رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتخابات الأمريكية.. بوابات الجحيم «2»


عرضنا فى المقال السابق لقسم من تقرير تحليلى صدر فى العاصمة الأمريكية يوم ٢١ أكتوبر المنصرم، عن «مركز الدراسات العربية والأمريكية»، تحت عنوان: «حرب أهليّة أمريكية: السيناريو المُحتمل والأدوات!».
والتقرير يُناقش، كما يبدو من عنوانه، احتمالات تفجُّر حالة من الاحتراب الأهلى، فى أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب عدم قبول أحد أطراف العملية الانتخابية على موقع رئيس الدولة، لنتائجها النهائية، وهو هنا على الأرجح «دونالد ترامب»، بسبب مؤشرات عديدة، فى مقدمتها ما انفكَّ يُصَرِّح به، مُقدَّمًا، تشكيكًا فى النتائج النهائية لسباق الرئاسة، مع استشعاره إمكانية خسارتها لأسباب عديدة، فى مقدمتها الأداء السيئ فى مواجهة اجتياح وباء «كوفيد- ١٩»، الأمر الذى نجمت عنه أعداد مهولة من المصابين والمتوفين!.
وفى مواجهة هذا الاحتمال الوارد ولو بنسبٍ محدودة، جراء تفشِّى مناخ السخط والغضب وسط قطاعات عديدة من الملونين والعاطلين عن العمل والبؤساء، بسبب «كورونا» وغيرها، وشيوع الممارسات العنصرية بين «البيض الواسب» (WASP: البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت)، واختراق أيديولوجيتها وانحيازاتها العرقيّة لبعض مؤسسات الحُكم، كالشرطة على سبيل المثال، مثلما تبدَّى واضحًا فى حوادث مقتل أعداد من «السود» على يد أفراد منها، كما حدث فى واقعة موت الشاب «جورج فلويد» اختناقًا منذ أشهر قليلة، ونجم عنها انفجار موجات من الاحتجاج الغاضب فى مناطق عدة بالبلاد- يُشير التقرير إلى ملمح خطير قد يُفاقم هذه الأزمة، والمُتعلِّق بعزوف عدد مُهم من أجهزة ومؤسسات الدولة، فى مُقدمتها الجهاز الأمنى الأبرز «F.B.I»، عن الإقرار بالدوافع السياسية للتحركات الشعبية، وحصرها فى قوالب «اضطرابات مُخٍلَّة بالأمن العام» تستدعى تقديم مُرتكبيها للقضاء، وهو ما يعنى الإصرار على تجاهل الأسباب الحقيقية لتفاقم هذه الظاهرة، واستفحال آثارها السياسية والاجتماعية، حتى باتت تهدد استقرار النظام كله!
ويرصد التقرير، فيما يخص جماعات اليمين المُتشدِّد، ملمحين مُهمين: الأول: ميل جماعاته إلى استهداف الأقليات العرقيّة والإثنيّة، والمُهاجرين «ذوى البشرة الداكنة»، واليهود والمُسلمين، وكل مَن يعتبرونه مُساندًا لمصالح الأقليات، والثانى: الاعتماد على «مجموعات مُناهِضة مُبهمة القيادة»، كى تُعَقِّدُ سُبل مُلاحقتها واستهدافها، الأمر الذى أسهم فى حماية قياداته من الانكشاف والتعقُّب، و«إتقانها لآليات التحرُّك ضمن حدود القوانين السارية، وأبرزها الحق فى التجمهر والتدرُّب على حمل السلاح».
ويرى التقرير أنه فى حال نشوب اضطرابات أهلية تجاوزت حدود قدرة الشرطة على المواجهة، فإن لرئيس الولايات المتحدة، كرأس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للقوات المُسَلَّحة بجميع أفرعها البريّة والبحريّة والجويّة، الحق فى استدعائها إلى أى ساحة أو مدينة يراها ضرورية، غير أن الأولوية القصوى لها، فى هذه الحالة، لن تكون فى الاشتباك مع الجماعات العنصرية والمُتطرّفة، وإنما لحماية مُنشآتها وقواعدها المنتشرة فى عموم الأراضى الأمريكية، وخصوصًا قواعد الأسلحة النووية، وتأمين الحماية التامة لمراكز السلطة السياسية فى العاصمة «واشنطن» ومحيطها والدفاع عنها، لكن من دون الانخراط الفعلى فى مواجهة «الاحتجاجات والاضطرابات سريعة الاشتعال».
وقد قدَّرت جهات رسمية أمريكية، عام ٢٠١٨، فى مُقدمتها «مكتب التحقيقات الفيدرالى»، عدد الفرق والجماعات والتنظيمات اليمينية المُتطرِّفة المندرجة فى نشاطات ذات طبيعة عنصرية بنحو ٣٧٠ مجموعة، «تتميز عناصرها بالتأهل لتدريبات عسكرية تكتيكية ازدادت وتيرتها فى الآونة الأخيرة، وهى تنتشر فى مُعظم الولايات الأمريكية»، وأشد هذه الجماعات مِراسًا وأكثرها خطورة ميليشيات مُسَلَّحة واسعة الانتشار، مُعظم أعضائها «عمل أو لا يزال على رأس عمله فى أجهزة الأمن الرسميّة، وهم يتمتعون بالتدريب العسكرى ويحوزون أسلحة رسميّة»، وتصدَّرتها مجموعة «حُرَّاس القَسم» التى أُنشئت خلال ولاية الرئيس السابق «باراك أوباما»، ودشَّنت حضورها بالصدام المُسلَّح مع قوى الـ«F.B.I» فى عام ٢٠١٤.
وهناك جماعات أخرى لا تقل خطورة، منها ميليشيات الـ«٣٪»، و«مُشاه البحرية الاستعمارى»، و«حُرَّاس الذئب»، التى تزعم امتلاكها «سلاح جو، وقُدرات جويّة مُتَحَرِّكة، ووحدات مؤللة، ونظامًا لوجستيًا مُتطورًا، وباستطاعتها نشر عناصرها، على وجه السرعة، فى أى ساحةٍ تُريد»، الأمر الذى يعنى أن الولايات المُتحدة مُهددة، ولو باحتمالٍ ضئيل، بانفجار الوضع فيما لو انحازت الأغلبية للمرشح الديمقراطى «جو بادين»، خاصة لو كان الفارق فى الأصوات بينه و«دونالد ترامب» محدودًا، وبما يسمح للأخير بفتح المزلاج الخاص بـ«بوابات الجحيم»!.