رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هنا القاهرة».. حكايات كبار الإذاعة مع سحر الميكروفون (فيديو)

الميكروفون
الميكروفون

محفوظات سمعية وبصرية يزخر بها تراثنا، تحمل في طياتها أصوات لا يمكن نسيانها، ومهما مرّ الزمن بمجرد سماع جملهم الشهيرة تستعيد معهم ذكريات الزمن الجميل، الأمر لا يختلف أيضًا بالنسبة للمشاهد التلفزيونية القديمة، فالصّوت والصورة ستظل محفورة في أذهاننا، وتَلك المحفوظات عند استرجاعها من ذاكرتنا تساعدنا على المقارنة بين الماضي والحاضر والتطور الذي يلحق به عبر الزمن.

وتسجيل تلك المقتنيات شهدت أساليب عديدة منها الراديو والتلفزيون؛ حفاظًا على هذا التراث وافق المؤتمر العام لليونسكو 2005 على الاحتفال باليوم العالمي للتراث السمعي البصري في 27 أكتوبر من كل عام، لزيادة الوعي بأهمية السجلات المرئية والمسموعة لما تمثله من تراث إنساني.

في "الدستور" كان لنا احتفال خاص بهذا اليوم، حيث استدعينا الأجيال القديمة من بعض عمالقة الإذاعة والتلفزيون في "ماسبيرو" أقدم مؤسسة إذاعية تلفزيونية رسمية لمصر، للحديث عن ذكريات وتراث الإذاعة والتلفزيون في بدايات عملهم، ومدى حرصهم الشديد على تقديم برامج يخلدها التاريخ، فكان كل منهم سابق لعصره في مجاله.

بداية التقينا حلقة الوصل بين أغلب هؤلاء النجوم سهى سعيد، صاحبة كتاب "نجوم ماسبيرو يتحدثون"، والصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون، التي حدثتنا عن أهم اللقاءات التي جمعتها مع أغلب نجوم ماسبيرو من الجيل الأول والثاني، وهي لا تزال مستمرة في جمع هذا التراث من خلال لقاءات صحفية مطولة لأول مرة كتوثيق لمشوار رواد العمل الإعلامي.

وجمعت هذا التراث الذي يضم كواليس وأسرار مشوارهم الإعلامي في كتابها (من جزئين)؛ الأول يضم ٣٢ شخصية، والثاني ١٥ شخصية وحرصت أن تكون تلك الشخصيات ممن هم قليلو الظهور في الوسط الإعلامي في تلك الأيام، ومنهم فهمي عمر، إيناس جوهر، حمدية حمدي، فريدة الزمر، عبدالوهاب قتاية، كامل البيطار، عفاف عبدالرازق، وسهير شلبي وغيرهم.

سعيد حدثتنا عن بعض تلك اللقاءات مثل المخرجة علوية ذكي، التي كانت سكرتير الخبير الأمريكي وليام مور، وكواليس التخطيط للبرامج، أيضًا مجيدة نجم، رائدة من رواد الإخراج التلفزيوني، والتي حضرت أول خريطة برامج في التلفزيون وكان سعد لبيب مدير البرامج آنذاك، وكان تفكيرهم في كيفية وضع برامج متنوعة للمرأة واجتماعية وأسرية، وكان ذلك في عهد الدكتور عبدالقادر حاتم، الذي لُقب بأبو الإعلام العربي وصاحب فكرة إنشاء التلفزيون بعد موافقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وانتقلت إلى الحديث عن الإعلامية شيرويت شافعي، التي وضعت هوية القناة الثانية في التلفزيون المصري، التي اختارها أيضًا حاتم بعد أن كانت تعمل في هيئة الاستعلامات، وقدمت طفرة كبيرة في مجال الفنون التشكيلية، والتي من فرط حبها فيه امتهنت الفن التشكيلي وأصبح لديها أكبر معرض صور "جاليري" في مصر بعدما أخرجت برامج لها علاقة بالفن التشكيلي في فترة الستينيات.

وأيضًا الراحلة عفاف عبد الرازق، إعلاميّة ومُذيعة مصريّة، تُعتبر واحدة من الجيل الأول في التلفزيون المصري التي كانت في بدايتها في مجال العلاقات العامة وتم تعيينها قبل بدء الإرسال التلفزيوني بأسبوع وروت لها كيف قاموا بإعداد المكان الذي سيتقبل احتفالية انطلاق التلفزيون وبدء الإرسال الأول له التي سيحضرها كل مسؤولي ورجال الدولة، أيضًا، عن برامجها من أهمها مجلة التلفزيون والتي كان لها مقطوعة موسيقية مميزة حتى اليوم والتي اختارها الموسيقار هاني مهنى، عن قصة الحب والزواج من الكاتب الإعلامي نبيل عصمت.

تحدثت بعدها عن الإعلامية فايزة واصف، صاحبة برنامج "حياتي"، استمر لمدة 35 عامًا، لاهتمامها برسالته وأن القضايا التي يناقشها البرنامج تلمس الجمهور، ومن كواليسه أنه كان يأتي إليها جوابات كثيرة كانت حريصة على الموضوعات التي يتم طرحها في البرنامج، فكان من ضمن الممنوعات قضايا زنا المحارم، خوفًا من عرضها على المجتمع الأسري.

وانتقلت بعدها إلى الحوارات التي أجرتها مع رواد العمل الإذاعي؛ من بينهم الإذاعي والشاعر عمر بطيشة، الذي كتب لها مقدمة الكتاب بعنوان "تاريخ ما أهمله التاريخ"، رئيس الإذاعة الأسبق، الذي كان يعمل في شركة الملح والصودا وعندما قرأ إعلان عن الحاجة إلى مذيعين فتقدم وتم قبوله 1964؛ من أهم محطاته: رئاسته للبرنامج العام الذي شهد طفرة حقيقية، وسمح الفرصة للكثير من الأجيال الشابة لتقديم برامج، كما رأس إذاعة الشباب والرياضة فابتكر فكرة الفترات المفتوحة عبر أثير الشباب والرياضة كما كان رئيس الإذاعة المصرية من 2001 إلى 2005.

وفي تاريخ عيد ميلاد الإذاعة؛ استضاف كل عمالقة الإذاعة آنذاك صلاح زكي، صفية المهندس، جلال معوض، وغيرهم، وجعلهم يقدمون فقرات هذا اليوم على الهواء وفي نفس الوقت يحكون ذكرياتهم مع الإذاعة، وتغنت الصحافة وقتها بالحديث عن نجاح هذا اليوم، أيضًا كان صاحب برنامج "شاهد على العصر"، الذي كان في البداية برنامجًا إذاعيًا، ثم اقترح عليه الإذاعي حسن حامد بتحويله إلى برنامج تلفزيوني، وبالفعل تم عرضه في قناة النيل الثقافية المتخصصة لسنوات.

كان أول من أجرى حوارًا إذاعيًا مع الشيخ الشعراوي، ورغم صعوبة الوصول إليه في ذلك الوقت، إلا أن بطيشة وصّى أحد المقربين من الشيخ ليتم اللقاء ويحدث صدى واسع، وأطلق عليها القنبلة الإعلامية، أيضًا الموسيقار محمد عبدالوهاب، والدكتور يوسف إدريس، أيضًا كان شاهد عيان لإنتاج أغاني نصر أكتوبر 1973 في الإذاعة، كان للحديث بقية.

انتقلنا بعدها للحديث مع اثنين من كبار الإذاعيين هما محمد نوار، الرئيس الحالي للإذاعة المصرية، والمخرج محمد مرعي، صاحب أشهر البرامج على إذاعة صوت العرب.

الإذاعي محمد نوار، خريج كلية التجارة جامعة القاهرة، والتحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط لفترة زمينة محددة، خلال تلك الفترة عمل ضابطًا في مطار القاهرة ووقتها تعرّف على العديد من المسئولين من وزراء دفاع وقادة الأفرع الرئيسية وقادة القوات المسلحة المصرية، وكان له حظ في مقابلة أبطال نصر أكتوبر بعد حوالي 8 سنوات من الحرب، ثم التحق بالإذاعة المصرية عمل في الإدارة العامة للمندوبين التابعة للأخبار المركزية، فلم يكن هناك قطاعًا للأخبار، فكان مندوبًا ومحررًا ومراسلًا في مطار القاهرة، وكونه ضابط احتياط في المطار قبلها ساعده على أن يكون أكثر دراية بكل شيء بالمطار.

نوار ينتمي لأسرة إعلامية؛ فالأب كاتب صحفي والأم كانت تعمل في إذاعة وادي النيل، فلم تكن الأجواء الإذاعية غريبة عليه، ولم يشعر برهبة في التعامل مع زملائه في المكان، لأنه تقريبًا يعرفهم جميعهم من خلال والديه.

أيضًا كان لنا لقاء مع الإذاعي والمخرج محمد مرعي، الذي شغل عدة مناصب من أهمها عضو باللجنة الدائمة في اتحاد إذاعات الدول العربية، مستشار للشؤون الإذاعية لوزير الإعلام العمانى من 1982 إلى 1986، رئاسة إذاعة الإسماعيلية، رئاسة صوت العرب 1994-1998، نائب رئيس الإذاعة المصرية عام 1997.

ومن أشهر البرامج التي قدمها تليستار، وسندباد وتابعه مايك، الذي كان يتحدث عن الحقب التاريخية، كان عبارة عن رحلة فى المكان الواحد عبر أزمنة مختلفة مثل خان الخليلي، ورافقه فيه الممثل محمود التوني الذي كان معه أيضًا في "تليستار"، ليجسد شخصية مايك، واستمر البرنامج لمدة عام.

حدثنا أيضًا عن أحد المواقف التي تعرض لها، وهو أنه سافر إلى العاصمة اليمنية في بعثة لتعليم الإذاعيين اليمنيين في صنعاء، واتصلت به قيادة القوات المسلحة المصرية والجيش المصرى الموجود فى صنعاء لإبلاغه بحضور شخصية مهمة لليمن غدًا، وطلبوا تغطية الحدث، ورفضوا الإفصاح عن تلك الشخصية، متذكرًا: فوجئنا الساعة العاشرة بطائرة مدنية هبطت وفتحت بابها، فوجدنا الرئيس عبدالناصر، فبدأت أنقل الحدث، ووقتها كان الاستعمار البريطانى لا يزال موجودًا في جنوب عدن، وبعد ذلك تم إبلاغنا بأن الرئيس عبدالناصر سيلقى خطابًا.

وقبل الخطاب سأل الرئيس «عبدالناصر» جلال معوض، الذي رافقه مع عدد من الصحفيين والإذاعيين، وأنا "سامع الحديث": هل فيه إذاعة فى تعز؟ وجلال كان لا يعلم فخبط ظهرى، وسألني، فقلت له لا، فأرسل الرد للرئيس عبدالناصر، ثم سألنى عن إمكانية التسجيل، فقلت له نحن استعددنا للتسجيل، فقال ناصر لجلال معوض أريد إذاعة الخطاب اليوم فى أقرب إذاعة عربية، والخطاب فى العاشرة صباحًا وكان طويلا، فقال جملته الشهيرة فى هذا الخطاب "على الحصار البريطانى أن يضع حصاره على كاهله ويرحل من عدن.. والاستعمار على بعد كام كيلو"، فكانت هذه الجملة تحتم إذاعة الخطاب فى نفس اليوم.

ثم ذهبوا إلى دار الضيافة فنادى جلال معوض عليه، وقال: "بعد الغداء تاخذ الأشرطة التى سجلت عليها خطاب الرئيس فى طائرة خاصة عسكرية وتسافر إلى صنعاء لإذاعة الخطاب كما أمر الرئيس عبدالناصر"، فغمرته السعادة لقاء هذا التكليف، وأثناء إذاعة الخطاب في إذاعة صنعاء كتب الخطاب على الورق، ونقل نسخة من الخطاب على شريط آخر وذهب للقيادة وأبلغهم  بنقله خطاب الرئيس، وقال لهم: "أريد الاتصال بقسم الأخبار الأستاذ إسحاق حنا في إذاعة القاهرة"، فكان الجهاز بدائيا، فنقل له الخطاب بإملائه بصوتى فى التليفون ليذاع في نشرة أخبار الساعة 11 ليلًا، وأرسل شرائط الخطاب في طائرة عسكرية،  وتسلمها شخص من الإذاعة من مطار ألماظة، مختتمًا حكايته: ذهبت للبيت فى صنعاء وفتحت الإذاعة على القاهرة، وسمعت الخطاب بصوت المذيع الساعة 11 ليلًا.

حكايات أهل ماسبيرو لا تنتهي، وإن التقيت واحدًا منهم لن يسعك أن تجالسهم أيام لتستمتع إلى ذكرياتهم، وحرصهم على تقديم محتوى هادف، غير خادش لحياء من يسمعها أو يشاهدها فاستحقوا عن جدارة لقب "رواد الفن الجميل".