رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة فرنسا.. القرد والقرداتى



فى مدينة نيس الفرنسية، انتهت رحلة الهجرة غير الشرعية، التى بدأها الشاب التونسى إبراهيم العويساوى، منذ شهر ونصف الشهر، ولا نعتقد أنه كان من الممكن أن يقوم بتلك الرحلة، أو يتمكن من تنفيذ ذلك الهجوم الدامى، الذى أودى بحياة ٣ أشخاص وإصابة آخرين، دون مساندة تنظيم أو دولة، بالضبط، كما لا يمكن للقرد أن يؤدى أى عرض، أو استعراض، دون مساعدة القرداتى.
الإرهابى الصغير، المولود فى ٢٩ مارس ١٩٩٩، غادر تونس، فى ١٤ سبتمبر الماضى، ووصل مدينة بارى الإيطالية يوم ٩ أكتوبر الجارى، ثم إلى مدينة نيس، الأربعاء الماضى، حاملًا بطاقة هوية تابعة للصليب الأحمر الإيطالى، وأظهرته كاميرات المراقبة، صباح الخميس، فى محطة قطار «نيس»، وهو يقوم بتبديل ملابسه، قبل أن يسير منها لمسافة ٤٠٠ متر، حتى كنيسة نوتردام، ويشرع فى تنفيذ هجومه.
مدينة نيس، هى أبرز قواعد الجماعات المتطرفة فى فرنسا، ومنها، ومن غيرها من المدن الفرنسية والأوروبية، انطلق آلاف المتطرفين، عبر تركيا، لينضموا إلى «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، وكان الهدف من ذهابهم، أو إرسالهم، هو إسقاط دول المنطقة وإكمال الفراغ، الذى بدأ بتدمير العراق، دون اللجوء إلى الحرب التقليدية، وبعيدًا عن مساءلة المجتمع الدولى.
بعد حادث الدهس، الذى شهدته نيس، سنة ٢٠١٦، اتهمت دعاوى قضائية عديدة الحكومة الفرنسية بـ«التقصير الأمنى»، والاتهام نفسه أكده مسئولون فرنسيون، سابقون وحاليون، وكررته مجلة «فالور اكتوييل»، Valeurs actuelles، فى تقرير نشرته، الخميس الماضى، أوضحت فيه أن التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «جماعة الإخوان»، تسيطر على مدينة نيس، عبر ١٩ مسجدًا وعدد من الجمعيات التابعة لها.
هناك، طبعًا، تقصير وثغرات أمنية ومخابراتية، بدليل أن بعض العمليات الإرهابية، التى شهدتها فرنسا، خلال السنوات الخمس الماضية، قام بها أشخاص سبق أن تم وضعهم تحت المراقبة أو معروفون بمواقفهم المتشددة، أو كانوا سجناء وتم الإفراج عنهم، وهناك أيضًا، شواهد كثيرة على تساهل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الولايات المتحدة، وغيرها، مع التنظيمات الإرهابية، التى خلقتها أو احتضنتها، منذ منتصف القرن الماضى، واستخدمتها فى تحقيق أهداف سياسية، اقتصادية، وأمنية، قبل أن ينقلب القرد على القرداتى، أو السحر على الساحر. غير أننا نخالف الواقع لو قلنا إن القرد أو السحر، انقلب تمامًا أو خرج، كليًا، عن السيطرة.
قبل فوات الأوان بقليل، أعلنت فرنسا الحرب على الإرهابيين، الذين وصفهم جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، بأنهم «أعداء الجمهورية». وبناءً على اقتراح، تقدم به دارمانان، قام مجلس الوزراء بحل جمعية «بركة سيتى» لأنها «تقوم بتبرير الأعمال الإرهابية» وتدعو إلى «أفكار حاقدة وتمييزية وعنيفة»، فى حساباتها على «تويتر» و«فيسبوك». وطبقًا لما ذكره جابريل أتال، المتحدث باسم الحكومة، فإن الرئيس ماكرون قال، أمام مجلس الوزراء، إن قرار حل تلك الجمعية يشكل «مرحلة مهمة فى الحرب على الإرهاب».
قرارات الحل طالت، وستطال، أيضًا، عشرات المساجد والجمعيات والمدارس، التى تمولها وتستخدمها تركيا وقطر، وسبق أن قال الرئيس ماكرون بوضوح إنه لن يسمح «بتطبيق القانون التركى على التراب الفرنسى»، وأعلن أن بلاده ستتوقف تدريجيًا عن استقدام خطباء وأئمة مساجد من دول أخرى وستواجه التمويل الخارجى، كما سبق أن أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن المساجد والمراكز الدينية، التى تمولها تركيا أو قطر، فى دول العالم المختلفة، ليست دورًا للعبادة، واستشهدنا بوثائق تؤكد تورطها فى أنشطة تجسسية وإرهابية.
يرأس جمعية «بركة سيتى»، إدريس يمو، المعروف باسم «سى حامدى»، الذى أقر فى حسابه على «تويتر» بأنه «شخصيًا» ذهب إلى منطقة سورية خاضعة لـ«داعش»، فى سبتمبر ٢٠١٨. وردًا على قرار الحل، قالت الجمعية إنها «ستطلب اللجوء السياسى فى بلد يضمن سلامة المسلمين»، وأكدت أنها ستقوم بكل ما تستطيعه، لضمان مصالح المستفيدين من أنشطتها «فى ٢٦ دولة». وبمزيد من التوضيح كتب «سى حامدى» أنه طلب «رسميًا» اللجوء السياسى، له شخصيًا وللجمعية، من الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، وقوبل طلبه بالموافقة.
الرئيس التركى، الحاضر فى المشهد الفرنسى، منذ بدايته، لم يتوقف، كعادته عن اللعب القذر، ولعلك تعرف أنه تمكّن من تحويل دولته، بجيشها، شرطتها، مخابراتها، وكل مؤسساتها، إلى تشكيل عصابى، يحاول نهب ثروات الدول الضعيفة، ويقوم بابتزاز الدول القوية، بملف اللاجئين، أو باتهامات وشائعات يطلقها عملاؤه، أو بعمليات إرهابية تقوم بها تنظيمات يدعمها ويستخدمها، بدءًا من جماعة الإخوان، ووصولًا إلى ما تفرع عنها من تنظيمات إرهابية.
دون القضاء على القرد، أو الإرهاب، وما لم يتم التخلص من القرداتى، الذى قام بتدريبه ولديه كتالوج استعماله، لا نرى أى جدوى من دعوة ديفيد ساسولى، رئيس البرلمان الأوروبى، أو غيره، إلى الاتحاد ضد العنف، وضد الذين يحرضون عليه وينشرون الكراهية.