رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألمانيا والإرهاب.. سذاجة أم تواطؤ؟!


فرضية تعامل الحكومة الألمانية مع المنظمات الإرهابية، أو منظمات الإسلام السياسى، بـ«سذاجة»، طرحها كريستوف دى فريس، النائب البارز عن الاتحاد المسيحى الألمانى الحاكم، وهو يطالب، أمس الأحد، حكومة بلاده باتخاذ موقف أكثر تشددًا مع هذه المنظمات المعادية للديمقراطية، محذرًا من خطورتها على التماسك الاجتماعى.
استشهد «دى فريس» بقرار وزارة الخارجية تعيين القيادية فى منظمة «الذئاب الرمادية» التركية، نورهان سويكان، مستشارة بالوزارة ونائبة لقسم «الدين والسياسة الخارجية»، وأشار إلى مشاركة فرع «منظمة الإغاثة الإسلامية» فى ألمانيا، التى ثبت ارتباطها بالإخوان، فى مشروعات مولتها الحكومة الألمانية، وطالب الوكالة الألمانية للتعاون الدولى، بمنع التبرعات المقدمة إلى تلك المنظمة فورًا وبشكل كامل. علامات استفهام كثيرة صاحبت تعيين سويكان، ووصف كثيرون اختيارها لشغل هذا المنصب بأنه «اختراق مخابراتى تركى» لواحدة من أهم وزارات الحكومة الاتحادية، إذ سبق أن أصدر البرلمان الألمانى تقريرًا، فى ٩ نوفمبر ٢٠١٨، أشار فيه إلى أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يدعم تحالفًا من المتطرفين، داخل ألمانيا، يضم جماعة الإخوان وحركة «ميللى جورش»، ومنظمة «الذئاب الرمادية»، وهناك وثيقة برلمانية ألمانية أخرى، صدرت فى ٣ يوليو ٢٠١٥، أكدت أن تلك المنظمة تعاونت مع تنظيم «داعش»، لدرجة أن عددًا من أعضائها لقوا مصرعهم خلال قتالهم مع ذلك التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق.
غير إشارة موقع «فرى فيلت»، إلى أن «سويكان» كانت من أشد المعارضين لاعتراف البرلمان الألمانى بأن المذابح العثمانية ضد الأرمن، كانت إبادة جماعية، وصف الموقع الإخبارى الألمانى المستقل منظمة «الذئاب الرمادية» بأنها إحدى أذرع أردوغان لنشر العنف والفوضى والتطرف فى أوروبا، كما انتقد عدد من البرلمانيين، هذا الاختيار، مؤكدين أن منظمة «الذئاب الرمادية» معادية للدستور الألمانى، ولا يجب أن يعمل أعضاؤها فى أى مؤسسات ألمانية.
منذ عامين، أنشأت الخارجية الألمانية قسم «الدين والسياسة الخارجية»، لتمثيل مصالح المجتمعات الدينية، ولأنه لم يكن منطقيًا أن يتم تعيين «ذئبة رمادية»، فى هذا القسم، إلى جانب عملها مستشارة للوزارة فى القضايا التى تخص المسلمين، اضطرت الخارجية الألمانية إلى إلغاء تعيين سويكان، والأكثر من ذلك، هو أنها قامت بتجميد قسم «السياسة الخارجية والدين» بأكمله.
تأسيسًا على ما سبق، يكون البرلمانى الألمانى البارز قد جامل حكومة بلاده حين افترض أنها تتعامل بسذاجة مع منظمات الإسلام السياسى، أو مع المتطرفين، لأن ما حدث ويحدث هو نوع من التواطؤ، ولا تفسير غير ذلك لقيام مؤسسات ووزارات وأجهزة بدعم الإرهابيين، وتسخير وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، والممولة من الخزانة الاتحادية، لخدمتهم، أو التخديم عليهم، ويكفى أن تتابع، مثلًا، الموقع العربى لـ«دويتشه فيله»، بقدر من التركيز، لتدرك أنه لا يختلف كثيرًا عن موقع يديره عبيد العثمانيين أو عملاء العائلة الضالة، التى تحكم قطر بالوكالة. بتساهل يلامس حد التواطؤ، تعاملت السلطات الألمانية مثلًا مع مبادرة «شرطة الشريعة» التى قادها سفين لاو، المتحول إلى الإسلام، وعوقب بالسجن لأكثر من ٥ سنوات ونصف السنة، عن «دعمه لجماعة إرهابية» تهدف إلى تجنيد أشخاص للقتال فى سوريا. متطرفون يرتدون سترات برتقالية اللون مكتوبًا عليها «شرطة الشريعة»، قاموا بفرض سيطرتهم على شوارع مدينة فوبرتال الصناعية الوقعة غرب ألمانيا التى يعيش فيها عدد كبير من المسلمين، وكانوا يقومون بإيقاف الشباب ويقدمون لهم نصائح بعدم شرب الكحول والذهاب إلى المقاهى وبيوت الدعارة، ومع تزايد شكاوى المواطنين، ووصول الأمر إلى القضاء، تمت تبرئتهم، قبل أن تلغى المحكمة الاتحادية حكم البراءة، وتعاقبهم محكمة فوبرتال بغرامات تتراوح بين ٣٠٠ و١٨٠٠ يورو، ليس لكونهم متطرفين أو لأن «سلوكهم يوحى بأنهم يتبنون أفكارًا متطرفة»، كما قالت المحكمة، ولكن لأنهم خرقوا قانون ارتداء الزى الرسمى، وهو القانون الذى يهدف إلى منع ارتداء ملابس الحزب النازى.
غالبية التنظيمات الإسلامية، فى ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، تعمل لحساب دول أخرى، ومعروف أن تركيا، رصدت ميزانية ضخمة للسيطرة على مساجد ومراكز دينية فى دول العالم المختلفة، وسبق أن أكد أحمد يايلا، الأستاذ المشارك فى مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أن «ألمانيا، بلجيكا، النمسا، هولندا، سويسرا، النرويج، والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب تجسسهم لصالح تركيا». والطريف، هو أن السلطات الألمانية اكتشفت، بالصدفة، أن أحد الدواعش الأربعة، الذين شاركوا فى هجوم استهدف مدينة دوسلدورف، كان يعمل، أيضًا، لصالح المخابرات التركية!
التعامل بسذاجة مع منظمات الإسلام السياسى، أو التواطؤ معها، يقودان إلى النتيجة نفسها. وفى الحالتين، فإن تحذير كريستوف دى فريس، لن يقدم أو يؤخر، مع استمرار احتضان ألمانيا الإرهابيين، وسماحها لهم، أو لخدمهم، بالسيطرة على منابر مساجدها وعلى منصات إعلامية، تمولها الخزانة الاتحادية، وتسيطر عليها المخابرات التركية.