رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وما زالوا يدعمون الإرهاب




يحاولون محاربة الإرهاب داخل بلادهم، أو يزعمون ذلك، بينما يدعمون الإرهابيين فى بلاد أخرى.. وبسهولة، يمكنك استنتاج أن الحكومة الفرنسية هى إحدى «الحكومتين الأوروبيتين» اللتين اتهمتهما وزارة الدفاع الجزائرية، فى بيان، بعقد صفقة «تم بموجبها إطلاق سراح أكثر من ٢٠٠ إرهابى، ودفع فدية مالية معتبرة للجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن ٣ رهائن أوروبيين»، ما يُعد انتهاكًا للقرارات الأممية، التى تجرم دفع الفدية للجماعات الإرهابية.
بالتزامن، ومع تصاعد المطالبات بالاتحاد ضد الإرهاب وضد الذين يحرضون عليه وينشرون الكراهية، اتضح أن بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا تواطأت مع جماعة الإخوان، ومنحتها تمثيًلا واسعًا فى «الحوار السياسى»، المقرر أن تستضيفه تونس فى ٩ نوفمبر الجارى، ما دفع شخصيات ليبية إلى إعلان رفضها المشاركة فى ذلك الحوار، واتهمت البعثة الأممية بأنها تحاول فرض تلك الجماعة الإرهابية على الشعب الليبى بالتنسيق مع بعض الأطراف الدولية.
الجزائر، التى أدانت الهجوم الإرهابى الذى شهدته فرنسا، الخميس، وطالبت فى بيان أصدرته وزارة خارجيتها بـ«تشكيل جبهة مشتركة ضد كل أشكال التطرف»، كانت قد هاجمت، يوم الأربعاء الماضى، عبر وزارة دفاعها، حكومتين أوروبيتين، واتهمتهما بعقد الصفقة، المشار إليها، مع الإرهابيين فى مالى، وقالت إن «هذه التصرفات غير المقبولة والمنافية للقرارات الأممية» تعرقل الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله.
فى اعترافات عرضها التليفزيون الجزائرى الحكومى، كشف الإرهابى مصطفى درار عن قيمة صفقة تبادل الأسرى، وقال إنها تتراوح بين «١٠ ملايين دولار و٣٠ مليون دولار»، كما أكد أن عدد الإرهابيين المفرج عنهم كان «٢٠٧» من مختلف الجنسيات. والمذكور، طبقًا لما جاء فى بيان وزارة الدفاع، كان أحد هؤلاء المفرج عنهم، بداية أكتوبر المنقضى، وقامت المخابرات التابعة للجيش الجزائرى، الثلاثاء الماضى، بإلقاء القبض عليه، بعد تسلله إلى داخل البلاد.
اللافت هو أن البيان تحدث عن ثلاث رهائن، فى حين لم تعلن فرنسا أو مالى إلا عن رهينتين فقط: الفرنسية صوفى بترونين، والمالى سومايلا سيسيه، فى حين وصل عدد الرهائن إلى أربع فى تقارير نشرتها صحف عديدة: الفرنسية والمالى وإيطاليان.. وعليه، تكون الحكومة الثانية، التى هاجمها أو اتهمها البيان، هى الحكومة الإيطالية، على الأرجح.
الصفقة، التى عقدتها الحكومتان الفرنسية والإيطالية مع الإرهابيين فى مالى، لا تختلف كثيرًا عن تلك التى جرت فى ليبيا، وجعلت معظم الذين دعتهم البعثة الأممية للمشاركة فى الحوار السياسى «يدينون بالولاء لجماعة الإخوان، التى هى سبب البلاء فى البلاد»، حسب رسالة وجهها بشير الرابطى، رئيس حزب «الوطنى الليبى»، إلى أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، كشفت أيضًا عن توجيه الدعوة إلى أعضاء فى «جماعات متأسلمة» أخرى.
قائمة المدعوين للمشاركة فى الحوار، كما ذكر الرابطى، فى رسالته، كشفت عن «نية البعثة الأممية المبيتة لإطالة أمد الأزمة الليبية».. وبعد أن طالب بتوضيح أسباب اختيار ممثلين للإخوان، أكد أنهم «لا يمثلون إلا أنفسهم، وليست لهم علاقة بالمجتمع الليبى، سوى أنهم يسيطرون على المشهد عنوة».. والموقف نفسه، اتخذه زيدان معتوق الزادمة، رئيس لجنة المصالحة بالمجلس الأعلى للقبائل الليبية، الذى رفض الدعوة الأممية، وقال، فى بيان، إن قائمة الشخصيات المشاركة «غير متوازنة، وفيها محاباة لجماعة الإخوان».
أضف إلى ذلك أن جماعة الإخوان تسيطر على ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى الليبى»، الذى فرضته الأمم المتحدة على الليبيين، واختارت لرئاسته فايز السراج، الذى قام أمس الأول، الجمعة، أى قبل ٢٤ ساعة من حلول الموعد الذى حدده للاستقالة، بإعلان تراجعه عن القرار، إذ كان قد أعلن، منتصف سبتمبر الماضى، عن اعتزامه الاستقالة فى موعد أقصاه نهاية أكتوبر.. ولعلك تتذكر أننا كنا قد رجّحنا، فى مقال سابق، أن يكون سبب قيامه بزيارة تركيا، الشهر الماضى، هو إيجاد التفافة أو مخرج للتراجع عن الاستقالة.
الدور التخريبى لأنقرة والدوحة فى ليبيا ثابت ومؤكد، وكذا تمويلهما ودعمهما الجماعات الإرهابية هناك.. وللأتراك فى مالى، كما فى دول عربية، إفريقية، وأوروبية عديدة، عملاء وإرهابيون، وبفضل الدعم التركى والتمويل القطرى، تمكنت التنظيمات الإرهابية من السيطرة على شمال مالى: تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، حركة «التوحيد والجهاد» وحركة «أنصار الدين»، بالإضافة إلى «حركة تحرير ماسينا» التى تهدف إلى توحيد كل «الجماعات الجهادية»، فى الساحل وغرب إفريقيا، لإقامة «دولة الخلافة» المزعومة.
بلعبها فى مالى، فتحت تركيا جبهة صراع جديدة مع فرنسا، غير الجبهة الليبية وجبهة شرق المتوسط، وبدا من الصفقة، التى أعلنت عنها وزارة الدفاع الجزائرية، أن رجب طيب أردوغان كسب جولة فى ذلك الصراع، وأجبر الرئيس الفرنسى على دعم الإرهاب بملايين الدولارات، ستتم ترجمتها، عاجلًا أو آجلًا، إلى ضحايا جدد فى باماكو أو باريس.. أو نيس.