رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة شيخ الجامع الذي قاد مصطفى محمود لـ«الشك» بسبب «وصفة قتل الصراصير»

مصطفى محمود
مصطفى محمود

تحل اليوم، الذكرى الحادية عشرة لوفاة الكاتب والفيلسوف مصطفى محمود، الذي رحل عن عالمنا في 31 أكتوبر لعام 2009، عن عمر ناهز الـ87 عامًا، بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور، وشيعت جنازته من مسجده بحي المهندسين.

كانت طفولة الدكتور مصطفى محمود غريبة وعجيبة، كما رباه والده في المسجد والكتاب، وقال عنها في مذكراته التي كتبها السيد الحراني: أي إنها كانت طفولة دينية من الدرجة الأولى، لكنني لم أجد في نفسي المتلقى التقليدي وخلاص، بل كان كل شيء بداخلي يمر بالمصفاة، فأنتقي الأشياء التي أشعر أنها يقينية، وأتخلص من أي شيء أشعر بأنه هراء، حتى لو كان من شيخ الجامع.

وتابع: الجميع يعرف قصة مرحلة الشك، وكيف عبرت منها من الشك إلى اليقين، ولكن الذي لا يعلمه أحد، أن إمام مسجد هو من زرع بداخلي بذرة الشك الأولى في العقيدة وفي كل ما يحيط بي، خصوصًا المسلمات (أي الأمور الفطرية، التي يتعامل معها الإنسان كأنها أمور طبيعية، مثل ما يتلقاه الابن من والديه في طفولته وهكذا)، عندما تعامل معنا بجهل، وكأنه يتعامل مع (شوية فراخ) دون أن يعلم أنني سأكون له بالمرصاد، فقد كنت منذ طفولتي المبكرة أشعر بقلبي وعقلي يتجهان إلى الدين، فمنذ السابعة من عمري كنت متجهًا للدين، بكل حواسي ومشاعري.. أصلي الفروض جميعًا في المساجد، وكنت أتردد في هذه الفترة على مسجد وضريح سيدى عزالرجال الموجود في طنطا، مع مجموعة كبيرة من أصدقائي، نصلي الفروض والسنن، ونستمع إلى وعظ شيخ الجامع (جامع سيدي عزالرجال والشيخ كان اسمه محمود) الذي كان يمثل لي قيمة كبيرة، لم يتساو معها أي شخص في تلك الفترة، ولهذا كنت أدون كل ما يقوله، ونحضر المولد وحلقات الذكر وراءه.

واستطرد: إلى أن جاء يوم قال لنا فيه الشيخ محمود: "شوفوا يا ولاد.. أنا سأقول لكم على طريقة تقضون بها على الصراصير والحشرات الضارة في المنزل، وهي طريقة دينية عظيمة جدًا، وكل واحد يفتح الكراسة، وسوف أملي عليكم هذه الطريقة العظيمة الجديدة".. وأخذ يملي علينا كلامًا عبارة عن مزيج من الآيات والطلاسم، ثم قال لنا: الصقوا هذه الورقة على الحائط، وسوف تكتشفون بأن الصراصير سوف تموت موتًا شنيعًا، على هدى هذه الطريقة الدينية العظيمة، وبالطبع فقد فرحت من كل قلبي، لأنني كنت على استعداد لتصديق كل ما يقول، وكتبت كل ما قاله بالحرف الواحد، ولصقته باهتمام شديد على الحائط، وجلست منتظرًا النتيجة.

وذكر: لكن خاب ظني، وأصبت بإحباط شديد، فقد تزايدت الصراصير، وأصبحت أضعاف ما كانت قبل طريقة الشيخ، بل الأدهى من هذا أن الصراصير اتخذت من الورقة التي أخبرني بها الشيخ ملجأ لها.

وأضاف: من يومها، أحسست أن الرجل نصاب كبير، وبدأت أشك في كل شيء، ليس في هذا الشيخ وحده، ولكن في كل من حولي، وكانت هذه هي بذرة الشك التي زُرعت في نفسي، وقد زرعها الشيخ محمود خطيب وواعظ سيدي عز، لم أشك في الورقة التي دعا إليها فقط، أو في حديثه.. ولكن اعتراني شك في كل شيء.