد الاهتمام بهم، إلى أن رأينا نقلة نوعية كبرى، تمت فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قرر تخصيص عام ٢٠١٨ لذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر، حيث وجه بضرورة الاهتمام برعايتهم ودعمهم.
ومن الجهود الفردية التى بدأت بفريق عمل تطوعى صغير فى بلدنا جهد متميز تابعته وشاركت باختيارى فى إحدى لجان التحكيم الفنية به فى العام الماضى، ورأيته يتطور ويكبر ليصبح دوليًا، ويهدف لاكتشاف المواهب الفنية لذوى الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من إعاقات متنوعة ومختلفة، وفى حاجة إلى رعاية مستمرة.

كما أسست خبيرة المهرجانات القديرة سهير عبدالقادر فى سنة ٢٠١٦ الملتقى الدولى «أولادنا» الذى أقيمت دورته الأولى تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المسرح الكبير بجامعة القاهرة، ولمدة عامين، ثم انطلقت الدورة الثالثة من المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.

وهذا الملتقى كما رأيت من دورته الأولى استطاع أن يكون منبرًا لاكتشاف وتقديم مواهب وبراعم فنية فى: الموسيقى، والغناء، والشعر، والرسم من ٣٤ دولة، وفى تقديرى أنه هذا العام قد أقدم على خطوة لافتة للنظر كانت فى رأيى فى حاجة إلى شجاعة كبيرة فى ظل انتشار جائحة كورونا فى العالم، ومجيئها إلى بلدنا، فقد انطلقت دورته الرابعة من المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية تحت رعاية الرئيس السيسى وتحت شعار «وحشتونا» لتحمل رسالة للعالم بأن مصر فى أمان، وهى تسبق الدول الأخرى فى خطواتها، حيث تقوم باكتشاف المواهب الفنية لذوى الاحتياجات الخاصة وترعاها وتقدمها بشكل فنى راقٍ ممزوج بالبهجة والأمل، حيث أقيمت ليلة انطلاق الدورة الرابعة على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية منذ أيام قليلة فى ظل جائحة كورونا، التى تمت مع اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية المطلوبة لحماية المشاركين والمشاهدين.

وبالإضافة لفعاليات الحفل الفنى والاستعراضات الفنية فى ليلة الافتتاح، قدم الملتقى الدولى «أولادنا» عروضًا فنية فى الشوارع بالأوتوبيس المفتوح، كما أقام ورشًا عديدة فى الرسم والشعر، ومسابقات متنوعة.

ولا شك أن رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، هى مهمة نبيلة، سواء لأسرة الطفل أو للمدرسة أو للدولة أو لمؤسسات المجتمع المدنى، لأن ذوى الاحتياجات الخاصة تتطور قدراتهم، وتنمو من خلال الاهتمام والرعاية، والحب، والتدريب، وهى كلها عناصر لتتفتح مواهبهم وتمكنهم من الاندماج فى المجتمع.
إنهم أولاد وبنات فى عمر الزهور، يكتشف أهلهم أنهم يعانون من احتياج ما فى جسدهم، وأن عليهم أن يقوموا بجهد مضاعف أكثر من أى أهل آخرين فى مساعدتهم وفى رعايتهم.

وأحيانًا يكون الأطفال فى احتياج كبير للدعم المعنوى المستمر، مما يبث فيهم الأمل فى الحياة، ومن ناحية أخرى فلا بد أن أذكّر القارئ بأن عدد ذوى الاحتياجات الخاصة كبير فى مصر، كما كشف ذلك لنا جهاز التعبئة العامة والإحصاء سنة ٢٠١٧، حيث يصل عددهم إلى ١٠٫٦ مليون مواطن، وأن أكبر عدد يوجد فى محافظة المنيا، تليها القاهرة ثم أسيوط، وفى ٢٠١٧ أصدر البرلمان المصرى قانونًا خاصًا بذوى الاحتياجات الخاصة وحقوقهم.
ولا شك أن اكتشاف المواهب الفنية والتعرف عليها وتشجيعها عامل مهم جدًا فى شحذ هِمم الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة، وبث الأمل والبهجة فى حياة أفضل فى نفوسهم.
كما كان من اللافت للنظر فى الدورة الرابعة للملتقى فى حفل الافتتاح أنه تم بحضور د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، ود. خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، والسيدة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، ونيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، ود. مجدى صابر، رئيس مجلس إدارة دار الأوبرا المصرية، وشخصيات عامة وإعلاميين، وكُتاب وسيدات من العمل الاجتماعى والأهلى.
وكل هؤلاء اجتمعوا فى أمسية واحدة مما يعكس تزايدًا فى دعم قضية ذوى الاحتياجات الخاصة، واندماجهم فى المجتمع، ومما يشجع أهالى الأطفال والأولاد والبنات على تنمية مهاراتهم، ويشحذ همهم بشكل عام، وفى تقديرى أن ما قدمه أطفال وفتيات وفتية مؤسسة «أولادنا» تحت شعار «وحشتونا» هو فى حاجة إلى تحويله لواقع ملموس بإنشاء أكاديمية فنية كبير مخصصة لإبداعهم، ولتشجيع غيرهم على الالتحاق به.
كما أن تقديم عروضهم الفنية على نطاق أوسع هو عامل فى الترويج السياحى لزيارة بلدنا ذى الحضارة والعراقة، وكل أنواع الفنون لذوى الاحتياجات الخاصة، أيضًا رأينا مثلًا على مسرح دار الأوبرا فتى عمره ١٢ عامًا يعزف بقدميه مقطوعات موسيقية على الأورج أمامه على أرض المسرح، وآخر عمره ١٢عامًا يعزف الكمان، كما أبدعت الجميلة صاحبة الصوت الرائع هديل ١٤سنة فى أغانى أم كلثوم بمهارة وإتقان، وشاركت معهم على المسرح المطربة أنوشكا فى لوحة استعراضية ذات إيقاع يبث الأمل فى نفس كل من لديه إعاقة أو مشكلة جسدية بأن هناك أملًا فى أن يستطيع أن ينمى مهاراته وموهبته، وأخرج العرض المخرج الموهوب وليد عونى، كما تم تكريم عدد ممن أسهموا فى دعم «أولادنا»، مؤلف الأغانى المتميز أمير طعيمة، والمنتج هشام سليمان، والفنانة إلهام شاهين التى لها فيلم تقوم به بدور شابة من ذوى الاحتياجات الخاصة.

وقبل هذا، ومع اقتراب اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة، فأرى أننا ما زلنا فى حاجة إلى توسيع دوائر نشر الوعى لدى المواطن العادى بضرورة دعم ذوى القدرات الخاصة، وأن نتمكن يومًا من أن تكون لدينا تسهيلات فى الشوارع، مخصصة لهم وفى الأندية ومراكز الشباب أيضًا، وإنشاء مركز للإبداع لتنمية مهاراتهم وتشجيعهم على تنفيذ منتجات فنية على نطاق أكبر.
وهُم قبل هذا فى حاجة إلى الإحساس بأنهم متميزون، وأن المجتمع يهتم بهم ويعمل على دمجهم شيئًا فشيئًا، ومن الضرورى أن تكون لدينا فصول فى كل مدرسة لتعليمهم ولإفساح مكان لهم للتدريبات الرياضية والفنية والعلمية، وينبغى أيضًا من وسائل الإعلام وبرامج «التوك شو» أن تفسح ولو بعض الوقت لنشر الوعى بين المجتمع بأن ذوى الاحتياجات الخاصة ليسوا فى حاجة إلى العطف، بقدر ما هُم فى حاجة إلى الدعم المعنوى، وبث الأمل فى نفوسهم بأن المجتمع ككل يساندهم ويساند مواهبهم.